تونس | طغت استقالة وزير المال التونسي، حسين الديماسي، على كل الاحداث الاخرى في البلاد؛ فبعد استقالة وزير الاصلاح الاداري محمد عبو واستقالة ثلاثة مستشارين للرئيس المؤقت المنصف المرزوقي، جاءت استقالة الديماسي لتؤكد انعدام التناغم في «الترويكا» الحاكمة، وخصوصاً أن الاستقالة جاءت بعد إقالة محافظ البنك المركزي مصطفى كمال النابلي.وفي بيان شرح فيه أسباب الاستقالة، أكد الديماسي أن استقالته جاءت نتيجة الاختلاف في الرؤية مع الحكومة، وخاصة في موضوع إقالة محافظ البنك المركزي، وكشف أنه لم يستشر تماماً في الموضوع، ولم يستشر في تعيين المحافظ الجديد الشاذلي العياري، مشيراً إلى أن عدم استشارة وزير المال في موضوع على درجة كبيرة من الأهمية وعلى صلة مباشرة باختصاصه، سابقة خطيرة تؤكد انعدام التوازن في العمل الحكومي.
الديماسي عرج في بيانه على رفض المرزوقي توقيع قرار زيادة مساهمة تونس في صندوق النقد الدولي، رغم تصديق المجلس التأسيسي عليه، ورأى أن هذه القرارات التي اتخذت بين الحكومة والرئاسة من دون موافقته، من شأنها أن تؤثر على صدقية تونس في علاقتها مع المؤسسات الدولية في مجال المال، وبالتالي دخول الاقتصاد التونسي في أزمة قد لا يتجاوزها بسهولة، وخاصة أن العامين المقبلين سيكونان أصعب من سنتي ٢٠١١ و٢٠١٢.
لكن ما «أفاض الكأس»، وجعل الوزير يقدم استقالته هو القانون «التعويض للأشخاص المنتفعين بالعفو العام» أو المساجين السياسيين، الذي سيدفع لنحو 20 الفاً من السجناء السابقين، ومعظمهم من الاسلاميين (من حركة النهضة)، خلال حكم الرئيس المخلوع زين العابدين بن علي، باعتباره سيفرز نفقات إضافية خانقة للمال العام. ومن المنتظر أن تبلغ قيمة هذه التعويضات قرابة 750 مليون دينار (465 مليون دولار)، يقول الديماسي إنها ستشكل عجزاً في الميزانية التكميلية، وخصوصاً أن التعويضات غير مدرجة في قانون الميزانية الذي صوت عليه منذ أواخر شهر نيسان الماضي، والذي يقول الديماسي إنه حبر على ورق.
النقطة هذه كانت أيضاً وراء الاستقالة، إذ رأى أن الحكومة تصرّ على عدم تطبيق بنود الميزانية التكميلية، التي تتضمن خفض الدعم العمومي على بعض المواد والترفيع في المحروقات لإنعاش مداخيل الدولة، لكن الحكومة تراجعت في هذا من اجل سياسة «شعوبية» لها أغراض انتخابية، الامر الذي سيقود الاقتصاد التونسي إلى منزلق خطير برأي الديماسي. بالاضافة إلى ذلك، اعترض الديماسي على الزيادة في الأجور لسنتي ٢٠١٢ و٢٠١٣؛ لأن ميزانية الدولة لا تستطيع تحمل هذه الزيادة.
من جهته، لم يتأخر رئيس الحكومة، حمادي الجبالي، في قبول الاستقالة وتكليف كاتب الدولة للمالية، سليم بسباس، لتسيير شؤون الوزارة في انتظار تعيين وزير جديد. كذلك أصدرت رئاسة الحكومة بياناً ردت فيه على بيان الديماسي وأكدت أن هناك خلافاً في وجهات النظر.
وبما أن استقالة الوزير حازت اهتماماً شعبياً كبيراً، فإنها لم تفاجئ الأوساط القريبة من الكواليس، فاسم الديماسي كان من بين الأسماء المرشحة للمغادرة في التعديل الوزاري الذي تأجل إعلانه.
من جهة أخرى، يخشى المراقبون أن تؤثر إقالة محافظ البنك المركزي واستقالة وزير المال في صدقية الجهاز المالي بتونس في ظرف دقيق تمر به البلاد، وخاصة على المستوى الاقتصادي؛ إذ سجلت ميزانية الدولة عجزاً بـ ٦,٦، وهو معدل مرتفع جداً، وقد يتطور الى ٩ بالمئة، وهو انزلاق خطير يتهدد المالية التونسية. ومهما كانت اسباب الاستقالة او الإقالة المؤجلة، فإن استقالة الديماسي بما يعنيه هذا المنصب من اهمية، تؤكد أن حكومة الترويكا تعاني اهتزازاً كبيراً وارتباكاً لا نعرف الى ماذا سينتهي.