القاهرة | «دقت ساعة العمل الثوري لكفاح الأحرار/ تعلن زحف الوطن العربي بطريقه الجبار/ والثوار هم الشعب والأحرار هم الشعب عارفين المشوار/ هي إرادة شعب إتحرر يوم تلاتة وعشرين/ طلع الفجر عليه كان عارف هو طريقه منين». كلمات تغنى بها موسيقار الشرق محمد عبد الوهاب ومن بعده المصريون تعبيراً عن امتنانهم لثورة 23 يوليو/ تموز التي أزاحت عنهم رق الاستعمار وجلبت لهم نهضة اجتماعية وزراعية وصناعية. ولكن إصرار رجال يوليو على حكم المصريين وفق سلبيات لم تعترف بالديموقراطية واعترفت فقط بحكم الفرد، أدت الى قيام ثورة 25 يناير ضد حكم العسكر وأحفاد ثورة يوليو، وتغنّى المصريون بـ«يسقط حكم العسكر» بدلاً من أناشيد الثورة. بعيداً عن الضجيج والمراسم الرسمية المعتادة للاحتفال، ووسط مطالبات بعدم الاحتفاء بحكم العسكر، يحتفل المصريون اليوم على استحياء بالذكرى الستين لثورة 23 يوليو وتولّي العسكر حكم مصر، في ظل سيطرة جماعة الإخوان المسلمين، المناهضة للتجربة الناصرية التي قامت بالثورة «على مقاليد الحكم في البلاد».
ذكرى يوليو هذا العام تؤذن ببداية حقبة جديدة في تاريخ المصريين لن يحكمهم فيها العسكر الذين ظلوا على رأسها ابتداءً من 1952 حتى 30 يونيو 2012. المصريون يحتفلون اليوم بذكرى يمقتها رئيسهم الذي بدأ عهده بخطاب شعبي عبّر خلاله عن كرهه لفترة الستينيات التي حكم خلالها قائد الثورة جمال عبد الناصر مصر وتبعه حكم عسكري تمثل في رئاسة محمد أنور السادات، ثم محمد حسني مبارك، وانتهت الحال عند المشير محمد حسين طنطاوي، قبل أن تصل السلطة لأول مرة إلى المدنيين، وتحديداً جماعة الإخوان المسلمين صاحبة الاتجاهات المعادية للتجربة الناصرية التي يحظى الجيش والعسكريون بموجبها باحترام الشعب وتقديره. دخلت مصر فعلياً أعتاب الجمهورية الثانية التي تؤذن بنهاية حكم جنرالات العسكر، إيذاناً بتصدر ثورة 25 يناير لطليعة كتب التاريخ وتراجع ثورة 23 يوليو.
الذكرى الستون لثورة 23 يوليو جاءت لتؤكد هدم كافة أطلال ما تبقى من تلك الثورة التي بدأت كانقلاب عسكري، وأصبحت ثورة أيّدتها جموع الشعب، ثم تحولت إلى أيقونة نجاح شكلت وجدان المصريين والعرب، سرعان ما عصفت بها مصالح جنرالات العسكر الذين تراجعوا عن هدف يوليو «السيادة للشعب»، وأصبحت السيادة لأنفسهم. تناسوا أهداف ثورتهم، فثار عليهم شعبهم. ثورة 25 يناير التي ثار خلالها المصريون على مبارك ومن بعده المجلس العسكري، أسدلت الستار على ثورة يوليو وأطاحت أحفادها، أعضاء المجلس العسكري، من صفحة الزعماء في كتب التاريخ لتستقر بهم في صفحة مجرمي الحرب. ولم يتبق من ثورة يوليو سوى أغاني عبد الحليم حافظ وأم كلثوم، وهو ما فرض سؤالاً عن شرعية ثورة يوليو في ضوء شرعية ثورة يناير التي لا يزال المصريون في انتظار ثمارها التي لم تطرح بعد قرابة عامين من قيامها غير رئيس مدني يصارع العسكر لتمكينه من صلاحياته.
أحفاد يوليو وأصحاب الفضل في كره الشعب لها من جنرالات المجلس العسكري استقبلوا ذكرى يوليو بتوجيه تحية للرئيس جمال عبد الناصر عبر بيان نشرته الصفحة الرسمية للمجلس العسكري عبر موقع التواصل الاجتماعي «فايسبوك». وحرص العسكر فيه على التأكيد على أن «ثمار ثورة يوليو لا تزال تسهم في استقرار مصر وأمنها حتى الآن»، معدداً إنجازاتها في جلاء الإنكليز عن مصر، وتأميم قناة السويس، وبناء السد العالي، ووضع قوانين الإصلاح الزراعي... وخاطب بيان العسكري الرافضين للاحتفال بثورة يوليو معتبراً «محاولات الهجوم على الثورة والتشويه المتعمد لها هو ضلال، فلا مستقبل لأمة تمحو تاريخها».
في المقابل، رأت جماعة الإخوان المسلمين التي لم تجن من ثورة يوليو سوى الاعتقالات والتعذيب والإعدامات، أن ثورة يناير محت كل آثار ثورة يوليو، مطالبين الشعب بعدم الاحتفال. ورأى القيادي الإخواني حمدي حسن أن «ثورة 23 يوليو 1952 انتهت بثورة 25 يناير»، مضيفاً أن «دولة العسكر التي أنشأتها ثورة يوليو صارت في ذمة التاريخ أيضاً».
أما أنصار التجربة الناصرية، فرأوا أن ثورة يناير خرجت من عباءة ثورة يوليو في الأساس. الشاعر عبد الرحمن الأبنودي، في حديث صحافي مع إحدى الجرائد الحزبية في مصر، قال إن ثورة يناير تستمد شرعيتها بالأساس من شرعية يوليو. وأضاف «أعتقد أن ثورة يناير هي خارجة من عباءة ثورة يوليو. كل ما لحق بثورة يوليو يقابله ما لحق بثورة يناير»، متوقعاً ثورات جديدة للمصريين في السنوات المقبلة. وقال «الشعب كان يتوق ويطمح إلى هذا اليوم، وهو الحلم نفسه من زمن عرابي وثورة الـ19، وسيفعل أبناؤنا الفعل نفسه ما دام النيل يجري. فالإنسان المصري يحلم بتحقيق الحلم نفسه وتقويم الميزان الذي تعرض للخلل، ودائماً سوف يوجد من يلتف حول الثورة ويعيدها لأعدائها مرة أخرى».
أساتذة التاريخ على الجانب الآخر أكدوا أن تولّي رئيس إخواني لرئاسة مصر لا يمكن أن يمحو ثورة 23 يوليو من تاريخها، ولا سيما أنه طبقاً لأستاذ التاريخ الحديث في جامعة القاهرة، الدكتور عادل منصور، فإن «ثورة يوليو قامت من أجل أهداف سامية، لا تموت أبداً». وأوضح أنه ليس لمصلحة فصيل سياسي من ثورة أو حدث سياسي ضخم في تاريخ الدول أن يجري إلغاء هذا الحدث أو إعلان وفاته بعد أن يسيطر هذا الفصيل على السلطة. وأوضح أن الإخوان استفادوا من ثورة يوليو كأفراد من حيث التعليم المجاني والمشروعات الكبرى وإعلاء شأن طبقة الفلاحين والعمال، ولكنهم خسروا منها كجماعة لها أهداف ومصالح سياسية.