الرباط | اعتقد حزب «التنمية والعدالة» المغربي أن مؤتمره الأخير سيمر بسلام، بعدما بسط رئيس الوزراء عبد الإله بنكيران سيطرته على الحزب وأقصى معارضيه، لكن طفت على السطح أزمة أفسدت على الحزب سعادته، بعد اتهام الحزب بالتطبيع مع الكيان الصهيوني، باستضافته المستشار السابق لرئيس الحكومة الإسرائيلي الأسبق إسحاق رابين بعوفير برنشتاين. في بادئ الأمر، حاول عدد من قادة الحزب نفي استضافتهم شخصية صهيونية في مؤتمرهم بالقول إن برنشتاين مناصر للقضية الفلسطينية، وقد تخلى عن جواز سفره الإسرائيلي، لكن المواقع الالكترونية دحضت ادعاءات الإسلاميين بكشفها مقالاً سابقاً لجريدة الحزب «التجديد» تنتقد فيه حضور برنشتاين لأحد المنتديات العالمية التي يحتضنها المغرب باعتباره شخصية صهيونية، وفي حضوره تطبيع مع الكيان الصهيوني، ما اضطر موقع «التجديد» إلى حذف المقال على نحو سريع. بدوره، أوضح القيادي البارز في الحزب، عبد العالي حامي الدين، أن قيادة الحزب وافقت على دعوة برنشتاين دون تردد على أساس أنه ناشط يهودي فرنسي مناصر للقضية الفلسطينية بناءً على لائحة قدمها القيادي رضا بنخلدون. بنخلدون عاد وتنصل في ما بعد من اختياره، مؤكداً أن الأمر جرى بطلب من المسؤولين عن الحزب الإسلامي في فرنسا، وندد بنخلدون بما وصفه بالتأويل السيّئ لاستضافة برنشتاين، معتبراً أن الموضوع لا يحتمل ما قيل عنه. هذه الازدواجية في المواقف لحزب العدالة والتنمية وضعته في موقف حرج أمام الرأي العام المغربي، بعدما أصبح فعل «التطبيع « واضحاً لا يقبل أي محاولة التفاف أو تفسيرا آخر.
استضافة برنشتاين تسببت بأزمة داخلية في الحزب الإسلامي، بحسب ما ذكر مصدر حزبي مطلع لـ «الأخبار»، كاشفاً أن «العناصر الأكثر التزاماً وتشدداً داخل الحزب غاضبون، وينتظرون اعتذاراً من القيادة للقواعد للشعب». ولم يستبعد المصدر حدوث بعض الاستقالات دون أن تشمل عناصر قياديين وهو ما عكسته استقالة ادريس بوانو، عضو لجنة العلاقات الدولية للحزب، من كافة هياكل الحزب، معتبراً نفسه مسؤولاً مادياً ومعنوياً ومقدماً اعتذاره إلى الشعب المغربي. وفي الاتجاه ذاته، ذهب محمد الهلالي عضو المجلس الوطني، الذي وصف استقبال الضيف الصهيوني بـ «الفضيحة المجلجلة» التي تستوجب المحاسبة والاعتذار والكفارة.
بدوره، كشف حامي الدين، أن الحزب سيخصص جزءاً كبيراً من اجتماعه المقبل لتدارس هذا الموضوع، واتخاذ القرار المناسب والمنسجم مع مواقفه المبدئية المناهضة للتطبيع.
إلى ذلك، دعت منظمة التجديد الطلابي، الحركة الطلابية التابعة للحزب، قيادة حزبها إلى توجيه اعتذار رسمي إلى الشعب. وقال رئيس اللجنة التنفيذية للمنظمة، محمد الإبراهيمي، إن استضافة برنشتاين خطأ يستوجب الاعتذار، وإن القيام بهذه الخطوة لن يزيد الحزب إلا قوة وثباتاً على مواقفه المنحازة إلى قضايا الأمة. هذا وكانت قد تواترت أخبار عن لقاء جمع بين خالد مشعل وبرنشتاين برعاية الحزب الإسلامي، غير أن حركة حماس نفت الأمر عبر بيان رسمي، في وقت ذكر فيه برنشتاين أنه صافح مشعل خلال المؤتمر على نحو عابر.
وفيما تناقلت الصحف المغربية على نطاق واسع صور لقاءات بنكيران والعثماني القياديين والوزيرين في الحكومة الحالية، مع برنشتاين، فهل يعتذر إخوان المغرب الذين لطالما ملأوا الدنيا ضجيجاً بتظاهراتهم المنددة بالتطبيع؟ أم أنهم سيغضون أبصارهم هذه المرة لأنهم في سدة السلطة؟