بينما كانت السطات السورية تقيم تشييعاً رسمياً لمعاون نائب رئيس الجمهورية السورية حسن توركماني ووزير الدفاع داوود عبد الله راجحة ونائبه آصف محمود شوكت، الذين قضوا في التفجير الذي استهدف مقر الأمن القومي يوم الأربعاء الماضي، كان التلفزيون السوري يعلن وفاة رئيس مكتب الأمن القومي هشام اختيار، متأثراً بجروحه، ليرتفع عدد القتلى في التفجير إلى أربعة، في وقتٍ لا يزال فيه وزير الداخلية، محمد الشعار، في المستشفى يتلقى العلاج. وذكرت وكالة الأنباء السورية «سانا» أن دمشق شيعت «في موكب رسمي مهيب من صرح الشهيد في جبل قاسيون (المطل على دمشق) الشهداء الأبطال»، بحضور نائب رئيس الجمهورية فاروق الشرع، وعدد من القيادات العسكرية والسياسية، يتقدمهم وزير الدفاع الجديد فهد جاسم الفريج، ورئيس مجلس الشعب محمد جهاد اللحام والدكتور رياض حجاب رئيس مجلس الوزراء.
في غضون ذلك، أكدت مصادر واسعة الاطلاع، لـ«الأخبار» أن كل ما يُحكى عن أسماء شخصيات كانت موجودة في اجتماع الخلية هي معلومات غير صحيحة جملة وتفصيلاً، كاشفةً أن مسؤولاً سورياً في مكتب الأمن القومي، وهو ضابط متقاعد برتبة لواء، كان موجوداً في المبنى، وكان من المنتظر أن يشارك في الاجتماع، تعرض لإصابة غير حرجة، لأنه لم يكن موجوداً داخل الغرفة لحظة وقوع الانفجار. وأكدت المصادر أن التحقيقات التي أجريت أدت إلى تحديد الشخص الذي وضع الجسم المتفجر داخل الغرفة. ولفتت المصادر إلى أن هذا الجسم مموّه بشكل يشبه ملفاً يحوي مجموعة من الأوراق، وأن ألواح المتفجرات نُقِلَت تباعاً إلى داخل المبنى وجمعت فيه، وهي عبارة عن رقائق عريضة ومسطّحة. وتبين أن المشتبه فيه بزرع العبوة الناسفة هو أحد مساعدي رئيس مكتب الأمن القومي هشام اختيار. وأشارت معلومات متقاطعة من دمشق إلى توقيفه، ومباشرة التحقيق معه، علماً بأنه ليس انتحارياً كما سبق أن أشيع يوم وقوع عملية التفجير. ولفتت المصادر إلى أن التحقيقات تشير إلى أن الجهة المسؤولة عن عملية التفجير لا تمت بصلة للقوى المسلحة المعروفة في المعارضة السورية، ولا تلك التي تبنّت العملية. بل إن المعطيات تشير إلى تورط جهات استخبارية غربية وإسرائيلية في التجنيد والتحضير والتنفيذ.
وفي السياق، نفت معظم مصادر المعارضة السورية علاقتها بعملية الاغتيال التي طالت أبرز رموز النظام، علماً بأنها أثنت عليها. حالها كحال مصادر المجموعات السلفية الجهادية التي أكّدت لـ«الأخبار» أنها لم تسمع سابقاً بما أُطلق عليه تسمية «لواء الإسلام» الذي تبنى العملية. ورغم إشادتها بنتائج العملية، لفتت إلى أن أحداً من مجموعاتها لا يعرف شيئاً عن هذا «الفصيل المشبوه».
هذه المعلومات تزامنت مع تسارع وتيرة التطورات الميدانية، وتحديداً في العاصمة دمشق. اذ أعلنت القوات النظامية شن «هجوم مضاد» لاستعادة السيطرة على أحياء في دمشق إثر مواجهات عنيفة، في موازاة حديث معارضين عن معارك للمرة الأولى تشهدها مدينة حلب.
وقال مصدر أمني لوكالة «فرانس برس»، إن الجيش السوري النظامي يشن هجوماً مضاداً شاملاً لاستعادة السيطرة «على كل الأحياء التي تسلل إليها الإرهابيون من أجل ضمان أمن المواطنين والسماح لهم بالعودة الى منازلهم».
من جهته، أعلن التلفزيون السوري أن الجيش النظامي «طهّر حي الميدان القريب من وسط العاصمة من الإرهابيين بعد معارك عنيفة»، فيما أفاد مصدر عسكري لوكالة الأنباء السورية «سانا» بأن «الجهات المختصة ضبطت في حي الميدان كميات ضخمة من الأسلحة، بينها رشاشات دوشكا وأحزمة وعبوات ناسفة وبزات عسكرية وقواذف آر بي جي وذخائر وأجهزة اتصالات».
