تونس | يحتفل التونسيون اليوم الأربعاء ٢٥ تموز بالذكرى الخامسة والخمسين لولادة ثاني الجمهوريات العربية، وسط تجاذب سياسي واضح بين التيارين الليبرالي واليساري المنتصرين للجمهورية، والتيارات الدينية التي حازت مؤخراً الترخيص للعمل القانوني، مثل حزب التحرير وحزب الإصلاح، المؤيدين للخلافة الإسلامية. أما حركة النهضة الإسلامية، أقوى أحزاب الائتلاف الحاكم، وعلى الرغم من تصريحات قادتها وخاصة وزرائها المتبنّية لفكرة الجمهورية، فإن العدد الأكبر من قواعدها لم يستوعب بعد كيف يمكن الانتقال من حركة دعوية، تدعو الى أسلمة المجتمع وتطبيق الشريعة الإسلامية، إلى حزب مدني مؤمن بالجمهورية وملتزم بالدفاع عنها، وهو ما بيّنه مؤتمرها الأخير الذي أجل حسم الخلاف الى ما بعد الانتخابات المقبلة تجنباً للانشقاقات.
وعلى قدر اعتزاز التونسيين بجمهوريتهم، فإن مخاوفهم تبدو في تزايد كل يوم مع تنامي التيارات التي تعادي الفكر الجمهوري. وعلى الرغم من أن كل القوى السياسية التي تتبنى الدولة المدنية، بما فيها الدستوريون الذين غادروا الحكم يقرّون بنقائص دولتي الاستقلال مع بورقيبة وبن علي، وخاصة في ضمان الديموقراطية والتداول السلمي للسلطة ونشر ثقافة المواطنة وحياد الإدارة واستقلال القضاء وحرية الإعلام، وهي أسس النظام الجمهوري، إلا أن هذه القوى تعتبر أنه لا بديل من النظام الجمهوري ولا مجال للتراجع عنه، وقد كان إعلان حركة النهضة التزامها بالفصل الأول من دستور سنة ١٩٥٩، الذي يقر بأن «الجمهورية» هي نظام تونس، أثر إيجابي على النخب وعلى الشعب المؤيد للجمهورية ويعتبر ذلك من المكاسب رغم كل الخيبات والهنات.
هذا الاعتزاز يبدو أنه لم يعد يكفي في مجتمع بدا الميل فيه إلى النموذج الخليجي يزداد كل يوم، إضافة إلى عودة التعليم الشرعي وانتشار النقاب ورياض الأطفال المخصصة للذكور وأخرى مخصصة للإناث.
كل هذه التحولات التي يشهدها الشارع التونسي وصمت الحكومة عن ذلك، يجعل من خوف التونسيين على جمهوريتهم أكثر من مبرر. فنظرية «التدافع الاجتماعي» التي يتحدث عنها زعيم حركة النهضة الشيخ راشد الغنوشي يمكن أن تكون في يوم من الأيام وراء إلغاء النظام الجمهوري ما دامت الديموقراطية تعتمد على صناديق الاقتراع التي قد تقود أناساً غير مؤمنين بالجمهورية فيلغونها.
قد يبدو هذا السيناريو مستبعداً الآن في المدى القصير، لكن غياب مؤسسات جمهورية حقيقية ذات فاعلية وغياب ثقافة جمهورية وغض الحكومة الطرف عن التجاوزات التي تمس من الحريات الخاصة ومن شروط المواطنة التي تعد الأساس الأول للنظام الجمهوري، كل هذا يدفع إلى الخوف من المستقبل، ولعل هذا ما يفسر تنامي الدعوات لبناء جبهة جمهورية تجمع كل القوى من اليسار والوسط واليمين للدفاع عن النظام الجمهوري وحمايته، وهذه المعركة يعتبرها المحللون بأنها ستحسم مستقبل تونس.
وبعيداً عن الخطب الرسمية اليوم التي سيؤكد فيها الرؤساء الثلاثة بلا شك انتصارهم للفكر والنظام الجمهوري واعتبارهم أن الجمهورية الفعلية بدأت مع حكم الترويكا فقط، ستسعى القوى الأخرى إلى تحويل عيد الجمهورية اليوم إلى عيد احتفالي لتجميع القوى المؤمنة بالجمهورية ومكاسب الدولة من أجل الدفاع عن تونس كما صاغها الزعيم أحمد بورقيبة مؤسس الجمهورية، وقد بدأت الجبهة تتشكل منذ أيام ويبدو أنها في طريقها إلى التوسع لتضم قوى من وسط اليسار، يضاف إلى ذلك الجبهة الدستورية.