استمر الحديث الدولي أمس عن ضرورة السعي لنقل السلطة في دمشق، وهو حديث انضم إليه العرب مع دعوة رئيس الوزراء القطري، حمد بن جاسم، خلال اجتماع لجنة المتابعة حول الوضع في سوريا، إلى تعديل مهمة المبعوث الدولي كوفي أنان لتصبح متمحورة حول انتقال السلطة.
وقال بن جاسم، في افتتاح اجتماع اللجنة الوزارية العربية الخاصة بالأزمة السورية في الدوحة، «حدثت مؤخراً في سوريا أمور دقيقة ما كنا نتمنى حدوثها، ولا بد أن يتبصر إخواننا في الحكومة السورية كيف نحل الموضوع بطريقة آمنة تحفظ النسيج الوطني السوري، بما يتطلب انتقالاً سلمياً للسلطة». واعتبر أنه «لا بد أن يؤدي ذلك بالرئيس السوري (بشار الأسد) لأخذ قرار شجاع لحقن الدماء وحفظ مقدرات سوريا». كما أضاف إنه «لا بد أن تنتقل مهمة كوفي أنان وتتغير مهمته الى كيفية نقل السلطة».
وقال الشيخ حمد «كل القرارات التي قدمتها الجامعة العربية في السابق لم تنجح، كما أن خطة كوفي أنان لم تحقق أهدافها، ولم ننجح عربياً ودولياً بما في ذلك في مجلس الأمن بسبب اعتراضات في المجلس، ما زاد من حمام الدم وأعطى رخصة للقتل». ودعا «الدول المعترضة»، في إشارة الى روسيا والصين، الى أن «تعيد النظر وأن تتعامل مع الموقف... من منظور عربي وأخلاقي لأنه تربطنا معها علاقات حميمة، وذلك كله لمصلحة العلاقات الاستراتيجية».
ومن المقرر أن يعقد اجتماع موسع آخر لوزراء الخارجية العرب مساء اليوم الاثنين للبحث خصوصاً في الشأن السوري.
وتأتي الدعوة القطرية بعد سلسلة مماثلة من المطالب الدولية، كان آخرها لوزير الخارجية الفرنسي لوران فابيوس، الذي طالب المعارضة السورية «بتنظيم صفوفها» من أجل أن «تشكل بسرعة حكومة مؤقتة تكون ممثلة لتنوع المجتمع السوري». وقال فابيوس، في بيان، إنه «مهما تكن مناوراته، فإن نظام بشار الأسد قد حكم عليه من قبل شعبه نفسه الذي يبرهن عن شجاعة كبيرة. إن الوقت حان للتحضير للمرحلة الانتقالية ولما بعدها».
وقال فابيوس أيضاً في بيانه «نحن نأمل أن تشكل سريعاً حكومة مؤقتة تكون ممثلة لتنوع المجتمع السوري. إن فرنسا تدعم بالكامل الجهود التي تبذلها الجامعة العربية في هذا الاتجاه». كذلك فإن فرنسا مستعدة، بحسب بيان فابيوس، «لأي مبادرة ـــ بما فيها استضافة باريس لاجتماع وزاري ـــ بهدف تعزيز جهود الدول العربية في بناء سوريا الغد».
في هذا الوقت، قال الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون، إن السلطات السورية «أخفقت بوضوح في حماية المدنيين، وعلى المجتمع الدولي مسؤولية جماعية لتطبيق ميثاق الأمم المتحدة والتحرك طبقاً لمبادئه». وأعلن بان، خلال زيارة لجزيرة بريوني في كرواتيا، أنه أرسل الى سوريا مساعده لشؤون عمليات حفظ السلام الدبلوماسي الفرنسي هيرفيه لادسو، وكبير المستشارين العسكريين في الأمم المتحدة الجنرال السنغالي بابكر غاي، من أجل تقويم الوضع الميداني في هذا البلد.
وقال الأمين العام إن «الأمم المتحدة لا تزال ملتزمة بالكامل ومندفعة تماماً، معرباً عن قلقه من «ارتفاع عدد القتلى وعدد من اضطروا إلى الفرار من منازلهم» مع استمرار الاشتباكات العنيفة التي قال نشطاء إنها تدور بين الجيش السوري والمعارضين المسلحين في مدينة حلب خصوصاً.
