القاهرة | «البقاء الآمن». هذا هو ما يتراءى من المشهد العام في مصر حيال وضع المجلس الأعلى للقوات المسلحة، الآن بعدما أعلنت رئاسة الجمهورية رسمياً، أول من أمس، أن اختيار وزير الدفاع في الحكومة الجديدة سيجري عبر اتفاق مع المجلس الأعلى للقوات المسلحة نفسه. لكن المجلس العسكري يهتم كأولوية بوضع المؤسسة العسكرية في الدستور لا بقدوم وزير وغياب آخر، حسبما يقول لـ«الأخبار»، الباحث في مركز الأهرام للبحوث السياسية والاستراتيجية، عمرو هاشم ربيع.
ويوضح ربيع «هذه أمور عابرة بينما الدستور الجديد قد يضمن وضعاً مميزاً يحمي أعضاء المجلس على المدى الأبعد». هذا الوضع المميز في الدستور ربما كان قاب قوسين أو أدنى من يد المجلس العسكري. وبينما «تسير الأمور باتجاه ألا يتضمن الدستور وضعاً خاصاً للجيش يختلف عن وضعه في دستور 1971 (الذي سقط بعد اندلاع الثورة واسقاطها الرئيس المخلوع حسني مبارك)»، يقول أستاذ القانون الدستوري، عضو الجمعية التأسيسية لصياغة الدستور الجديد، عاطف البنا، إنه الأمر سبتجه في ما يتعلق بالموازنة العسكرية إلى محاولة إحداث توازن حيالها. وسيُسعى إلى أن يكون الجيش ضمن هيئات الدولة التي يتعين الرقابة عليها عبر البرلمان بالتزامن مع الحفاظ على سرية جوانب أخرى من قبيل موازنة التسلح. ويفترض أن تناقش الموازنة على نطاق ضيق فقط في مجلس الأمن الوطني الذي يفترض أن يضم مدنيين وعسكريين ويرأسه رئيس السلطة التنفيذية.
ويوضح البنا أن الجيش ربما يُسمح له بالإبقاء على مشروعاته الاقتصادية المدنية مع وضعها تحت الرقابة الشعبية. وتشكل النشاطات الاقتصادية، نسبة غير معلومة من الاقتصاد المصري، وتسببت في جدل واسع النطاق بعد الثورة. وتوضح أستاذة التاريخ في الجامعة الأميركية في القاهرة، زينب أبو المجد، أن العسكر «يمتلكون ما لا يقل عن 35 مصنعاً وشركة ضخمة متفرعة، ويرفضون خصخصتها». وتضيف «لا تزاول هذه المصانع نشاطات دفاعية، بل تنتج سلعاً وخدمات للاستهلاك المدني»، مشيرةً إلى أن هناك ثلاث جهات عسكرية كبرى تنخرط في مجال الإنتاج المدني؛ وزارة الإنتاج الحربي، والهيئة العربية للتصنيع، وجهاز مشروعات الخدمة الوطنية. ووفقاً للأرقام الرسمية، التي ينشرها رؤساء تلك الجهات في الصحف القومية، تمتلك وزارة الإنتاج الحربي ثمانية مصانع يذهب 40 في المئة من إنتاجها للأسواق المدنية، فيما تملك الهيئة العربية للتصنيع أحد عشر مصنعاً وشركة يذهب 70 في المئة من إنتاجها للأسواق المدنية. أما جهاز مشروعات الخدمة الوطنية، فينحصر نشاطه في الإنتاج والخدمات المدنية. ونظراً إلى غياب الشفافية والمحاسبة العامة، من شبه المستحيل تحديد الدخل السنوي لأعمال العسكر المدنية.
وربما لغياب هذه الشفافيه والمحاسبة، تشكّل هذه المشروعات أهمية خاصة للنخبة العسكرية، للحد الذي اضطر نائب وزير الدفاع للشؤون المالية، محمود نصر، في آذار الماضي إلى التهديد بمواجهة ضمنية لدعوات تطالب بإخضاع النشاط الاقتصادي للجيش لرقابة برلمانية. يومها خرج يقول «سنقاتل على مشروعاتنا وهذه معركة لن نتركها». وأضاف «العرف الذي ظللنا عليه ٣٠ سنة لن نتركه لأحد آخر يدمره، ولن نسمح للغير أياً كان بالاقتراب من مشروعات القوات المسلحة».
في هذه الأثناء، يستمر الترقب لمعرفة تشكيلة الحكومة الجديدة بعد تأجيل إعلانها إلى موعد لم يحدد. وتضمنت الأسماء المرشحة لحمل حقائب وزارية عدداً من أعضاء حزب الحرية والعدالة، الذراع السياسية لجماعة الإخوان المسلمين. وجاء على رأس هؤلاء طارق وفيق، الخبير الاقتصادي وأستاذ التخطيط العمراني. والمؤشرات ترشحه لحقيبة الاسكان وهو عضو بالهيئة العليا لحزب الحرية والعدالة. كذلك يطرح اسم مصطفى مسعد، مسؤول ملف التعليم في حملة الرئيس محمد مرسي، ليكون مرشحاً للتعليم، وأسامة ياسين القيادي في حزب الحرية والعدالة ورئيس لجنة الشباب بمجلس الشعب المنحل لتولي حقيبة الشباب والرياضة. ومن بين المرشحين أيضاً محمد حازم محمد، أستاذ الالكترونيات بكلية الهندسة جامعة القاهرة المقرب من الإخوان بخلاف محمد يسري، أستاذ الهندسة الكيميائية بجامعة القاهرة والمنتمي للجماعة السلفية. وقد التقى يسري رئيس الوزراء الجديد هشام قنديل للتشاور معه حول إسناد حقيبة وزارة البيئة إليه أو الوزارة الجديدة المقترحة للمياه والصرف الصحي، حسبما أوضحت لـ«الأخبار» صفية حمدي، المحررة المتخصصة في شؤون رئاسة الوزراء.
من جهته، قال عضو المكتب التنفيذي لحزب الحرية والعدالة، عمرو دراج، لـ«الأخبار»، إن حزبه على استعداد لشغل أي منصب وزاري يعرض عليه، لكننا مهتمون بالدرجة الأولى بالوزارات التي تضمن علاقة مباشرة بالناس، وتلك المعنية بالشأن الداخلي. وأضاف «نعلم جيداً على كل حال أن التوازنات السياسية لا تسمح لنا الا بشغل نسبة تقل عن خمسين بالمئة من الحكومة، لكون الحكومة الجديدة هي حكومة تكنوقراط كما أعلن رئيس الوزراء لا حكومة الإخوان». وختم حديثه بالقول «إنها ليست حكومة يشكلها البرلمان لنحصل على نسبة مقاربة لنسبة ما حصلنا على مقاعد فيه».