القاهرة | هل وصلت «الدولة العميقة» في مصر الى حافة الصراع؟ هذا ما ستكشف عنه الأيام، إلا أن الاقالات التي طالت قيادات جهاز الاستخبارات العامة والقوات المسلحة على خلفية اعتداء سيناء، الذي أودى بستة عشر جندياً قبل أيام، ربما كانت تشير إلى قمة جبل الجليد على الأقل في هذا الصدد.ولاقى قرار اطاحة رئيس الاستخبارات مراد موافي، للوهلة الأولى استحساناً شعبياً، في ظل سخرية مريرة واسعة النطاق على مواقع التواصل الاجتماعي تخللتها إعادة نشر صور لجنود «الصاعقة» في الجيش المصري بكامل عدتهم وهم مرابطون حول حديقة ميدان التحرير قبل شهور لمنع نشطاء من الاعتصام هناك، ومقارنتها بالفشل الذريع في حماية الحدود قبل أيام.
هذا الترهل في أجهزة الدولة، أرجعه الباحث في مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية، عمرو هاشم ربيع، إلى «غياب برلمان قادر على محاسبتها»، فضلاً عن امكانية صراعها في ما بينها في أوقات الأزمات، في إشارة للأوضاع التي تعاني منها البلاد بعد حكم القضاء الدستوري بعدم دستورية قانون مجلسي الشعب والشورى والذي أفضى إلى حل مجلس الشعب.
وقد أعاد قرار الرئيس المصري، محمد مرسي، اقالة موافي للأذهان التصريحات التي أدلى بها الأخير قبل ساعات من الاستغناء عنه، والتي ألقى فيها باللائمة ضمنياً على القوات المسلحة بالاخفاق في منع اعتداء سيناء، عندما قال إن «الجهاز (الاستخبارات) كانت لديه معلومات مؤكدة عن وجود تهديدات بهجوم إرهابي يستهدف وحدات في سيناء قبيل وقوع حادث سيناء، وأن الاستخبارات العامة أبلغت الجهات المعنية بهذه المعلومات». وثارت تساؤلات حول ما اذا كان هذا التصريح أو التقصير هو ما أطاح موافي من منصبه الرفيع، ولا سيما أن رئيس الاستخبارات الحربية بقي في منصبه على غرار قائد قوات حرس الحدود وجميع قادة فروع قوات الجيش باستثناء قائد الشرطة العسكرية والحرس الجمهوري.
وما عزز هذه التساؤلات غياب لجنة للتحقيق في الحادث، كما يقول لـ«الأخبار» المستشار العسكري في مركز الاهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية محمد قدري سعيد. وأوضح سعيد أن لجنة محايدة للتحقيق هي الأولى بتحديد المسؤول عن التقصير، أياً كان، حتى اذا أشارت في هذه الحالة بأصابع الاتهام إلى محمد حسين طنطاوي، رئيس المجلس الاعلى للقوات المسلحة وقائدها العام ووزير الدفاع الذي يشغل أعلى منصب في الجيش المصري. لكن سعيد لفت إلى أن «موافي يتحمل قدراً من المسؤولية في كل الأحوال كون تصريحاته تلك تشير إلى العمل بمنطق الجزر المنعزلة، لا العمل الجماعي. فليس كافياً ابلاغ أي طرف بمعلومات بهذه الأهمية وإنما متابعة الأمر في هذه الحالة ضرورية».
وفي حين ينفي سعيد وجود تربص بين الجيش والاستخبارات العامة، إلا أنه لا ينفي العداء بين أجهزة الدولة العميقة ومؤسسة رئاسة الجمهورية بعد تولي مدني بلا أي خلفية عسكرية المنصب. ووفقاً لسعيد «شعر القائمون على تلك الأجهزة بأنها مرؤوسة من قبل مدنيين للمرة الأولى، بلا ندية أمامهم، وهو ما لم يتخيلوه من قبل». لكنه شدد على أن «الحادث ليس وليد صعود جماعة الاخوان للسلطة والتضارب بينه وبين الأجهزة الأمنية».
من جهته، يشدد نبيل فؤاد، وهو لواء متقاعد في الجيش وخبير عسكري، في حديث مع «الأخبار» على عدم وجود «خلافات موروثة بين الجيش والاستخبارات العامة»، مستنداً في رأيه إلى «أن الجهاز يترأسه أفراد من القوات المسلحة منذ تأسيسه. كما أن أكثر من نصف العاملين فيه ينحدرون من القوات المسلحة».
أما في ما يتعلق بحادث سيناء، فأوضح نبيل أن «المعلومات التي وصلت من إسرائيل إلى مصر حول الحادث لم تتضمن أي تفاصيل حول مكان وقوعه ومن يقف وراءه أو حتى طبيعة ما تستهدفه»، لافتاً إلى أن هذا الأمر «أعاق مواجهة المخطط مسبقاً».