نواكشوط | الجزائر | كما كان متوقعاً، نفذ الخاطفون وعيدهم وقتلوا الدبلوماسي الجزائري الطاهر أتواني خلال الساعات الماضية، فيما فضّلت السلطات الجزائرية التريّث في تأكيد الخبر. وحمّل رئيس مجلس شورى حركة «التوحيد والجهاد» في غرب أفريقيا، أبو الوليد صحراوي، السلطات الجزائرية المسؤولية كاملة. وقال، في تصريح نُشر أمس في نواكشوط، إن حركته قامت بتصفية الدبلوماسي الجزائري الطاهر أتواتي، مؤكداً أن «تعنت النظام الجزائري في التعاطي مع مطالب حركته كان وراء القرار». وأشار الى أن «حركته أبلغت قبل أيام أن مطالبها وصلت الرئيس الجزائري (عبد العزيز) بوتفليقة»، مضيفاً أن «انتهاء المهلة التي حددتها حركته دون ردّ يوضح مدى التعنت الذي تتعامل به الجزائر مع مطالب الإفراج عن الرهائن الجزائريين». وأوضح أبو الوليد أن حركته أفرجت قبل عدة أسابيع عن 3 رهائن جزائريين مقابل إفراج السلطات عن عدد من سجناء حركته، مؤكداً أن مصير الرهائن الثلاثة المتبقين مرهون بمدى تجاوب الحكومة مع المطالب، التي قال إنها موجودة منذ فترة لدى الحكومة الجزائرية.
وأكد رئيس مجلس شورى الحركة، الناشطة في منطقة أزواد في الشمال المالي، أن حركته مددت المهلة التي أعلنتها خلال الأشهر الماضية بناءً على طلب من تنظيم «القاعدة» في بلاد المغرب الإسلامي، وأملاً منها في تقدم التفاوض، لكن النظام الجزائري «فضّل التعنت والمماطلة في التعامل مع مطالبنا».
وتحفظ أبو الوليد عن إعطاء رقم محدد للسجناء الذين طلبت حركته الإفراج عنهم، قائلاً «لوائحهم موجودة منذ فترة لدى الحكومة الجزائرية، ومصير الرهائن الثلاثة المتبقين مرهون بالتجاوب معهم».
ويبدي المراقبون في نواكشوط مخاوفهم من أن تتواصل عمليات الإعدام في حق الرهائن، في ظل رفض السلطات الجزائرية تلبية مطالب الخاطفين، وخصوصاً أن «القاعدة» مددت المهلة أكثر من مرة للراحل الطاهر تواني، لكن الرئيس عبد العزيز بوتفليقة ماطل رغم المفاوضات غير المعلنة التي تحدثت عنها بعض التسريبات، وبذلك يكون الرئيس الجزائري وحكومته قد استهترا بأرواح الجزائريين، وفشلوا في التفاوض مع الخاطفين وإنقاذ الرهائن. أما السلطات الجزائرية، وتعقيباً على خبر الإعدام، فقد اكتفت بإصدار بيان مقتضب من خلال وزارة الخارجية، أفاد بأن السلطات تتحرى عن صحة خبر تنفيذ الإعدام، مشيرة الى أن لا شيء مؤكداً حتى الآن.
وذكّر البيان بأن الامين العام للوزارة استقبل أول من أمس عائلات الدبلوماسيين المخطوفين، وأكد لها أن «المفاوضات مع الخاطفين لم تتوقف». وأعربت الوزارة عن دهشتها من «نبأ تنفيد حكم الإعدام، إن صح، والذي جاء في وقت تجري فيه المفاوضات بين الجانبين». وكانت العائلات قد طلبت من الحكومة «فعل كل شيء من أجل الافراج عن الدبلوماسيين وإنقاذهم».
على المستوى الشعبي، نزل الخبر كالصاعقة على المواطنين، مع أنه كان متوقعاً، لكون الجماعات الارهابية معروفة بأنها تنفذ التهديدات عندما يتعلق الأمر بإعدام رهينة في حالة الفشل. وذكّر الحادث بأوجاع اختطاف القائم بالاعمال في السفارة الجزائرية ببغداد، علي بلعروسي، والملحق الدبلوماسي عز الدين بلقاضي، ثم إعدامهما في يونيو 2005. ويتوقع أن يستعر الجدل حول هذه القضية بعد تسريبات أفادت بأن الخاطفين كان من الممكن أن يطلقوا سراح الجميع لو نفذت السلطات مطلبهم الرئيس المتمثل في إفراج سلطات الجزائر عن معتقلين متشددين من سجونها. ويرى خبراء أن السلطات الجزائرية مقتنعة بصحة خبر تنفيذ الحكم، لكنها أجّلت إعلانه بسبب خلافات في الرؤى في هيئة التنسيق الأمني الدبلوماسي بشأن التعامل مع الخاطفين في ما تبقى من المفاوضات لإنقاذ الثلاثة الباقين.
في غضون ذلك، انطلقت الحرب على الحكومة من شباب مواقع التواصل الاجتماعي مباشرة بعد نزول الخبر. وحمّل معظم المتحاورين السلطات مسؤولية مقتل الدبلوماسي واتهموها بالتقصير. وانقسم المجادلون الى ثلاث فئات: بعضهم يرى أن النظام الجزائري فرّط في واحد من أبنائه ولم يبذل الجهد الكافي للإفراج عن المخطوفين لكي يظهر الى العالم كضحية إرهاب ويحصل على الدعم للاستمرار بالحكم، لكونه التزم بعدم تقديم تنازلات في شكل فدية أو تبادل أسرى مع التنظيم الارهابي، فيما رأى فريق آخر أن إعدام الدبلوماسي وربما إعدام الآخرين هو ثمن سياسة الجزائر المعادية للارهاب، ومن غير الممكن تغيير سياسة البلاد من أجل شخص أو أشخاص. لكن حتى هذا الفريق، حمّل السلطة المسؤولية، لكونها تعلم أن الدبلوماسيين الجزائريين مستهدفون من المتشددين، لذلك كان عليها أن تسحبهم قبل اجتياح الإرهابيين للمنطقة. وبرأيهم، فإن هذا كان ممكناً نظراً الى معرفة الجزائريين للمكان وللإمكانيات المتوافرة براً وجواً للإجلاء. أما الفريق الثالث فقد رمى بالمسؤولية على النظام، لكن لأنه لم يبادر إلى احتلال الحيز الذي استولى عليه المتشددون وأقاموا عليه إمارتهم في شمال مالي.
لكن يبدو أن السلطات الجزائرية راهنت على حسابات أخرى خفية، ولم تتدخل، مع أنها تقود «القيادة العسكرية الموحدة لدول الميدان»، التي تضم إضافة الى الجزائر، مالي والنيجر وموريتانيا. والدول الثلاث الأخيرة كانت مع التدخل في شمال مالي قبل شهور من اجتياحها من التنظيمات المتشددة، بل ومنذ بداية تدفق السلاح الليبي الى المنطقة في ظل الحرب التي أطاحت الرئيس الليبي الراحل معمر القذافي. ويرى المحللون أن السلطات في الجزائر، بشقيها الدبلوماسي والأمني، في مأزق غير مسبوق؛ إما أن تتراجع عن سياستها بعدم تلبية مطالب الإرهابيين وتخسر الدبلوماسيين الثلاثة المتبقين، وإما أن تستجيب وهذه فضيحة، وسط توقعات بأن تشعل الخطة حرباً قوية داخل جهاز الحكم قد تسقط رؤوساً كثيرة.