نشرت صحيفة «يديعوت أحرونوت»، أمس، ملخصاً عن تحقيق قالت إنها ستنشره كاملاً في ملحقها الأسبوعي غداً، ويتعلق بعملية «شجيرة العليق»، وهي عبارة عن خطة نظرية أعدّها الجيش الإسرائيلي لاغتيال الرئيس العراقي الأسبق، صدام حسين، في مطلع تسعينيات القرن الماضي. وأعدّ التحقيق مراسل الشؤون الاستخبارية، رونين بيرغمان، الذي أوضح أنّ المادة التي استند إليها هي وثائق عن العملية محفوظة منذ 20 عاماً في صناديق مختومة بالشمع تحت عنوان «سري جداً» في أرشيف العمليات الخاصة التابع لشعبة الاستخبارات العسكرية.
وبحسب الكاتب، فإن المعطيات الاستخبارية تكشف عن واحدة من عمليات الكوماندوس الأشدّ جرأة التي خططت لها إسرائيل على الإطلاق، مشيراً إلى عمق الخلافات وسط قيادة الجيش حول العملية، التي انتهت الاستعدادات لها بمقتل خمسة من أفراد وحدة النخبة الأولى في الجيش الإسرائيلية «سييرت متكال»، خلال التدريبات بقاعدة «تساليم» في النقب عام 1992.
وتبدأ حكاية «شجيرة العليق»، وفقاً لبيرغمان، مع نهاية عام 1991، حين أمر رئيس الأركان آنذاك، إيهود باراك، جهاز العمليات الخاصة بإجراء «فحص إمكان» تنفيذ عملية اغتيال صدام حسين، أو بحسب المصطلح المعتمد في الاستخبارات، القيام بـ«علاج سلبي» ضدّه.
وأيد رئيس «الموساد» في حينه، شفتاي شبيط، العملية. وإثر ذلك، أُطلق على صدام في وثائق شعبة الاستخبارات رمز «الموضوع»، فيما أطلق عليه الموساد رمز «كسيوفا».
ويروي الكاتب كيف أن ضباط الاستخبارات شرعوا في حياكة سلسلة خطط للوصول إلى صدام، الذي كان قليل الظهور على الملأ. وكانت إحدى الأفكار أن يُباع جهاز ملغّم لأحد المقربين منه، ليُصار إلى تفجيره لدى وصوله إلى يديه، إلا أنّ المشرف على العملية، عميرام ليفين، رفض هذه الطريقة. ومن بين الأفكار الأخرى التي جرى التداول بها، استبدال قاعدة نصب الجندي المجهول في بغداد بأخرى ملغّمة مثيلة لها، يجري تفجيرها بالرئيس العراقي أثناء زيارته السنوية للنصب.
كذلك بُحثت فكرة استبدال أجزاء من تمثال في شارع الرشيد في بغداد يزوره صدام في كل مرة يأتي ضيف رفيع المستوى إلى العراق. ولمعرفة تفاصيل هذا التمثال، أرسل «الموساد» عميلاً إلى بغداد للتحقيق، فتبين له أن التمثال يعود لصديق مقرب من صدام. كذلك بُحثت خطة أخرى، هي تنفيذ عملية الاغتيال على جسر «14 تموز»، الذي دمره القصف الأميركي أثناء حرب الخليج الأولى، وافترضوا أن صدام سيحضر حفل افتتاحه بعد الترميم.
إلا أن كل هذه الخطط رُفضت؛ لأن معناها أن تجري العملية داخل مدينة بغداد المزدحمة. وآنذاك وردت من وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية «سي آي إيه» معلومة غيرت مسار التخطيط للعملية. وتقول إن خال صدام المحبوب، خير الله طلفاح، مريض جداً، وكان واضحاً أنه إذا مات، سيُدفن في المقبرة العائلية في العوجة خارج بغداد، وأن صدام سيحضر الجنازة. وعلى هذا الأساس، طُرحت فكرة تلغيم طرق المقبرة بـ«شحنات وثابة» يُشغّلها عميل «موساد» يوجد في المكان أثناء عبور حاشية صدام، إلا أن الفكرة رُفضت لتقديرات عملياتية.
وفي أعقاب ذلك، شُرع في بلورة خطة تُنزَل بموجبها وحدة تابعة لـ«سييرت متكال» من مروحيات، وتسافر في سيارات تجارية لعدة كيلومترات على مقربة من المقبرة. وقد جُهِّزت الأجزاء الخلفية من السيارات بحيث تستطيع اطلاق صواريخ موجهة، من طراز «تموز»، على أن تتقدم وحدة أصغر تراقب المقبرة، وحين يظهر صدام تُطلق الصواريخ عليه.
وأشار الكاتب إلى أن هذه الخطة واجهت إشكالية التحكم بالجدول الزمني المرتبط بالموعد المفترض لوفاة طلفاح وبموعد الجنازة، غير أن «الموساد» قدم حلاً لهاتين النقطتين: فقد اقترح مسؤول كبير «مساعدة» طلفاح على إنهاء حياته، لأنه «يعاني كثيراً أصلاً». وبعد موته يؤخر «الموساد» طائرة ابنة طلفاح، التي كانت تسكن في سويسرا ومتزوجة سفير العراق هناك، برزان التكريتي، بحيث يعطي الوحدة الإسرائيلية الوقت اللازم للوصول إلى مكانها في الوقت.
وبعد الانتهاء من الاستعدادات للعملية، اتخذ قرار بأن يكون التدريب الأخير أمام القيادة العليا للجيش في الخامس من تشرين ثاني 1992. أثناء التدريب أطلق خطأً عدد من صواريخ «تموز» على مجموعة جنود من «سييرت متكال» كانوا يمثلون دور حاشية صدام، أدّت إلى مقتل خمسة منهم، وسببت وقف التدريب والعزوف عن العملية برمتها.