من جهة ثانية، كشف المعارض السوري هيثم منّاع، أنه رفض عرضاً لقيادة حكومة انتقالية في سوريا في المرحلة المقبلة قدمته إليه جهات في النظام السوري، إضافة إلى أطراف دولية أخرى، فيما أكد رئيس المجلس الوطني عبد الباسط سيدا، أول من أمس، أن التطورات في سوريا «دخلت مرحلة الحسم»، مطالباً بإنشاء صندوق دولي لإغاثة الشعب السوري.
وقال منّاع، في اتصال هاتفي مع وكالة أنباء الأناضول، إن ضباطاً من الجيش السوري وأطرافاً دولية لم يسمّها عرضت عليه قيادة البلاد في المرحلة المقبلة.
وأوضح أن هذه الأطراف بررت عرضها بأنه شخصية لديها قبول لدى المعارضة السورية وبعض أركان النظام الحالي الذين لم تتلوث أيديهم بدماء الشعب السوري. إلا أن المعارض السوري أكد أنه رفض العرض لأنه لا يعتبر نفسه الشخصية المناسبة لمثل هذا المنصب. وأشار منّاع إلى أن ما عرض عليه في مرحلة ما بعد الأسد صيغة على غرار «اتفاق أوسلو» الذي وقّعه الرئيس الفلسطيني الراحل ياسر عرفات مع مسؤولين إسرائيليين في عام 1993 ولم يسفر عن أية تسوية بين الطرفين، مؤكداً أنه يرفض مثل هذه الطروحات. وشدد على أنه «إذا تنحّى الأسد أو خُلع فيجب تنحية جميع المسؤولين في إدارته ممن ارتكبوا جرائم اقتصادية أو تلوثت أيديهم بدماء الشعب السوري ومحاكمتهم أمام القضاء». وخلص إلى أنه يرفض كل الحلول الوسط المطروحة حالياً. ويرى منّاع أنه يجب، في حال تشكيل حكومة انتقالية لإدارة البلاد، ألا تزيد فترة ولايتها على سنة ونصف سنة تمهد لانتخابات ديموقراطية وتؤسّس لدولة مدنية لكل أبناء الشعب السوري.
من جهته، قال سيدا، في مؤتمر صحافي عقده في اسطنبول، إن «الجهود الدبلوماسية متسارعة بنفس الوتيرة التي تتفاعل فيها الأوضاع على الأرض... لقد بلغنا مرحلة الحسم، وفق ما أفادنا به الاتحاد الأوروبي والدول الصديقة»، وذلك في ختام جولة قام بها في عدد من الدول الأوروبية. وإذ جدد مطالبته المجتمع الدولي بالتحرك خارج إطار مجلس الأمن لوضع حد للأزمة السورية، أكد سيدا الذي تفقد مخيمات اللاجئين السوريين داخل تركيا، أن «سوريا منكوبة ونطالب بإنشاء صندوق دولي لإغاثة الشعب السوري، ونناشد الجميع التدخل لتخفيف معاناة اللاجئين».
إلى ذلك، أفاد الجيش الإسرائيلي، أمس، بأن الرئيس السوري بشار الأسد لا يزال في دمشق ويحتفظ بولاء القوات المسلحة في مجابهة تقدم المعارضة المسلحة. وقال المتحدث باسم القوات المسلحة الإسرائيلية العميد الركن يوآف مردخاي، في مقابلة مع التلفزيون الإسرائيلي، إن «الجيش (السوري) لا يزال موالياً للأسد، برغم تعرضه لموجة كبيرة للغاية من الانشقاقات. ولا يزال هو وأسرته في دمشق».
وفي طهران، قال وزير الخارجية الإيراني علي أكبر صالحي، على هامش مراسم الذكرى السنوية الأولى لاغتيال العالم النووي داريوش رضائي نجاد، رداً على سؤال بشأن وضع الرعايا الإيرانيين في سوريا، إن «الهدوء يعمّ سوريا، ولا حاجة إلى القيام بأي إجراء بشأن الرعايا الإيرانيين المقيمين في دمشق».
(أ ف ب، يو بي آي، رويترز)