إسطنبول | أعلن وزير الخارجية التركي، أحمد داود أوغلو، أن الرئيس المصري محمد مرسي سيزور تركيا قريباً لبحث المزيد من مجالات التنسيق والتعاون الاستراتيجي بين الدولتين. وتأتي الزيارة بعد سلسلة من الزيارات التي يقوم بها عدد كبير من كوادر الإخوان المسلمين إلى تركيا، بناءً على دعوة من حزب العدالة والتنمية الحاكم، بهدف تدريبهم في مختلف المرافق والمؤسـسات الحكومية وغير الحكومية.
وتتحدث المعلومات الصحافية منذ فترة عن استضافة العدالة والتنمية للمئات من كوادر الإخوان المسلمين والأحزاب المماثلة لها في مصر وتونس وليبيا والمغرب، حتى يتسنى لهم الاطلاع على تفاصيل وخفايا تجربة حزب العدالة والتنمية وكيفية استلامه للسلطة وإحكام سيطرته على جميع مؤسـسات الدولة التركية. وكان رئيس الوزراء التركي، رجب طيب أردوغان، ومن بعده الرئيس عبد الله غول، أول من زار القاهرة بعد سقوط نظام حسني مبارك. من جهتها، قامت شركة تركية مقربة من حزب العدالة والتنمية بمساعدة محمد مرسي في حملته الانتخابية، وقبل ذلك الإخوان المسليمن في الانتخابات البرلمانية. وتشير الأوساط السياسية إلى أهمية زيارة مرسي إلى تركيا وتوقيتها الزمني، ولا سيما أنها تتزامن مع النقاشات المستمرة في مصر عن احتمالات سيطرة الإخوان على جميع مؤسـسات ومرافق الدولة المصرية، وبتكتيكات حزب العدالة والتنمية الحاكم في تركيا. وقد استطاع هذا الحزب بعد فوزه في انتخابات تشرين الثاني، السيطرة على جميع مؤسـسات ومرافق الدولة التركية بفضل تكتيكاته الذكية التي سعى العلمانيون من العسكر والمدنيين للتصدي لها. وبعدما سيطر العدالة والتنمية على 65 في المئة من مقاعد البرلمان، على الرغم من حصوله على 36 في المئة من مجموع أصوات الناخبين، بدأ تكتيكاته الذكية للسيطرة على جميع مرافق ومؤسـسات الدولة الرئيسية، ومنها المجلس الأعلى للتعليم العالي والمجلس الأعلى للاعلام، بعدما استغل وجوده في السلطة لتخويف رجال الأعمال الذين يملكون المؤسـسات الاعلامية الرئيسية حتى لا تعاديه. وجاءت انتخابات 2007 لتعزز من موقف العدالة والتنمية، الذي حصل هذه المرة على 47 في المئة من مجموع أصوات الناخبين، بعدما أقنع الناخبين ببرنامجه الاقتصادي. وحققت تركيا خلال تلك الفترة نمواً اقتصادياً مثيراً، بفضل دعم المؤسـسات المالية العالمية، وبضوء أخضر من واشنطن. وجاء انتخاب عبد الله غول رئيساً للجمهورية صيف 2007، ليشكل الفرصة الأهم بالنسبة إلى حزب العدالة والتنمية، الذي استغل ذلك لإحكام سيطرته على مجلس الأمن القومي، باعتبار أن رئيس الجمهورية هو الذي يترأس اجتماعات المجلس. أما المجلس، فأصبح أمينه العام أيضاً مدنياً بفضل التعديلات الدستورية التي أقرها البرلمان بطلب من الاتحاد الأوروبي. وأدى غول دوراً مهماً في عملية سيطرة العدالة والتنمية على مؤسسـات ومرافق الدولة، لأن رئيس الجمهورية يعين البعض من أعضاء المحكمة الدستورية العليا ورؤساء الجامعات ومسؤولين آخرين في الدولة. وهؤلاء زاد عددهم بفضل التعديلات الدستورية التي وافق عليها الشعب في استفتاء أيلول 2011. وأصبح جميع أعضاء المحكمة الدستورية العليا والمجلس الأعلى للقضاء والمجلس الأعلى للتعليم العالي والمجلس الأعلى للاعلام، من أنصار وأتباع حزب العدالة والتنمية الحاكم. كذلك أحكم الحزب سيطرته على المؤسـسة العسكرية بعد حملة الاعتقالات التي استهدفت عدداً من القيادات العسكرية المتقاعدة والعاملة، وذلك اعتباراً من نهاية عام 2008، بضوء أخضر أميركي وفقاً للعديد من المحللين