أثار البيان الصحافي للمتحدث باسم وزارة الخارجية السورية، جهاد مقدسي، التباساً سياسياً وأمنياً، بعدما نقلت وكالات الأنباء الأجنبية عنه ما يمكن اعتباره تهديداً باستخدام السلاح الكيميائي ضد أي عدوان خارجي على سوريا، إذ أشارت إلى أنه قال «لن يتم استخدام أي سلاح كيميائي أو جرثومي أبداً خلال الأزمة في سوريا، مهما كانت التطورات الداخلية. هذه الأسلحة لن تستخدم الا في حال تعرضت سوريا لعدوان خارجي». وأضاف أن «هذه الأسلحة على مختلف أنواعها مخزّنة ومؤمّنة من قبل القوات المسلحة السورية، وبإشرافها المباشر». إلا أن الخارجية ما لبثت أن وزّعت بياناً جديداً على وسائل الاعلام، أدخلت فيه بعض التعديلات. وجاء فيه «أن أي سلاح كيميائي أو جرثومي لم ولن يتم استخدامه أبداً خلال الأزمة في سوريا، مهما كانت التطورات في الداخل السوري».
وأكد وزير الاعلام السوري عمران الزعبي، أنه ليس هناك تعديل على بيان وزارة الخارجية، بل هناك توضيح، لأن ثمة جهات خارجية إعلامية ودبلوماسية أرادت أن تفسر البيان على مزاجها وهواها، وأن تحمله وتأخذه في سياق آخر.
غير أن التوضيح السوري لم يصل إلى مسامع الدول الغربية التي استغلت ما نُقل عن مقدسي لتشن حملة على دمشق، إذ حذر الرئيس الأميركي، باراك أوباما، الرئيس السوري، بشار الأسد، من أنه سيُحاسب إذا أقدم على ارتكاب الخطأ المأسوي المتمثل في استخدام تلك الأسلحة».
وقال أوباما، أمام محاربين قدامى في رينو بولاية نيفادا، «نحن نعمل اليوم كي يكون للشعب السوري مستقبل أفضل متحرر من نظام الأسد».
وكان رئيس المجلس الوطني السوري المعارض عبد الباسط سيدا، حذّر في انقرة من أن «النظام الذي يقتل الأطفال ويغتصب النساء من السهل جداً أن يستخدم الأسلحة الكيمائية».
بدوره، قال الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون، إنه يشعر بالقلق من احتمال ان تستخدم سوريا أسلحتها الكيميائية، بعدما حذرت من أنها قد تنشرها إذا شعرت أنها مهددة بالتدخل الخارجي. وشدد بان على أنّه «إذا استخدم أحد في سوريا أسلحة للدمار الشامل، فسيكون ذلك أمراً يستحق الإدانة».
من جهته، رأى وزير الخارجية البريطاني وليام هيغ أنّ تهديد دمشق باستخدام أسلحة كيميائية في حال تعرضها لهجوم خارجي هو أمر «غير مقبول».
كذلك أكد نظيره الالماني، غيدو فسترفيله، أنّ «التهديد باستخدام أسلحة كيميائية أمر وحشي»، فيما نبّه وزير الخارجية الفرنسي لوران فابيوس الى أنّ «هذه المنشآت تخضع لمراقبة خاصة جداً».
كذلك أعرب الاتحاد الاوروبي، عن «قلقه البالغ من اللجوء المحتمل الى هذه الأسلحة». ورأت وزيرة خارجية الاتحاد كاثرين أشتون أن وجود أسلحة كيميائية في أي منطقة نزاع يمثّّل «مصدر قلق».
بدوره، أعرب رئيس الوزراء الاسرائيلي بنيامين نتنياهو، في مقابلة مع قناة «فوكس نيوز» الاميركية، عن قلقه «مما سيحدث لمخزون الاسلحة الكيميائية والصواريخ» عند سقوط النظام. وقال نتنياهو «هل نستطيع أن نتصور أن يمتلك حزب الله اسلحة كيميائية؟ هذا الامر مثل امتلاك القاعدة لأسلحة كيميائية».
ميدانياً، نفّذت القوات النظامية، أمس، حملات دهم واعتقال في بعض أحياء دمشق، بعد أن تمكنت من السيطرة على منطقتي المزة وبرزة. وأوضح «المرصد السوري لحقوق الإنسان» أن القوات النظامية «تسيطر في الواقع على الشوارع الرئيسية في الاحياء التي دخلت اليها في العاصمة، بينما لا تزال هناك مواجهات في عدد من حارات الأحياء».
