الصحافيون الأميركيون مغتاظون من نجاح طهران في عقد «قمة دول عدم الانحياز»، ومن الاجراءات الامنية التي تواكب الحدث، ومن التدابير اللوجستية التي قام بها المسؤولون لتسهيل حركة السير والتخفيف من الاكتظاظ في العاصمة خلال القمة

، ومن البالونات التي أطلقت في الهواء واللافتات التي رفعت في شوارع طهران ترحّب بالوافدين الى القمة وتذكّر بأهميتها، ومن المصابيح الكهربائية النظيفة على امتداد الشوارع، ومن باحة الاستقبال التي عرضت فيها سيارات العلماء النووين المفخخة، ومن تلبية الأمين العام للامم المتحدة بان كي مون الدعوة، ومن مشاركة الرئيس المصري محمد مرسي شخصياً في القمة، ومن دعوة إيران الحاضرين الى القيام بجولة في قواعدها النووية... كل شيء بدا مستفزاً لمعظم الصحافيين الاميركيين والفرنسيين الذين تناولوا القمة الاسبوع الماضي في مقالاتهم الوصفية والتحليلية.
لماذا لم يرضخ بان كي مون للضغوط الاميركية الاسرائيلية وأصرّ على الحضور؟ ماذا عن خطوة مرسي الانفتاحية تجاه النظام الايراني «القمعي»؟ لماذا قد يعطي العالم إيران فرصة لتعزيز موقفها على الصعيد الدولي؟ ما نفع الحصار اذاً؟ هل هو حقيقي؟ هل نجحت طهران في حملة تلميع صورتها واستمالة المشاركين الى صفها؟ سأل الاعلام الاميركي والفرنسي.
عن أهداف إيران من وراء عقد هذه القمة «وكل التحضيرات التي عطّلت المدينة»، قال مهدي خلجي، في «معهد واشنطن لسياسية الشرق الأدنى»، إن «النظام الإيراني يرى في القمة فرصة لإظهار أن مساعي الغرب لعزل إيران سياسياً قد فشلت وأنه لا يوجد إجماع دولي ضد الجمهورية الإسلامية». وأضاف أن «طهران ترى في القمة جزءاً مهماً من الحرب السياسية الرامية إلى تحقيق الهيمنة على الشرق الأوسط والعالم الإسلامي ككل». وعن مشاركة الرئيس مرسي في القمة، يشرح الكاتب أن النظام الايراني «يريد من القوى الكبرى وإسرائيل أن تؤمن بأن «الربيع العربي» قد أفاد الجمهورية الإسلامية، وأن حضور مرسي يظهر أن الأحداث الأخيرة في المنطقة تشكل «صحوة إسلامية» يمكن أن تصلح الجسور المهدومة التي فصلت إيران عن قلب الدول العربية لفترة دامت أكثر من ثلاثة عقود».
هدف آخر لإيران يكشف عنه خلجي، وهو أنها «تأمل إزالة خلافاتها المتنوعة مع جماعة «الإخوان المسلمين» المصرية، وهي الخلافات التي تزيد عن مجرد كونها قضايا دينية وعقائدية وتمتد إلى الأزمة السورية الجارية». المحلل يسجّل لطهران أنها «انحرفت عن التكتيك الذي استخدمته في العراق وأفغانستان، وهو المراهنة على جميع الخيول، حيث إنها وضعت كل رهانها في سوريا على بشار الأسد».
توماس إريدبرينك يصف، في «ذي نيويورك تايمز»، كيف اهتمّ «جيش من المنظفين ومزيّني الحدائق بشوارع العاصمة». ويكشف أن المسؤولين «قدموا وقوداً مجانياً لسكان طهران بغية تشجيعهم على مغادرة المدينة خلال انعقاد القمة للتخفيف من الازدحام». الكاتب يتوقف أيضاً عند المجسّم الذي عرض في باحة الاستقبال عند مبنى انعقاد القمة، والذي عرضت فيه سيارات العلماء النوويين الذين استهدفوا بتفجيرات قاتلة مع صور لأطفالهم. «رسالة طهران واضحة»، يقول إردبرينك. ويتابع «هي تريد أن تروي من جانبها تاريخ مواجهات مع القوى الغربية». الكاتب يتوقف عند تلبية كل من بان كي مون ومرسي للدعوة الايرانية. ويقول إن «ذلك اعتُبر كنكسة للجهود الولايات المتحدة في عزل إيران».
رفات الحرب الباردة
لكن طوني كارون، في مجلة «تايم» الأميركية، يرفض الحديث عن «نكسة» أصيبت بها «الحملة الاميركية لعزل إيران» بسبب مشاركة بان ومرسي، لماذا؟ دعا كارون الى عدم «المبالغة بحجم الحملات الاميركية لعزل إيران»، والى عدم تعظيم دور وأهمية «قمة دول عدم الانحياز». كما اتجه الكاتب الى «تنفيس» معاني حضور بان ومرسي الى طهران بقوله إن «الأمين العام للامم المتحدة لا يستطيع أن يكسر عقوداً من المشاركة التقليدية لمؤسسته في هذه القمة، اضافة الى خطورة فقدانه منصبه اذا ظهر كمنحاز لأجندة الدول الغربية». مشاركة الرئيس المصري «لم تكن مفاجئة» أيضاً، كما يقول كارون، إذ «إنه كان من المتوقع ألا يستمر أي نظام يأتي بعد حسني مبارك بخدمة المصالح الاميركية كما في السابق». أما بالنسبة للقمة بحدّ ذاتها، فيشير كارون الى أنها «منذ البداية تدعم حق إيران بالحصول على النووي ولا تؤيد سياسة العزل تجاهها». كارون يلفت الى أن إيران «سعت لاستخدام القمة في أهداف بروباغندية، وهذا ما عززته ردة الفعل الاسرائيلية». الكاتب ينقل بعض ما جاء على لسان المسؤولين الاسرائيليين الذين هاجموا بان ودعوه الى عدم الحضور كما هوّلوا من نتائج تلك القمة ومعانيها «المهددة لإسرائيل».
إيليوت أبرامز، في «مجلس العلاقات الخارجية»، كان أيضاً من بين الحانقين على الأمين العام للامم المتحدة لنفس الغاية وتكفّل بنشر الرسالة التي رفعها حوالي ٤٠٠ مثقف إيراني أو من متحدر من أصل إيراني طالبوا بان بدعم المعارضة الايرانية وزيارة مير حسين موسوي خلال تواجده في طهران. إبرامز، الذي وصف «مجموعة دول عدم الانحياز» بـ«رفات الحرب الباردة»، استغرب كيف يشارك بان في قمة تعقدها دولة «قامعة للحريات».
لكن روب راكوف في مجلة «ذي فورين بوليسي» يدعو المسؤولين الاميركيين الى استخلاص العبر من تاريخ تعامل الادارات الاميركية مع قمم «دول عدم الانحياز». راكوف قال إن «المعارضة الاميركية العلنية لقمة طهران تفسح المجال أمام اتهام الولايات المتحدة بالهجوم على مبدأ عدم الانحياز بحدّ ذاته». كما دعا راكوف الرئيس باراك أوباما إلى أن «يستخدم مبادئ دول عدم الانحياز نفسها ضد إيران». لذا، يقول راكوف إنه «لا ينبغي للاميركيين معاداة القمة والتعامل معها كمحور شرّ آخر والاستفادة من تجارب الماضي».
وفي اطار التركيز على زيارة الرئيس المصري لطهران والمشاركة في القمة، توقف إرنستو لوندونيو، في «ذي واشنطن بوست»، عند معاني الزيارة. إذ يرى الصحافي في تلك المشاركة «نقلة نوعية في السياسة الخارجية المصرية». لوندونيو يلفت الى التعامل الاميركي الرسمي الحذر مع مشاركة مرسي، ويذكّر بأن الناطق باسم أوباما اختار كلماته بشكل لا يصف فيها زيارة مرسي طهران بأنها «ازدراء للولايات المتحدة». بل سارع المسؤولون الاميركيون إلى التطمين بأن «مرسي لن يعقد لقاءات ثنائية مع المسؤولين الايرانيين وأن العلاقات الدبلوماسية لم تستأنف بين البلدين». صحافي الـ«بوست» وصف أيضاً عرض سيارات العلماء الايرانيين المفخخة بـ«الحركة الاستفزازية».
لكن الهجوم الأشدّ على مرسي جاء في مقال توماس فريدمان، في «ذي نيويورك تايمز»، بعنوان «انعطاف مرسي الخاطئ». فريدمان يتوجه الى مرسي بالقول إنه «يجب أن يخجل من نفسه» لأنه قبل دعوة «نظام قتل الثورة الخضراء وسحق من طالب بالحرية وبالنتخابات النزيهة». الكاتب يذكّر مرسي بأن «التحرك من أجل الديموقراطية الذي قتل في إيران هو من نوع التحرك نفسه الذي أتى بك الى السلطة». فريدمان علّق أيضاً على ما أعلنه المسؤولون المصريون من أن «الرئيس المصري سيتوقف في طهران لبضع ساعات فقط من أجل تسليم رئاسة القمة للرئيس الايراني»، بالقول إنه «كان بإمكانه فعل ذلك بالإيميل». ومن الهجوم على مرسي، انتقل الصحافي الى الهجوم على «مجموعة دول عدم الانحياز» ليسأل «هل لا تزال فعلاً دول عدم انحياز؟»، متهماً إياها «بالانحياز الى جانب الدول غير الديموقراطية وعلى رأسها إيران». «هل أنتَ غير منحاز في خيارك هذا يا مرسي» سأل فريدمان، وأجاب «ما تحتاج اليه مصر اليوم لن تجده في طهران».



