القاهرة | لم يكن مستغرباً الهجوم الشديد أمس الذي رافق الذكرى الستين لثورة 23 يوليو، ورمزها جمال عبد الناصر. المهاجم لم يكشف عن هويته، وظل مستتراً خلف أقنعة كثيرة وأسماء مستعارة على مواقع التواصل الاجتماعي «فايسبوك» و«تويتر»، بينما كان واضحاً أن هناك لجاناً إلكترونية منظمة تنفذ هذا الهجوم. وبدا واضحاً أيضاً أن أغلب المهاجمين ذوو توجه واحد أقرب إلى الإسلام السياسي، يعتبرون عبد الناصر فاشياً ظالماً قتل الإسلاميين وعذبهم، ودمر اقتصاد البلد، وأهدر كرامة المصريين.
الهجوم جاء في وقت من المفترض أن يحتفل المصريون فيه بثورتهم الأولى «ثورة 23 يوليو»، بينما نادت مجموعة من الأصوات في الفترة الأخيرة بأن يجري إلغاء الاحتفالات الخاصة بذكرى ثورة يوليو. واستند بعض من هؤلاء إلى ما جاء في خطاب رئيس الجمهورية في ميدان التحرير، في الأيام الأولى لتوليه منصبه، الذي هاجم فيه ثورة يوليو بطريقه غير مباشرة. فعندما تحدث عن معاناة المصريين على مر التاريخ للوصول إلى الديموقراطية، قال «وما أدراك ما الستينيات»، في إشارة إلى ما تعرضت له جماعة الإخوان المسلمين في ستينيات القرن الماضي وقت حكم جمال عبد الناصر. وتكرر الأمر مرة أخرى عندما تحدث مرسي، أول من أمس، في ذكرى ثورة يوليو، فلم يستطع أن يخلع عباءته الإخوانية وهاجم الثورة في يوم ذكراها. وقال «حاولت ثورة 23 يوليو أن ترسي مفهوماً للعدالة الاجتماعية والتنمية المخططة وحشد الموارد من أجل مشروع وطني متكامل. ونجحت الثورة في بعض هذه الأهداف وتعثرت في أهداف أخرى، وخصوصاً في ملف الديموقراطية والحريات التي تضاءلت مساحتها عبر الأنظمة المختلفة». وأضاف مرسي «تراجعت خطواتها لإقامة حياة ديموقراطية حقيقية قائمة على سيادة الشعب وتمكين الأمة لتكون مصدر السلطات... وفشلت التجربة الديموقراطية في الثلاثين سنة الأخيرة بفعل التزوير والاستبداد الذي أنتج في نهاية المطاف فساداً استنزف كثيراً من موارد مصر وإمكانياتها»، وكأن المخلوع حسني مبارك كان يحكم بشرعية يوليو. الخطاب الذي ألقاه مرسي تجاهل اسم جمال عبد الناصر أو أي من أعضاء مجلس قيادة الثورة، وكذلك كان من الواضح أيضاً أن الرئيس الإخواني لا يريد أي احتفال بذكرى يوليو، فامتنع عن الذهاب إلى ضريح عبد الناصر، ولا حتى أرسل مندوباً عنه كما هو المعتاد في الاحتفالات السنوية بذكرى ثورة يوليو. الغريب هذه المرة أن حتى المجلس العسكري لم يرسل أياً من أعضائه للمشاركة في الاحتفالات، بينما كان الحضور كبيراً أمام ضريح عبد الناصر، بينهم المرشح السابق لرئاسة الجمهورية حمدين صباحي، وعدد آخر من السياسين والمثقفين والفنانين، إضافة إلى أسرة جمال عبدالناصر. الحضور الكبير أمام الضريح كان رداً على المطالبات بإلغاء الاحتفالات. وقال عبد الحكيم عبد الناصر، نجل الزعيم الراحل، إن ثورة يناير قامت على المبادئ والأهداف التي قامت من أجلها ثورة يوليو 1952، وكانت تعمل من أجل الفلاحين والبسطاء والمهمشين، وأقرّت التعليم المجاني الذي كان الخطوة الأولى في تطبيق العدالة الاجتماعية. وأمام ضريح عبد الناصر، قال الفنان صلاح السعدني إنه سعيد بانتمائه إلى جيل الستينيات الذي عاصر التجربة الناصرية واستفاد منها في التعليم المجاني والعدل الاجتماعي الذي افتقدته مصر أخيراً، حسب قوله. ونظم التيار الناصري مساء أمس احتفالاً سياسياً وفنياً في ميدان التحرير حضره أيضاً عدد كبير من الشخصيات العامة.
في سياق آخر، لا يزال الشارع ينتظر تأليف الحكومة التي لم يستقر رئيس الجمهورية عليها بعد، بينما نشرت صفحة حزب الحرية والعدالة، الذراع السياسية لجماعة الإخوان المسلمين، أنه سيُعلن اسم رئيس الحكومة الخميس، على أن يُعلن باقي التشكيلة الأسبوع المقبل. وقالت مصادر في الإخوان المسلمين إن الجماعة ستستحوذ على 30 في المئة من الحقائب الوزارية في الحكومة المقبلة، بينما ينتظر حزب النور السلفي الداعم لمرسي في جولة الإعادة هو الآخر نسبة في الحكومة الجديدة لا تقل عن 20 في المئة منها.
إلى ذلك، بدأت السلطات المصرية أمس الإفراج عن 572 مسجوناً مدنياً تمت محاكمتهم وإدانتهم من قبل محاكم عسكرية، بعد أن أصدر مرسي قبل أيام قراراً بإطلاق سراحهم. وقال مصدر أمني إنه «تم الإفراج عن 457 من بوابات السجون مباشرة، بينما تم ترحيل 115 إلى مديريات الأمن، نظراً إلى أنهم متهمون في قضايا أخرى». وكانت منظمة «هيومن رايتس ووتش» قد دعت الأسبوع الماضي الرئيس المصري الى العفو عن «كل المدنيين المحالين على القضاء العسكري». وقالت المنظمة في بيانها إنه «لا ينبغي محاكمة أي مدني أمام محكمة عسكرية».