«داعش» التي كانت تعمل على مهل في إنتاج وإعداد الفيلم الخاص بحرق الطيار الأردني معاذ الكساسبة في الوقت الذي كانت تربح الوقت فيه بتفاوضها مع الأردن، لم تكن بطيئة هذه المرة في استغلال الكارثة التي حلت بالطيران الروسي مع خسارة طائرة مدنية ومقتل كل ركابها دفعة واحدة.
حسابات كثيرة على «تويتر»، ساحة «الدواعش» الأولى، تنذر بأنها بصدد إصدار مرئي يوثق استهداف الطائرة، وأخرى تتحدث عن أنها عملية «استعملت فيها الأدمغة أكثر من النار والرصاص، وتأتي تحت مفهوم صراع الأدمغة أو حرب العقول».
و«حرب العقول» هو الاسم نفسه الذي استخدمه تنظيم «ولاية سيناء» قبل أشهر عديدة ليبث فيه مشاهد حرب من نوع آخر تجري مع الجيش المصري والذين يسميهم عملاءه. يترافق ذلك مع تلميحات روسية وأخرى غربية وأميركية الى أن عملاً خارجياً قد يكون وراء سقوط الطائرة وأن لا فرضيات مستبعدة في هذا الإطار، وسط حرص الشركة المالكة (متروجيت) على تأكيد سلامة الطائرة وأنها كانت «في حالة تقنية ممتازة» برغم أن عمرها أكثر من 18 عاماً واستعملها لبنان والسعودية قبل ذلك.
وسط ذلك كله، تصادف في يوم الحادثة انتشار إصدار جديد لـ«ولاية سيناء» عن توجه جديد لمحاربة «اليهود» مختوماً برسالة باللغة العبرية، بعدما ثبت لدى «الدواعش» أن حفر «خندق مائي» بين غزة وسيناء هو تشديد على أن «الجيش المصري عميل»، وأن جزءاً من المعركة يجب أن يوجه ضد الإسرائيليين. قد لا يكون هناك رابط بين هذا الإصدار وما تحكيه «داعش» عن إسقاط الطائرة، برغم صدور مقطع مصور قصير في يوم الكارثة (السبت) عن إسقاط طائرة، تبين أنه ليس ذا علاقة.
هكذا، في ظل أن «ولاية سيناء» يصعب عليه إثبات أن الطائرة أسقطت بواسطة صاروخ موجه، يصير سهلاً العمل على افتراض أنه نفذ هذه العملية بواسطة وسيلة أخرى، كقنبلة داخل الطائرة، وهو سيعتمد في ذلك على أنّ من الصعب على عناصره معرفة «جنسية» الطائرة المحلقة على ارتفاع نحو 9 آلاف متر، وأنّ من الصعب على الصواريخ المحمولة على الكتف حتى لو أطلقت من جبل ارتفاعه 2000 متر الوصول إلى الطائرة والتحليق لأكثر من سبعة آلاف متر.
وما قد يساعد «الولاية» على تثبيت هذه النظرية، غياب أي كشف تقني لسبب محدد لسقوط الطائرة، برغم أن المصريين قالوا إنهم حذروا شركات الطيران مطلع هذا العام من التحليق لأكثر من سبعة آلاف متر فوق سيناء لأسباب متعلقة بالطقس، وأن الطائرة الروسية كانت تحلق على أعلى من ذلك، مع أنه لا يمكن الأخذ بالتحليلات المصرية في هذه الجوانب بصورة حتمية لما تتخلله من أخطاء أثبتت التجربة في الحرب ضد «ولاية سيناء» وبعض الكوارث الأخرى أنها تحليلات غير دقيقة.
وبينما يتابع المصريون كما الروس نتائج التحقيق بترقب، وسط انتقاد شعبي للتعامل المصري الحريص مع هذه الحادثة مقابل البرود في حوادث محلية أخرى (من غير قطاع الطيران)، توالت الإشارات الحكومية ومن بعض الشركات عن استبعاد سقوط الطائرة لخلل تقني.

لم يظهر الفحص الأولي للصندوق الأسود أن الطيارين أرسلوا نداء استغاثة

ونقل عن مسؤول في شركة «متروجيت» الروسية للطيران أمس أن طائرة «إير باص ــ ايه321» كانت «في حالة تقنية ممتازة»، وأن «عملاً خارجياً» يمكن وحده أن يفسر الحادث، من دون أن يحدد طبيعة هذا العمل. لكن المسؤول، ويدعى ألكسندر سميرنوف، قال إن «كل شيء يدعو إلى الاعتقاد أنه منذ بداية الكارثة فقد الطاقم السيطرة بالكامل» على الطائرة، التي «لم تكن تطير بل كانت تسقط (خلال 23 دقيقة من إقلاعها)». والانتقال من حالة طيران إلى حالة سقوط، كما وصف الرجل، مرده الضرر الجسيم الذي لحق بهيكل الطائرة.
ومما أثار شكوك المحققين أكثر فأكثر، أن الطيارين لم يحاولوا الاتصال لاسلكياً بالمطار كما لم يوجهوا أي نداء استغاثة، وكل ذلك يدفع الطرفين المصري والروسي إلى التمهل في إعلان النتائج، وهو ما مهد له الرئيس المصري، عبد الفتاح السيسي، منذ البداية.
الإشارة التي أثارت الشك أكثر في إمكانية وجود فرضية أخرى غير الخلل التقني كانت للمتحدث باسم الكرملين، ديمتري بيسكوف، الذي قال أمس إنه لا يمكن استبعاد أي نظرية وراء تحطم الطائرة الروسية. وتلا ذلك تصريح لمدير الاستخبارات الوطنية الأميركية، جيمس كلابر، قال فيه إنه لا توجد «مؤشرات حتى الآن إلى عمل إرهابي سبّب سقوط الطائرة في سيناء»، ورأى أنّ «من غير المرجح» أن يكون لدى «داعش» الإمكانات لإسقاط طائرة ركاب أثناء تحليقها، لكنه لم يستبعد هذه الفرضية بالكامل.
وبينما حط أمس وفد دبلوماسي روسي رفيع المستوى رحاله في مصر ليلتقي عدداً من المسؤولين على خلفية حادث سقوط الطائرة، وصلت جثامين 144 من ضحايا الطائرة إلى روسيا من أصل 224 ضحية.
إلى ذلك، قررت معظم شركات طيران الخليج (الإمارات وقطر والبحرين والكويت) تغيير مسارات رحلاتها فوق سيناء «كاحتياط أمني» إلى أن «يصبح هناك وضوح أكثر»، بعد قرار مشابه لشركات أوروبية (ألمانيا وفرنسا وبريطانيا).

(الأخبار، رويترز، أ ف ب، الأناضول)