أصدقاء إيران اللاتينيون

الصحافة الفرنسية كانت نبرتها أخفّ، لكنها ركّزت أيضاً على التحضيرات اللوجستية التي قام بها النظام الايراني. وعلّق الصحافيون على عديد الأمنيين الذين فرزوا في أنحاء العاصمة لمواكبة الحدث. أرمين عارفي في «لو بوان» رأى أن «بعض رموز السلام زهّرت في المنطقة الشمالية للعاصمة الايرانية، إذ طليت بعض المصابيح باللون الأزرق وعلّقت لوحات زرقاء عليها حمامات سلام». عارفي ينقل عن الأكاديمي محمد رضا جليلي قوله «من الواضح أن طهران نجحت في عملية التواصل».
من جهتها، خصصت صحيفة «لو موند» إحدى مدوناتها لرصد «أصدقاء إيران من أميركا اللاتينية». تحت شعار أن «قمة دول عدم الانحياز» هي الفرصة الأنسب لمعرفة من هم أصدقاء إيران اللاتينيون، خلصت «لو موند» إلى أن فنزيولا، كوبا، الاكوادور، نيكاراغوا وبوليفيا تشكل «نواة أصدقاء إيران الذين دعموها في كل الظروف». «بعد انهيار الاتحاد السوفياتي باتت معاداة الولايات المتحدة هي الجامع بين بعض الدول، ومن بينها مجموعة الدول اللاتينية التي تتحالف مع إيران لهذا السبب»، تقول «لو موند».