إسطنبول | لم يتردد الرئيس التركي الراحل، تورغوت أوزال، في ربيع عام 1991، بالاستنجاد بصديقه الرئيس جورج بوش الأب عندما «غزت» تركيا موجة كبيرة من اللاجئين الأكراد العراقيين اثر الشائعات التي ترددت آنذاك عن احتمال شن الرئيس العراقي صدام حسين هجوماً شاملاً على الشمال العراقي الكردي بعد انسحابه من الكويت. ولبى بوش طلب المساعدة فأرسل ما سميّ، آنذاك، بقوات المطرقة إلى تركيا، وتضمّ حوالي 100 طائرة أميركية وبريطانية وفرنسية وألمانية جاءت لمدة شهر بحجة حماية الأكراد، وتقديم المساعدات الإنسانية لهم. وفوجئ الجميع بالقرار الأميركي، من جانب واحد دون العودة إلى الأمم المتحدة، إذ تمّ إعلان شمال خط العرض 36 وجنوب خط العرض 32 مناطق حظر جوي، لا يسمح لأي طائرة عراقية بالاقتراب منها. واضطرت جميع الحكومات التركية، في ما بعد، إلى التمديد لهذه القوة، التي وصفها زعماء المعارضة، حينها، بأنها قوة احتلال تهدف لإقامة دولة كردية، ومنهم بولنت أجاويد، وسليمان دميرال، ونجم الدين أربكان. هؤلاء أصبحوا، جميعاً، في ما بعد رؤساء حكومة. وبقيت هذه القوات في تركيا حتى الاحتلال الأميركي للعراق في آذار عام 2003، وبموافقة كل الحكومات عليها. وقامت هذه القوة، التي انسحبت منها فرنسا وألمانيا في ما بعد، بتقديم الحماية الجوية لأكراد العراق الذين استغلوا ذلك، وأقاموا كيانهم الفدرالي المستقل حتى قبل الاحتلال الأميركي للعراق. وبدأت أوساط إعلامية وسياسية تركية، أخيراً، بالحديث من جديد عن هذه المسألة، التي قد تتكرر مع سوريا بعد أن فشلت واشنطن وحلفاؤها في تمرير أي قرار في مجلس الأمن الدولي للتدخل العسكري المباشر. كما سبق لرئيس الوزراء رجب طيب أردوغان ووزير خارجيته أحمد داود أوغلو أن تحدثا، في بداية الأحداث في سوريا، عن ضرورة إقامة منطقة أو شريط أمني عازل داخل الأراضي السورية وعلى طول الحدود المشتركة لمنع المزيد من عملية النزوح البشري باتجاه تركيا، التي كانت تتوقع أن يصل عدد السوريين الهاربين إليها إلى 100 ألف على الأقل، نهاية العام الماضي. وهذا ما يفسر إقامة المزيد من المخيمات الجديدة على طول الحدود التركية مع سوريا انطلاقاً من انطاكيا حتى بلدة قرقميش المطلة على نهر الفرات، التي تقابل مدينة جرابلس المسيطر عليها من «الجيش السوري الحر» منذ أسبوعين، ما اضطر الحكومة التركية إلى إغلاق كل بواباتها الحدودية البرية مع سوريا باستثناء بوابتين فقط، مع الإشارة إلى استمرار استعداد تركيا لاستقبال أي عدد جديد من اللاجئين السوريين ليزيد هذا العدد على 100 ألف، وهو الرقم الكافي للاستنجاد بالحليف الأميركي لتكرار تجربة شمالي العراق عام 1991، وخصوصاً أن تركيا تستضيف، أيضاً، مخيمات «الجيش السوري الحر»، ويزداد عدد الوافدين إليها يومياً من المنشقين عن الجيش السوري النظامي، مع المعلومات عن ميزانية جديدة وضعتها أميركا بالتنسيق مع قطر والسعودية وتركيا لـ«شراء» أكبر عدد ممكن من الضباط من ذوي الرتب العليا، واقناعهم بالهرب إلى تركيا بالتنسيق والتعاون مع «الجيش الحر»، الذي يسيطر على بعض الممرات الرئيسية في المنطقة الممتدة لمسافة 300 كيلومتر. ويسيطر الأكراد، بشكل كامل، على طول الشريط الحدودي بين سوريا وتركيا بدءاً من مدينة رأس العين حتى أطراف القامشلي القريبة من الحدود السورية مع العراق.