في المقابل، أكدت مصادر في المعارضة المسلحة انسحاب المسلحين من الحي بعد تعرضه لقصف عنيف، واصفةً الأمر بأنه «تكتيكي». كما تحدث معارضون مسلحون عن إضرامهم النار في ثكن عسكرية، بعد حصار لها استمر يومين، مشيرين إلى أنها كانت تستخدم لتدريب عناصر موالية للأسد. وأشار معارضون إلى مقتل ثلاثة أشخاص على الأقل عندما أطلقت طائرات هليكوبتر عسكرية صواريخ على حي السيدة زينب في جنوب شرق العاصمة. كما تحدثوا عن اشتباكات في منطقة المزة الدمشقية، فيما أفيد عن تدفق مسلحين من مناطق أخرى في سوريا على العاصمة من أجل المعركة التي أطلقوا عليها «بركان دمشق وزلزال سوريا»، قائلين إنها ستكون المعركة الأخيرة للسيطرة على المدينة.
ويجزم مقاتلو المعارضة السورية، الذين يرددون في مجالسهم معزوفة «الساعة صفر»، أنه «لن تُشبه الأيام المقبلة على سوريا تلك التي سبقتها». يُخبر هؤلاء عنها كتوقيتٍ محدد سلفاً ستشتعل خلاله أنحاء مختلفة من سوريا، كاشفين أن العدّ التنازلي لهذه المرحلة قد بدأ، بعدما تردد عن أن التفجير الذي استهدف اجتماع أعضاء خلية الأزمة في دمشق كان رصاصة الانطلاق لبدء هجمات متفرقة في أنحاء مختلفة من البلاد.
وفي السياق نفسه، تحدثت مصادر المعارضة عن «انفلاشٍ مسلّح» في دمشق بدأ منذ يومين ضمن مسار خطة مرسومة سلفاً، مشيرةً إلى أنه سيصل إلى أوجه مع بداية شهر رمضان، ليترافق مع سلسلة تفجيرات سيطال بعضها دمشق. كما ذكرت المصادر أن مجموعاتها المسلّحة ستُنفّذ سلسلة هجمات على مراكز عسكرية في عدد من المناطق. كذلك ذكرت مصادر معارضة لـ«الأخبار» أن قرابة ثلاثة آلاف مسلّح انطلقوا من عدد من المحافظات السورية، وبعضهم قدم من الشمال اللبناني، وتوجّهوا إلى دمشق للمشاركة في الاشتباكات التي وقعت فيها خلال الأيام الماضية. وبحسب المصادر نفسها، فإن هذه العمليات تهدف إلى إشاعة أكبر قدر من الفوضى في البلاد لخلخلة أركان النظام بهدف إظهاره بمظهر العاجز أمام الشعب السوري والمجتمع الدولي على حد سواء.
وبانتظار مسار الأحداث في دمشق، سجلت أمس اشتباكات بين القوات النظامية ومقاتلين معارضين في كفرسوسة، إلى جانب حرستا وعربين في ريف دمشق، فضلاً عن عدد من الأحياء في حمص.
أما في حلب، فأفيد عن أن «أحياء صلاح الدين والأعظمية والأكرمية وأرض الصباغ، بالإضافة إلى مدينة الباب» شهدت اشتباكات بين القوات النظامية ومسلحين، فيما أشار ناشطون إلى خروج تظاهرات في مناطق مختلفة تحت عنوان «جمعة رمضان النصر سيكتب في دمشق»، وخصوصاً في دمشق وحماة وحلب ودرعا. وأفيد عن تعرض هذه التظاهرات لإطلاق رصاص. أما حصيلة أعمال العنف في سوريا فبلغت، وفقاً للمرصد السوري لحقوق الإنسان، 128 قتيلاً، هم 85 مدنياً و17 مقاتلاً معارضاً، وما لا يقل عن 26 عنصراً من القوات النظامية.
في هذه الأثناء، برز موقف وزير الدفاع الإسرائيلي ايهود باراك، الذي أعلن أمس أن إسرائيل تستعد لتدخل عسكري محتمل في سوريا إذا سلمت الحكومة السورية صواريخ أو أسلحة كيميائية إلى حزب الله اللبناني.
وقال باراك، في مقابلة مع القناة العاشرة بالتلفزيون الإسرائيلي، «أمرت الجيش بزيادة استعدادات المخابرات وإعداد ما هو ضروري حتى نكون (إذا دعت الضرورة) قادرين على دراسة تنفيذ عملية». وأضاف «احتمال نقل أنظمة ذخيرة متطورة، ولا سيما الصواريخ المضادة للطائرات أو الصواريخ أرض ـ أرض كبيرة، لكن من المحتمل أيضاً أن يجري نقل (أسلحة) كيميائية من سوريا إلى لبنان».
وأضاف باراك «في اللحظة التي يبدأ فيها (الرئيس السوري بشار الأسد) بالسقوط، سنجري مراقبة مخابراتية وسنتواصل مع الوكالات الأخرى».
إلى ذلك، أكد باراك الذي قام أمس بجولة في مرتفعات الجولان المحتلة، أن القوات الإسرائيلية تستعد لمنع تدفق اللاجئين على أراضٍ تسيطر عليها إسرائيل. وقال «لم يختاروا (اللاجئون) الاقتراب منا. لكن في حالة سقوط النظام، وهو أمر ممكن، فإن (القوات الإسرائيلية) هنا متأهبة ومستعدة، وإذا اضطررنا إلى وقف موجات اللاجئين فسنوقفها».
(الأخبار، ا ف ب، يو بي آي، رويترز)