غزة | التقى الشارع الغزي، رسمياً وشعبياً، على التنديد بالهجوم المسلح الدامي الذي أودى بحياة 16 جندياً مصرياً في سيناء، مساء أول من أمس، فيما كان القلق سيد الموقف، خشية من تداعيات الجريمة على قطاع غزة، الذي دفع ثمناً قبل أن تبدأ أي تحقيقات؛ فقضى الغزيون ليلتهم معزولين تماماً عن العالم الخارجي، إثر إغلاق مصر معبر رفح البري، وإغلاق إسرائيل معبر كرم أبو سالم التجاري الوحيد، وإغلاق الأنفاق الأرضية أسفل الحدود الفلسطينية المصرية. وسعت الحكومة التي تديرها حركة «حماس» منذ اللحظة الأولى إلى درء الشبهة عن قطاع غزة، فنشرت مئات العناصر الأمنية على طول 14 كيلومتراً من الحدود مع مصر، لمنع تسلل أي مشبوهين، وأبدت استعداداً لتحقيق مشترك مع السلطات المصرية يساعد في كشف تفاصيل الجريمة.
واتفقت «حماس» والفصائل الفلسطينية على تنظيم سلسلة من الفعاليات التضامنية مع مصر، رئيساً وحكومة وجيشاً وشعباً، تأكيداً منها أن «المستفيد الوحيد من هذه الجريمة النكراء هو العدو الإسرائيلي الذي يسعى باستمرار إلى خلط الأوراق وخلق حالة من عدم الاستقرار في المنطقة واستحداث المبررات لإبقاء الحصار على غزة».
وأكد عضو المكتب السياسي لحركة «حماس»، محمود الزهار، أن الهجوم الدامي على الجيش المصري في شمال سيناء، «جريمة لن تمر». وقال إن الحكومة في غزة تحقق من جانبها في الحادث، مطالباً السلطات المصرية بالتنسيق معها، وإخبارها بأسماء العناصر والجهات المتورطة في الهجوم، فور التوصل إليها، بهدف ملاحقتها وعقابها. وفي شأن أنفاق التهريب، شدد الزهار على أن «حماس تتمنى ردم الأنفاق مع سيناء فوراً»، لكنه طالب السلطات المصرية بفتح المعابر فوراً، ليسهل على السلطات في غزة وسيناء مراقبة حركة الانتقال بين الطرفين.
كذلك أكّد النائب الأول لرئيس المجلس التشريعي، القيادي في «حماس»، أحمد بحر، أن «هجوم سيناء يراد منه توتير العلاقات بين غزة ومصر وإنهاء كل أشكال التعاون بين البلدين». واتهم الاحتلال بالوقوف وراء هذه العملية التي يهدف منها إلى زيادة الحصار على غزة، وإحداث الوقيعة بين مصر و«حماس». وشدّد على أنّ أمن مصر من أمن فلسطين، مطالباً وسائل الإعلام المصرية بتحرّي الحقيقة والابتعاد عن التحريض على غزّة وأهلها.
من جهتها، اعتبرت حركة «فتح»، على لسان المتحدث باسمها فايز أبو عيطة، أن الهجوم «عمل جبان وغادر لا يخدم إلا أعداء الشعبين الشقيقين المصري والفلسطيني»، مطالبة بملاحقة ومعاقبة كل من يثبت تورطه في هذا العمل الإرهابي. كما أكدت حركة الجهاد الإسلامي أن الجريمة لا تخدم سوى العدو الصهيوني الذي يسعى إلى الوقيعة بين مصر والشعب الفلسطيني. فيما طالبت الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين جميع الأطراف بتوخي الدقة والحذر في تناول تفاصيل هذه العملية الإجرامية، وخصوصاً أنّ شرفاء الشعب الفلسطيني وقواه المناضلة لا يمكن أن يتورطوا في عمل إجرامي كهذا. ورأت الجبهة الديموقراطية لتحرير فلسطين أن إسرائيل سعت عبر الزجّ بالفلسطينيين في هذه الجريمة إلى «توتير علاقات الأخوة الفلسطينية المصرية».
والتقت آراء النخبة والشارع الغزي مع الموقف الرسمي والفصائلي، لجهة التنديد بالجريمة، واتهام إسرائيل بالوقوف وراء منفذيها. ورأى الخبير في الشأن الإسرائيلي الدكتور عدنان أبو عامر أن «الهجوم بهذه الملابسات العملياتية والتعقيدات الميدانية لم يقع بين يوم وليلة، وإنما أعدّ له منذ فترة لا تقل عن أشهر، وبالتالي لا يجب أن يؤخذ على أنه رد فعل على أمر بعينه داخل مصر». وشدّد على أهمية عدم التسرّع باتهام الإسرائيليين مباشرة بالعملية لأسباب كثيرة، أهمها أنّهم ليسوا في وارد الدخول في مواجهة مفتوحة مع المصريين، لأن هناك ملفات أكثر حرجاً لا تزال معلقة، غير أنه يستدرك «لا يجب في هذه الحالة أن نبرئ دور إسرائيل الخفي في اختراق المجموعة المنفذة، وتوجيهها بيد خلفية، من باب خلط الأوراق في الداخل المصري».
ولا يستبعد أبو عامر تنفيذ مجموعات تقول عن نفسها «سلفية جهادية» للهجوم، لأن لها سوابق عديدة في أكثر من بلد عربي ترى في جيوشه «هدفاً مشروعاً». وأشار بأصابع الاتهام أيضاً إلى بقايا النظام المصري السابق، وقال «مهم استحضار دور الفريق الخاسر في مصر في الانتخابات الرئاسية، وهو يرى امتيازاته تذهب منه يوماً بعد آخر، وقد أقسم أنه لن يمنح الرئيس محمد مرسي يوماً واحداً لحل مشاكل الدولة المعقدة».
لكن على المستوى الشعبي، اعتبر الغزيون أن إسرائيل هي التي تقف وراء الجريمة، سعياً منها إلى إبقاء الحصار على غزة، والتمهيد لشنّ حرب عليها بعد تحييد مصر عبر إحراج رئيسها الإخواني والإظهار بأن غزّة تشكل خطراً على مصر كما على إسرائيل، وإشغاله بملف سيناء. ووصف الداعية الإسلامي نادر أبو شرخ الجريمة بأنها «وقيعة صهيونية لتشديد الحصار على غزة وإغلاق الأنفاق ووضع الرئيس المصري وشعبه في اختبار شاق بخصوص العلاقة مع حماس وقطاع غزّة».
وعدد الصحافي شريف النيرب تداعيات الجريمة على قطاع غزّة، وتتمثل في «إغلاق معبر رفح البرّي، وإغلاق معبر كرم أبو سالم التجاري، ووقف إمدادات الوقود القطري لقطاع غزّة، وإغلاق الأنفاق التي تدخل منها بضائع تمنعها إسرائيل، وتمثل شريان الحياة للقطاع، وهجوم إعلامي مصري على الشعب الفلسطيني»، مطالباً مصر بالبحث عن المستفيد من وراء ذلك. ورفضت الناشطة والصحافية بيسان عدوان، التي تحمل الجنسيتين الفلسطينية والمصرية، اتهام غزة جزافاً بالمسؤولية عن الجريمة، «أو فرض عقوبات على إخواننا في غزة، حتى وإن أثبتت التحقيقات تورط أي جماعات متشددة فيجب معالجة الموضوع جذرياً».