دمشق | يعيش الشارع السوري، اليوم، حالة من الفوضى وغياب الرؤية الواضحة للأحداث الدموية الدائرة على الأرض. ندرة وسائل النقل، وارتفاع نسب الخوف من رصاصة طائشة، إذ أضحى التنقل في بعض المناطق أشبه بعملية انتحارية. تحت حرارة شمس تموز الحارقة، ومع الأخبار المؤلمة التي تصل من مناطق التوتر والمواجهات المحيطة بالعاصمة، ينشغل السوريون بالحديث عن تفجير مكتب الأمن القومي، ظهيرة أول أمس، الذي أودى بحياة وزير الدفاع السوري العماد داوود راجحة، ونائبه العماد آصف شوكت، والعماد حسن تركماني، مع معلومات عن إصابات خطيرة طالت الحاضرين في الاجتماع في حي الروضة. من خطّط ونفّذ التفجير؟ لماذا لم يعرض الإعلام الرسمي صوراً لمكان التفجير؟ هل باتت الأراضي السورية مسرحاً لعمليات استخبارية عالمية معادية؟ هل ستشهد المناطق المعارضة للنظام أعمالاً انتقامية تقوم بها مجموعات موالية؟ تساؤلات كثيرة، ربما سينتظر السوريون وقتاً طويلاً قبل أن يجدوا أجوبة شافية لها. «سبق أن شهدت كافة المحافظات والمدن السورية، تفجيرات وعمليات اغتيال إجرامية دموية مشابهة لما نعيشه اليوم، مع بداية ثمانينيات القرن الماضي، قامت بها عصابات الإخوان المسلمين الإرهابية»، يقول إعلامي سوري شاب، يعمل في إحدى القنوات الإعلام الرسمي، ويضيف «لن تضعف هذه الأعمال الإرهابية من عزيمتنا وإصرارنا على الخروج منتصرين من المعركة». وفي أول إعلان واضح عن مسؤولية تفجير مكتب الأمن القومي، صرّح العميد المنشق مصطفى الشيخ من تركيا، على قنوات فضائية مختلفة، أن منفذ العملية «هو عنصر مدني يعمل لدى أحد ضباط المربع الأمني السوري الضيق. هرّب عبوات ناسفة على دفعات، وقام بتفجيرها عن بعد أثناء الاجتماع، الذي كان مقرراً اليوم التالي للتفجير. ومن نفّذ التفجير وصل إلى مكان آمن الآن». هذا الكلام عزّز عند الشارع السوري ما يتداوله البعض، حول حقيقة وجود «اختراق أمني عالي المستوى، وخيانة في الدائرة الضيقة للنظام»، في وقت تنظّم جنازة وطنية في العاصمة السورية، اليوم، للمسؤولين الثلاثة الذين قتلوا في التفجير، قبل نقل جثامين كل من المسؤولين الى مدينته لدفنه فيها.
تعيش الأوساط الموالية للنظام السوري حالة من الصدمة والذهول، لدى استقبالها خبر التفجير الإرهابي، ومقتل أركان رئيسية من خلية إدارة الأزمة السورية. وسرعان ما جاء ردهم العفوي بنحو متواضع جداً، عندما خرجت مجموعات قليلة العدد، في مسيرات غضب واستنكار للإرهاب، في بعض ساحات وشوارع العاصمة دمشق، بينما استقبلت أطياف المعارضة، خبر عملية الاغتيال بردود فعل متباينة. في قرى قريبة من مدينة حلب في الشمال السوري، خرجت تظاهرات فرحة، وزّعت فيها الحلوى احتفالاً باغتيال «أخطر وأهم أركان النظام السوري»، كما ظهر في اللافتات المرفوعة.
«هل بات السوريون اليوم، يحتفلون مع الكيان الصهيوني بمقتل وزير الدفاع الجيش العربي السوري، ونائبه وخيرة ضباطه؟»، يتساءل أحمد المهايني (27 عاماً)، في إشارة واضحة إلى ما تناقلته وسائل إعلامية، عن الاحتفالات التي عمت الكنيست الاسرائيلي، لدى سماع خبر الاغتيال. ويضيف الشاب السوري المعارض للنظام «من الصعب حقاً احتمال ما يحصل في سوريا، كنت أتمنى وأحلم أن يستشهد وزير دفاعنا وأصحابه، على حدود الجولان المحتل، أو في الحرب مع الكيان الصهيوني!، ربما كانت الفكرة محتملة ومقنعة أكثر من اغتيالهم وسط عاصمتهم وبين أهلهم».
وبعيداً عن أصداء وتداعيات عملية الاغتيال، وغموضها، وتشعباتها، سجلت العديد من حالات النزوح الجماعية، لمدنيين من مناطق ما زالت تشهد مواجهات مسلحة، مثل السيدة زينب، الميدان، الزاهرة، مخيم اليرموك، مخيم فلسطين وغيرها باتجاه مناطق أكثر أمناً، وإن كان أماناً وهدوءاً نسبياً قد يتحول في أي لحظة إلى توتر ومواجهات مشابهة لتلك التي هربوا منها.
«منذ صباح يوم أمس، توزع الشباب على طرفي الطريق العام، حاملين ماءً بارداً وطعاماً، لاستقبال النازحين، في مشهد مؤثر حقاً. مخيمنا تحول إلى مخيم»، يخبرنا الناشط الفلسطيني أدهم فهد (25 عاماً)، من سكان مخيم خان الشيح، الواقع على بعد 35 كيلومتراً جنوب العاصمة دمشق. ويضيف «سارع أهالي المخيم بشكل جماعي، إلى فتح وتنظيف المدارس المغلقة، لاستقبال العائلات التي نزحت من مخيم اليرموك، والسيدة زينب، هرباً من القصف والرصاص». يبدو الناشط الفلسطيني متأثراً جداً لما سمعه من أخبار مؤلمة، يتناقلها عدد من المدنيين النازحين، الذين ساعدهم لدى وصولهم إلى أرض المخيم. «سمعت أخباراً عن عمليات قتل بالسلاح الأبيض على خلفية طائفية، وعن قصف الجيش السوري للمناطق المدنية بشكل هستيري عنيف»، يقول.
في الطرف الآخر من العاصمة دمشق، استقبل أهالي منطقة ضاحية قدسيا النازحين من القابون، والتقدم، والقدم، والزاهرة، وغيرها، وتحولت المدارس إلى مكان تجمع للنازحين من مناطق التوتر، قبل أن تسارع الأسر السورية من سكان المنطقة إلى تقديم المساعدات المختلفة. «كان مشهداً مؤثراً بالفعل، ذكرني بلحظة وصول اللاجئين من الجنوب اللبناني أثناء حرب تموز عام 2006، لكن هنا كانت العاطفة أقوى، والأجواء حميمية بشكل لا يمكن وصفه، فالنازحون اليوم هم سوريون جاؤوا للاحتماء من قصف سوري متبادل»، يخبرنا نزار (55 عاماً) من سكان قدسيا، الذي فتح منزله لاستقبال أسرة سورية نازحة ــ حيث تقاسم معها زاده وماءه، والأمل بسلام وهدوء يعيد الحياة إلى ما كانت عليه سابقاً.