السياسيين الأتراك. ووصل عدد الجنرالات المعتقلين والمتهمين بالتخطيط لانقلاب عسكري ضد الحكومة إلى 66 جنرالاً، من بينهم رئيس الأركان السابق إلكر باشبوغ، الذي عينه أردوغان وعمل معه لمدة سنتين. وكانت هذه الاعتقالات كافية للقضاء على دور المؤسـسة العسكرية التركية في الحياة السياسية، بعدما سيطر العدالة والتنمية على المؤسـسة الأمنية بكل فروعها المدنية والعسكرية التي كانت سابقاً تتبع رئاسة الأركان. وحظيت سياسات أردوغان ضد العسكر، بتأييد البعض من المثقفين والأوساط الليبرالية، التي قالت إنها تدعم الحكومة في هذا الموضوع لترسيخ أسـس ومبادئ الديموقراطية في تركيا، بعدما عانت تركيا تسلط المؤسـسة العسكرية منذ قيام الجمهورية التركية عام 1923. واعترف العديد من هؤلاء المثقفين الذين أدوا دوراً مهماً في اقناع المواطنين بأن العدالة والتنمية ليس بحزب اسلامي يمثّل خطراً على الجمهورية والنظام العلماني بضرورة التخلص من هذه الجمهورية واقامة الجمهورية الثانية. وحقق العديد من هؤلاء المثقفين اليساريين والقوميين والإشتراكيين والليبراليين مكاسب مادية ومعنوية كبيرة، منعتهم من الاعتراف بأخطائهم الاستراتيجية علناً، وبعدما اقتنعوا بأن هذا الحزب سيحكم تركيا إلى الأبد. وحقق العدالة والتنمية كل أهدافه في إحكام سيطرته على جميع مؤسـسات الدولة التركية، وهو الآن في طريق تطبيق برنامجه العقائدي الديني، كما قال رئيس الوزراء رجب طيب أردوغان إنهم يريدون جيلاً متديناً من الشباب التركي، ولا سيما بعدما نجحت الحكومة في الغاء الحظر المفروض على الحجاب في المؤسـسات التعليمية. وهي الآن في طريقها للسماح للمحجبات بالعمل في جميع مؤسـسات ومرافق الدولة الرسمية، بما فيها القضاء، بعدما دخل الحجاب على رأس السيدة الأولى خير النساء غول القصر الجمهوري، وهو رمز الدولة والجمهورية التركية العلمانية.
وتتوقع الأوساط السياسية أن تطبَّق جميع مراحل استلام السلطة في تركيا من قبل الإخوان المسلمين في مصر والدول العربية الأخرى، على الرغم من بعض الفوارق المهمة بين تركيا ومصر والدول الأخرى، كما أن جنرالات الجيش المصري، وفي الدول الأخرى يتحركون مثل الجنرالات الأتراك وبتعليمات واشنطن، لكنهم يصومون ويصلون خلافاً لجنرالات تركيا العلمانيين، الذين لا يصومون ولا يصلون. وأثبت الرئيس المصري محمد مرسي أنه شبيه بإخوانه الأتراك، حيث لم يتردد في مصافحة وزيرة الخارجية الأميركية هيلاري كلينتون ووزيرة خارجية الاتحاد الأوروبي، على الرغم من أن الإخوان المسلمين لا يصافحون النساء في مصر. ويبقى القرار النهائي للمثقفين والقوى الليبرالية العلمانية المصرية وكذلك التونسية والليبية والمغربية، التي ستراقب تحركات وتصرفات الإخوان المسلمين في دولهم، ولا سيما مصر، وذلك من أجل إحكام سيطرتهم على الدولة بكاملها، كما فعل أردوغان وحزب العدالة والتنمية من أجل جعل تركيا دولة إسلامية على أنقاض جمهورية أتاتورك العلمانية. وبعدما استلهم العديد من قيادات المنطقة، وتحديداً في مصر وسوريا وليبيا وتونس والجزائر من أتاتورك وثورته، ها هي الآن تسقط بأيدي الإسلاميين، الذين يقولون إنهم يسعون إلى إقامة جمهوريات ثانية في بلدانهم، كما يقول ذلك أردوغان، ووزير خارجيته أحمد دوواد أوغلو، منظر الاستراتيجية العميقة. ويبدو أنها تعني في نفس الوقت، كما تقول العديد من الأمثال التركية، أن تأتي خفية ومن العمق حتى تسيطر على الدولة بأكملها، دون أن يعي ذلك أعداؤك، الذين ما عليك إلا أن تخفي عنهم حقيقة أهدافك.