الجزائر | بعد أربعة أشهر من الانتخابات البرلمانية، أعلنت الرئاسة الجزائرية، أول من أمس، تعيين وزير الموارد المائية عبد المالك سلال وزيراً أول بديلاً من أحمد أويحيى، الذي بقي في منصبه خمس سنوات متتالية. الملابسات التي أحاطت هذا التعيين وتوقيته فتحت المجال لتعليقات واستنتاجات كثيرة، أولها أن أحمد أويحيى لم يقدم استقالته، لكنه أزيح من المنصب، وإن كان ذلك منتظراً منذ مدة نظراً إلى فشل السياسة الاقتصادية والاجتماعية، وانحدار مستوى الدبلوماسية الجزائرية الى الحضيض، وخاصة في ظلّ «الربيع العربي».
بيان الرئاسة اقتصر على الإعلان عن تعيين سلال وزيراً أول. الموضوع الثاني هو التشكيلة الوزارية، فلقد كانت البروتوكولات الشكلية في السابق تؤخر إعلان قائمة الوزراء 24 أو 48 ساعة بعد الإعلان عن رئيس الحكومة المكلف. لكن في عام 2008 ألغي منصب رئيس الحكومة وتحوّل المنصب الى وزير أول يعلن مع قائمة وزرائه. ومع ذلك لم تعلن قائمة الوزراء مع الوزير الأول هذه المرة بسبب خلافات قائمة في قمة هرم السلطة، حسبما أفاد محللون وخبراء في الجزائر أمس. ويرجح كثيرون أن يقتصر التغيير على مجموعة من الوزراء «المكروهين جداً»، وفي مقدمهم وزير التربية، ووزير الصحة، ووزير الشؤون الخارجية.
وفي سياق توقيت الإعلان عن تعيين الوزير الأول الجديد، يرى كثيرون أن إعدام حركة التوحيد والجهاد الأصولية الدبلوماسي الطاهر تواتي في قاو بشمال مالي عجّل في إعلان هذا التغيير، مع أنّ اسم سلال كان متداولاً منذ شهرين. وقد سبق لـ«الأخبار» أن أشارت إلى هذا الاسم قبل أسابيع. ويندرج الإعلان في هذا التوقيت ضمن ما تريد السلطة أن يكون إلهاءً للرأي العام الغاضب والمفجوع بما حصل للدبلوماسي الشاب، وتفريطها فيه، حيث طلبت الحركة استبداله ورفاقه المحتجزين، حتى اليوم، بإرهابيين موقوفين في السجون الجزائرية، بينما فضّلت القيادة في الجزائر وضع رأسها في الرمال كالنعامة فحصلت الكارثة. وهذا ما أثار غضب الشارع، كما أثار خلافات داخل أروقة الحكم. وقد أدلى الوزير الأول الجديد، أمس، بتصريح اكتفى فيه بالتشديد على استمرار العمل حسب البرنامج الذي وضعه الرئيس عبد العزيز بوتفليقة، وأكد التزامه بالإصلاحات التي أطلقها «ربيع 2011». كما لم يتعرض إطلاقاً لموضوع الدبلوماسيين الثلاثة المحتجزين في شمال مالي.
يذكر أن عبد المالك سلال دخل مجلس الوزراء في الجزائر عام 1998، حين عيّن على رأس وزارة الداخلية للتحضير للانتخابات الرئاسية التي فاز بها الرئيس عبد العزيز بوتفليقة، وقبلها كان في السلك الدبلوماسي، وعيّن باستمرار في مناصب وزارية عديدة خلال السنوات الـ 13 الماضية. ويوصف بالتكنوقراطي لأنه لم يكن ينتمي علناً الى حزب معيّن، لكنه كان دائماً مقرباً من الرئيس بوتفليقة، فهو مدير حملته الانتخابية لفترتي 2004 و2009. هذا التعيين أعطى الجزائريين انطباعاً بأنّ لا شيء تغيّر. فأحمد أويحيى رجل النظام الوفي لأجندة من يقررون سياسة البلد ومثله سيكون عبد المالك سلال، ولا يملك الرجل سياسة خاصة يمكن أن يغيّر عبرها الأوضاع ليقلص نسبة الفقر والفوارق الطبقية، ويخمد الاحتجاجات الاجتماعية والصدامات مع قوى الأمن في الشارع، التي قارب عددها العام الماضي ثلاثة آلاف احتجاج. إذاً، السياسة المتبعة هي التي ستتواصل بنظر معظم المتابعين والصحافيين. لم يدرج عبد المالك سلال ضمن قائمة الفاسدين، إلا أنّه لا يملك القدرة على الإصلاح لأنّه مجرد رأس حكومة تنفذ سياسة معدّة سلفاً. فالأمر لا يعدو كونه ولادة قيصرية لحكومة ميتة، بل أكثر من ذلك، إذ يخشى كثيرون أن تكون الحكومة الجديدة استفزازاً لمن يطالبون بالتغيير الإيجابي الملموس، وتكون السبب في التعجيل باضطرابات لا يعرف أحد نهايتها.