وفي السياق، بحث أردوغان مع القيادات العسكرية والأمنية آخر التطورات في المناطق الكردية السورية لمواجهة أيّة احتمالات مفاجئة، مع المعلومات التي تتحدث عن خطة تركية جديدة لتعزيز القوات العسكرية على طول الحدود السورية في هذه المناطق، وهي بطول 480 كيلومتراً. كذلك تسعى أنقرة إلى إقناع رئيس أقليم كردستان العراق مسعود البرزاني بضرورة أن يكون همزة الوصل بينها وبين أكراد سوريا، حتى لو كانوا «امتداد» لحزب العمال الكردستاني في تركيا. ويشير محللون أتراك إلى أنّ حزب «العمال» سيطر على المنطقة الكردية السورية بضوء أخضر من النظام السوري، وذلك لإزعاج تركيا وإحراجها.
وهدد أردوغان، أمس، بالتدخل في حال تحويل شمال شرق سوريا إلى نقطة انطلاق لعناصر حزب العمال الكردستاني ضد تركيا. وقال، في حديثه لإحدى المحطات التلفزيونية إنّه سيرسل وزير خارجيته أحمد داود أوغلو، قريباً، إلى شمال العراق لبحث آخر التطورات في المنطقة الكردية السورية. وتابع أردوغان، في حديثه أمس، أن تركيا «لا ولن تقف مكتوفة الأيادي حيال التطورات في شمال سوريا»، وإنها ستتخذ الإجراءات اللازمة لمواجهة أي خطر مصدره شمال سوريا. وقال أردوغان إن إقامة منطقة عازلة أو حزام أمني هناك من بين الخيارات المطروحة للنقاش بالنسبة إلى الحكومة التركية لمواجهة أي استفزاز من أكراد سوريا.
وبعد اتهامه النظام السوري بوضع عدة مناطق في شمال سوريا «في عهدة» حزب العمال الكردستاني، حذر أردوغان من «أنّ تركيا يمكنها ممارسة حقها في ملاحقة المتمردين الاكراد الاتراك داخل سوريا في حال الضرورة». وأضاف أن «هذا في نهاية المطاف جزء من تغيير قواعد الاشتباك» للجيش التركي حيال سوريا. كما كرّر انتقاداته لرئيس اقليم كردستان العراق مسعود البرزاني لدعمه أكراد سوريا، فيما أكّد أنّ «الأسد وأفراد دائرته المقربة سيصبحون قريباً خارج السلطة في سوريا»، مضيفاً أن سوريا «تحضّر نفسها لعهد جديد، لكن بعض الدول لا تسبّب إلا تأخير هذه العملية».
بالمقابل، وفي منزل آمن في تركيا، يعلن عابد ميوز، وهو قائد كردي لمجموعة سورية متمردة حاجته الى دعم تركي لمساعدة رجاله في قتال النظام السوري، مبدياً استعداده أيضاً لحملة ضد حزب العمال الكردستاني. وفي حديث لوكالة «فرانس برس»، اثناء استراحته «من المعارك الدموية التي يقود فيها 45 متمرداً بالقرب من حلب»، يقول ميوز «أتمنى لو نحظى ببعض الدعم العسكري من تركيا». ويشير الى أنه «إذا تمكن مقاتلوه من الحصول على مساعدة كهذه، فسيردون الجميل بضرب حزب العمال الكردستاني».