الخرطوم | على غير عادة اللقاءات التي كانت تجمع مسؤولين سودانيين بنظرائهم الأميركيين، كان اللقاء الذي جمع مسوؤلين سودانيين وأميركيين قبيل عطلة عيد الفطر بعيداً عن دبلوماسيي الخارجية السودانية كما جرت العادة من قبل. فقد التقى نافع علي نافع، أحد الأقطاب الأساسيين في صفوف الإسلاميين في السودان، نائب رئيس المؤتمر الوطني الحاكم، بالقائم بالأعمال الأميركي في الخرطوم جوزيف إستافورد، في اجتماع لا تزال تفاصيله طي الكتمان. وعزز المسؤول الأميركي من الغموض الذي طبع اللقاء بعدم تحدثه إلى الصحافيين عمّا دار خلف الأبواب المغلقة، وخصوصاً أن اللقاء جاء عقب أسابيع من زيارة وزير الخارجية السوداني علي كرتي لواشنطن. ورأى المراقبون أن اللقاء لم يخرج عن إطار ما قاله الوزير السوداني في واشنطن حينذاك عن أن «مهمتنا تتركز حول تحسين علاقاتنا مع كل الدول، خاصة أميركا التي تعتبر دولة مهمة ولها تأثير كبير على العالم».
وسلطت زيارة كرتي الأخيرة لواشنطن واللقاءات الرفيعة المستوى بين الطرفين، الضوء على ما اعتبره الصحافي عزمي عبد الرازق مرحلة «إشهار لورقة الزواج العرفي بين الخرطوم وواشنطن».
وكان مبعوث الرئيس الأميركي للسودان، برنيستون ليمان، قد تحدث في محاضرة نشرتها الخارجية الأميركية الشهر الماضي عن سيناريو تطبيع مع الخرطوم يؤسس لإنهاء التوترات في النيل الأزرق وجنوب كردفان وحل القضايا العالقة مع دولة جنوب السودان. ولفت ليمان إلى أن طرحه «يحظى بتأييد طيف واسع من المجتمع السوداني وسياسيين وأحزاب معارضة وطلاب، وكذلك من دوائر الحزب الحاكم في السودان». ولعل الجزئية الأخيرة من حديث المسؤول الأميركي عززت شكوك المعارضة السودانية في نيّات الموقف الأميركي من مطالب المعارضة السودانية التي كانت تولي الموقف الغربي، وتحديداً الأميركي، ثقة كبيرة في دعم برامجها التي تهدف إلى ما تسميه التحول الديموقراطي في السودان.
الحزب الشيوعي السوداني أصدر بياناً اعتبر فيه مقترحات المبعوث الأميركي طلباً صريحاً من المعارضة والشعب السوداني «لعقد مصالحة مع النظام دون مقابل».
وعزز صديق يوسف، عضو اللجنة المركزية للحزب الشيوعي السوداني، موقف حزبه تجاه حديث المسؤول الأميركي بالقول «إن الحزب الشيوعي يرفض الدخول في أي حوار مع المؤتمر الوطني قبل توافر الجو الديموقراطي لطرح وجهة نظر الحزب».
وليس بعيداً عن أجواء المغازلات السياسية بين الخرطوم وواشنطن، الإعلان الأميركي الذي صدر من وزارة المال السودانية عن أن الولايات المتحدة خصصت في ميزانيتها لعام 2013 مبلغ 250 مليون دولار كدفعة أولى للمساهمة في حل ديون السودان، توطئة لرفعها إلى الكونغرس الأميركي للإجازة. لكن مبعوث مساعد الخزانة الأميركية للشؤون الأفريقية، جونا هيرلي، ربط في اللقاء الذي جمعه بمسؤولين سودانيين في الخرطوم، قبل أسبوع، الحصول على هذه المنحة بشروط سياسية وأمنية يجب تحقيقها في إقليم دارفور ومنطقتي النيل الأزرق وجنوب كردفان. إلا أن وزير الدولة في وزارة المال السودانية عبد الرحمن ضرار، دعا المجتمع الدولي إلى عدم ربط مشاكل بلاده الداخلية بمعالجة ديونه.
لكن التحول في العلاقات الأميركية السودانية أعاد إلى أذهان الكثيرين تلك العبارة التي نسبت إلى الرئيس السوداني عمر البشير في مستهل سنوات حكمه للبلاد عندما قال «عندما ترضى عنا أميركا، فنحن نسير في الاتجاه الخاطئ».
وبين الموقفين، الأول لحكومة الرئيس السوداني عمر البشير والموقف الأخير تقف المصالح المشتركة، حيث تتحدث واشنطن عن «رجال أميركا في الخرطوم» الذين دعموا جهودها «لمكافحة الإرهاب»، ضمن أجواء لم تغب عنها سياسة العصا
والجزرة.