القاهرة | حظيت الانتخابات النيابية التركية التي فاز فيها حزب «العدالة والتنمية» باهتمام قوي من جماعة «الإخوان المسلمين» ودوائر مؤيديها في مصر، أكثر من تلك التي جرت في مصر قبل أيام.الانتخابات المصرية لم تلقَ اهتماماً قوياً من الجماعة أو غيرها، في ظل مقاطعة الانتخابات، وهو أمر رأت فيه الجماعة انتصاراً لها، انطلاقاً من اقتناعها بأن ما يحسم من رصيد النظام يضاف إليها، مع أن هذا لا يستقيم دائماً.

سريعاً اندلعت المقارنات بين الانتخابات التركية ونظيرتها المصرية، سواء في نسب الإقبال ومدة التصويت وكثافة الإقبال، أو حجم التدخل الديني في الانتخابات بفتاوى رسمية مصرية قالت على سبيل المثال إن تارك الانتخابات كتارك الصلاة، ثم جرى التلويح بفرض الغرامات على المتخلفين عن الانتخابات. ولم تنته المقارنات إلى حدّ إجراءات العملية الانتخابية برمتها، بدءاً من فتح باب التصويت وانتهاءً بإعلان النتائج على الهواء مباشرة وعبر شاشات تنقل عملية الفرز في تركيا.
يبدو متفهماً سر الاهتمام بالانتخابات التركية من جميع أطياف السياسة المصرية؛ فالجميع يدركون أن تركيا أكبر داعم إقليمي لـ«الإخوان»، كذلك فإن أراضيها تضم العديد من القيادات الإخوانية ودوائر ربط الجماعة التي تركت مصر عقب عزل محمد مرسي، والامتدادات الأيديولوجية بين الطرفين لها وزنها، حتى وإن شابتها بعض الشوائب. أيضاً، فإن القنوات الإعلامية الناطقة باسم الجماعة أو المحسوبة عليها تبث من تركيا، فيما تواصل الرفض التركي لعزل مرسي إلى ما بعد تولّي عبد الفتاح السيسي مقاليد منصبه رئيساً لمصر، رغم مرور ما يقارب عامين ونصف عام على عزل مرسي.

رأى طرف ثالث
أن مقارنة الحالتين التركية والمصرية مقارنة مخلّة

وحتى إن كان الموقف التركي مرتبطاً بحسابات داخلية متعلقة بدور الجيش وحضوره في العملية السياسية، فإنه يمكن القول إجمالاً إن هذا الموقف في مصلحة «الإخوان»، إضافة إلى تطابق المواقف بين الطرفين في عدد من القضايا، أولاها «الثورة السورية»، والموقف من التمدد الإيراني في الإقليم العربي، الذي تتحوط منه الجماعة لأسباب كثيرة، في مقدمتها إدراكها أنه يشبه الموقف الخليجي من إيران.
على الصعيد العملي، أصدرت الجماعة أكثر من بيان لتهنئة الشعب التركي بـ«إقرار المسار الديموقراطي والفوز الكبير لحزب العدالة والتنمية»، وغمزت من قناة النظام المصري بقولها «إن الانتخابات التركية أكبر ردّ على المنقلبين الدمويين، أعداء الديموقراطية في مصر وسوريا والقوى الدولية والإقليمية ممن يناهضون إرادات الشعب الحرة».
وأضافت الجماعة، في بيان رسمي، أن «نتيجة الانتخابات البرلمانية التركية رسالة إيجابية لكل المؤمنين بالثورة والحرية والديموقراطية وإرادة الشعوب الحية، ورسالة للقتلة سافكي دماء الأحرار من أجل السيطرة على الحكم ومص دماء الفقراء والمعدمين لمصلحة الجنرالات ورجال الأعمال الفسدة».
في الوقت نفسه، تقدم مكتب «الإخوان» في الخارج، الذي تقيم غالبية أعضاؤه في تركيا، بتهنئة أخرى لـ«الشعب التركي الشقيق على حيويته وحفاظه على حياته المدنية، واختياره الحر حين لا يكون الحكم عسكرياً وقمعياً واستبدادياً».
على جانب آخر، قسمت الانتخابات التركية «المبكرة» أنصار الجماعة حول موقف محمد مرسي من دعوات الانتخابات المبكرة التي تصاعدت في أواخر حكمه، وهي الدعوات التي رفضها مرسي والجماعة آنذاك، فيما رأى بعض أنصار الجماعة أنه في حال كان استجاب مرسي لتلك الدعوات لتجنّب وتجنّبت الجماعة نتائج الصدامات مع الدولة منذ ذلك الوقت حتى الآن. لكن طرفاً آخر يرى أن المقارنة بين الحالتين التركية والمصرية مقارنة مخلة، ابتداءً من الاختلاف الجذري بين الدولتين، ثم تحولت القضية إلى سجال حاد بين الطرفين على مواقع التواصل الاجتماعي، التي يمكن اعتبارها بكل ثقة تامة أهم أدوات قياس الرأي العام في مصر، خاصة في الشريحة العمرية لفئة الشباب.
في مستوى داخلي من الجماعة، علت أصوات تطالب بدراسة «التجربة التركية» سياسياً واقتصادياً واجتماعياً، والوقوف على الأسباب الحقيقية لـ«نجاحها» وقدرتها على الصمود في محيط إقليمي مرتبك، ودراسة تجارب عدنان ماندريس ونجم الدين أربكان، وكيف تفوّقت عليهما الدولة وأعدمت الأول، ونحّت الثاني عن الحكم، قبل أن يعود حزب «الطيب» رجب أردوغان ورفاقه ببعث من جديد لتجربة «يتمسح» بها الإسلاميون عموماً وفي مصر خصوصاً.
في الوقت نفسه، لم تصدر أي تعليقات على الانتخابات التركية من الكيانات والأحزاب المحسوبة على الإسلاميين في القاهرة، كحزب «النور» و«الدعوة السلفية»، خلافاً لموقفهما من الانتخابات السابقة التي جرت في تركيا، وشهدت تراجعاً لحزب «العدالة والتنمية».