غزة | كانت ساقا الفلسطينية السبعينية عائشة أصليح (75 عاماً) تسابقان أحلامها، إلى رؤية ابنها يحيى، الأسير لدى الاحتلال الإسرائيلي منذ خمسة أعوام، لكن الموت كان إليها أسرع، فوافتها المنية داخل الحافلة التي تقل الدفعة الرابعة من ذوي أسرى قطاع غزة المقرّّر زيارة ذويها في السجون.كانت أصليح تجلس في مقعد في النصف الأول من الحافلة، والفرحة لا تكاد تسعها بأنها سترى نجلها الأسير يحيى، المحكوم بالسجن 12 عاماً، بعد حرمانها من زيارته منذ اعتقاله في العام 2008. تحاملت الحاجّة عائشة على أوجاعها وآلامها، ودفعت عنها هموم سنين أثقلت جسدها النحيل، لكنّها لم تستطع دفع موت حال دون تحقيق حلمها برؤية نجلها.
وقال مدير جمعية «واعد» للأسرى والمحررين صابر أبو كرش إن الحاجة عائشة «كانت متلهفة بشدة لرؤية ابنها، إلا أن الأجل وافاها وهي داخل الحافلة التي تقل ذوي 37 أسيراً، تحولت فرحتهم إلى حزن، وأصبحت كمأتم متنقل». وتساءل متضامنون وأهالي أسرى في اعتصام أمام مقرّ اللجنة الدولية للصليب الأحمر في غزة «ومن الشوق ما قتل، فهل قتلتها الفرحة؟».
أبو كفاح (60 عاماً)، وهو أحد أقرباء والدة الأسير يحيي إصليح، قال «نفتقد اليوم الحاجة عائشة، التي كانت من أوائل المعتصمين في خيمة الاعتصام الأسبوعي لأهالي الأسرى»، معبراً عن حزنه الشديد لوفاتها قبل أن تحقق حلمها وتكحل عيونها برؤية نجلها الأسير.
المأساة التي غصت بها أمهات الأسرى دفعت أم عمر مسعود، التي لم تر نجلها في سجون الاحتلال منذ ستة أعوام، الى التساؤل «إلى متى سأنتظر زيارة ابني؟ أم سيكون مصيري كالحاجة عائشة إصليح؟!».
واعتبر وزير الأسرى والمحررين في حكومة «حماس»، عطا الله أبو السبح، أن «ما يعانيه أهالي الأسرى من ضغوط أثناء الزيارة وإجراءات تفتيشية معقدة جريمة لا يمكن السكوت عليها»، فيما أكد المتحدث باسم لجنة أهالي الأسرى، موفق حميد، أن منع الاحتلال لعائلات أسرى قطاع غزة من زيارة أبنائهم لستة أعوام متواصلة خلق معاناة بالحد الذي لا يمكن تصوره، محملاً الاحتلال المسؤولية عن النتائج المترتبة على ذلك.
‏وحمّل مركز أسرى فلسطين للدراسات، الاحتلال المسؤولية الكاملة عن وفاة والدة الأسير اصليح «نتيجة الإجهاد والإرهاق والضغط». ورأى في الحادثة «نموذجاً حياً وواضحاً على معاناة أهالى الأسرى وما يتعرضون من مآس خلال رحلة الزيارة المليئة بالعذاب»، مذكراً بحالات مماثلة سابقة ووفاة ذوي أسرى وهم يحاولون الوصول إلى أبنائهم لرؤيتهم داخل سجون الاحتلال، بينما حالت بينهم دون ذلك إجراءات قاسية وقمعية ومذلة.
وأشار مركز أسرى فلسطين للدراسات إلى حادثة وفاة الحاجة عزيزة محمود، والدة الأسير محمد عبده، قبل شهر على حاجز قلنديا العسكري في الضفة الغربية، بعد عودتها من زيارته ومكوثها الطويل على الحاجز في انتظار إجراءات التفتيش المهينة.
والأسير أصليح هو من سكّان مدينة خان يونس جنوب قطاع غزة، ومعتقل منذ 24 آب 2008، ومحكوم بالسجن لمدة 12 عاما، وهو محروم من زيارة ذويه منذ اعتقاله، وكانت هذه الزيارة هي الأولى له بعد السماح لأسرى القطاع بالزيارة، بموجب اتفاق رعته مصر في شهر نيسان الماضي، وأنهى إضراباً خاضه مئات الأسرى لـ28 يوماً متتالية. لكن سلطات الاحتلال تنصلت من الاتفاق، وقررت السماح بالزيارة على دفعات قليلة، فسمحت لبضع عشرات من أهالي الأسرى بالزيارة على ثلاث دفعات.
ومنعت السلطات الاسرائيلية ذوي أسرى قطاع غزة من حق زيارة أبنائهم في سجونها عقب عملية أسر الجندي الإسرائيلي جلعاد شاليط في 25 حزيران 2006. وتعتقل سلطات الاحتلال 4423 أسيراً فلسطينياً موزعين على عشرين سجناً تفتقر إلى أدنى المقومات الصحية والإنسانية، من بينهم 435 أسيراً من قطاع غزة، فيما الباقون من الضفة الغربية والقدس المحتلة.
وفي احد أوجه صراع الأسرى، أكّد مركز الأسرى للدراسات أن صاحب النطفة (sperm) التي خرجت من السجون ونجحت هو الأسير عمار الزبن من سكان ميثلون والمتواجد فى سجن هداريم ومحكوم عليه 26 مؤبداً و25 عاماً ومضى عليه 15 عاماً في السجون وله ابنتان: بشائر النصر وبيسان.
واعتقل الزبن 3 مرات مطلع التسعينيات واستشهد شقيقه بشار عام 1994، ثم استشهدت والدته في اضراب الأسرى عام 2009. وقال الزبن إن زوجته «ستضع طفلنا مهند خلال أيام قليلة». وتحدث عن فكرة الانجاب، وقال إنها فكرة طرحها أحد الأخوة قبل عام 2003 ثم خرجت لحيز التنفيذ على ايدي مجموعة من الأسرى. وأضاف «لم التق بأسير قط منذ أن تمكنت من تهريب الحيوانات المنوية، الا واعتبر الأمر مشروعه الخاص، وكلهم يرون في الطفل القادم مهند سفارتهم للحرية التي ينشدونها».