وأكدت وزارة الخارجية السورية، أمس، أن السلطات السورية «ستستعيد قريباً السيطرة على المعابر الحدودية» التي استولى عليها مقاتلون معارضون خلال الأيام الماضية. وقال المتحدث باسم وزارة الخارجية، جهاد مقدسي، «هناك معبران خرجا عن السيطرة، وهما من المعابر المعزولة والمتروكة، وغير المستخدمة منذ شهر حزيران». وأكد مقدسي أن «الوضع في دمشق أفضل بكثير»، مؤكداً أن كل شيء سيعود الى طبيعته في غضون يومين. وأضاف أنّ «الجيش السوري حالياً في حالة دفاع عن المواطنين السوريين». وتابع أن «كل من يحمل السلاح ضد الدولة لا يمكن الرد عليه إلا بالطريقة نفسها، وكل من يدعو الى الحوار ويتبنى الحوار السياسي، الأبواب مفتوحة له».
من جهته، ذكر «المرصد السوري لحقوق الإنسان» أن القوات النظامية السورية نفذت «إعدامات ميدانية» في حق 23 شخصاً في حيّي المزة وبرزة في دمشق. كذلك أفاد عن العثور على 15 جثة مجهولة الهوية في بساتين منطقة السلم في بلدة معضمية الشام في ريف دمشق. وفي مدينة حلب، تستمر الاشتباكات في بعض أحياء المدينة، حيث قتل ستة عناصر من قوات النظام ومدنيان. وسجلت صباحاً حركة نزوح واسعة، بعد ثلاثة أيام من الاشتباكات، حسب المرصد.
إلى ذلك، طلب رئيس الوزراء العراقي نوري المالكي، أمس، من القوات العراقية والهلال الاحمر استقبال النازحين السوريين، بعد ثلاثة أيام من إعلان الحكومة رفضها السماح بدخول أي لاجئ. من جهته، قال المتحدث باسم الحكومة العراقية، علي الدباغ، إن الحكومة «تقرر استقبال اللاجئين من أشقائنا السوريين وتقديم كل المساعدات اللازمة لهم وتوجيه قوات حرس الحدود والشرطة والمحافظات الحدودية لتقديم الدعم». وكان المجلس الأعلى الإسلامي العراقي، برئاسة عمار الحكيم، قد طالب الحكومة العراقية، أمس، بالإيعاز باستقبال اللاجئين السوريين في العراق.
وفي السياق، فرّقت قوات الدرك الأردني بالغاز المسيل للدموع، أمس، صدامات بين أردنيين ولاجئين سوريين في مدينة الرمثا الحدودية، فيما استمر تدفق اللاجئين السوريين الى المملكة. وقال فتحي البشابشة، أحد مالكي «سكن البشابشة» الذي يؤوي أكثر من ألف لاجئ سوري إنّ «الأمر بدأ عندما قام شبان أردنيون بتصوير فتيات لاجئات، ما أثار غضب أهلهم الذين اشتبكوا على الفور مع هؤلاء، واتسعت دائرة الاشتباك إثر مشاركة المئات من الطرفين، قبل أن يتدخل الأمن». ويعدّ «سكن البشابشة» نقطة الاستقبال الأولى للاجئين السوريين الذين يعبرون السياج الحدودي الى المملكة.
من جهته، قال زايد حماد، رئيس جمعية «الكتاب والسنّة» التي تقدم خدمات إغاثية، إن «ما يزيد على أربعة آلاف سوري لجأوا الى المملكة عبر السياج الحدودي بين سوريا والاردن منذ السبت حتى فجر أمس». وأضاف أن «أكثر من 1600 لاجئ سوري عبروا السياج الحدودي فجر الاثنين الى المملكة».
بدوره، عبّر الملك الاردني عبد الله الثاني، في تصريح له، عن «ارتياحه للخطط والإجراءات المتخذة على الحدود على المنطقة الشمالية». وأكد أن «واجبنا حماية كل مواطنينا في الاردن، ولكن في الوقت نفسه علينا فتح أبوابنا لأشقائنا السوريين».
وفي الإطار نفسه، قال رئيس الوزراء القطري حمد بن جاسم آل ثاني إنّ اللجنة الوزارية العربية وافقت على تقديم معونة قدرها 100 مليون دولار للاجئين السوريين. كذلك دعت فرنسا وبريطانيا الاتحاد الأوروبي الى زيادة مساعدته الإنسانية للاجئين السوريين الذين يتدفقون خصوصاً إلى الأردن ولبنان. وقال وزير الخارجية البريطاني وليام هيغ «يتعيّن علينا أن نزيد مساعدتنا الانسانية للأشخاص الذين يفرون عبر الحدود»، خصوصاً الى الاردن. ودعا نظيره الفرنسي لوران فابيوس الى «مساعدة البلدان المجاورة المضطرة الى استقبال أعداد كبيرة من اللاجئين»، مثل لبنان والاردن.
وذكرت وكالة أنباء الأناضول أن 387 لاجئاً سورياً عبروا الحدود إلى تركيا، أمس، هرباً من أعمال العنف في بلادهم، وبينهم 11 جندياً.
(أ ف ب، رويترز، يو بي آي)