على الغلاف | دمشق | لم يعرف سكان دمشق خلال الأيام الماضية طعماً للنوم. استمرت العمليات العسكرية في بعض الأحياء، وسط خشية الأهالي من وصول الرصاص إلى مناطق أخرى، ما سبّب حالة من الهلع المتواصل، لتأتي عملية أمس وتضيف توتراً جديداً، وخصوصاً لجهة المكان المستهدف والشخصيات وتبعات هذه العملية. وبات يطرح هذا التفجير أسئلة جدية عن قدرة النظام على التعاطي مع الأزمة، وعن قدرة المسلحين على الوصول إلى مراكز عسكرية وصفت دوماً بأنها محصنة ضد أي عمل قد يستهدفها.
واللافت في موقع العملية أنه في أحد أكثر الأحياء الدمشقية تشدداً من الناحية الأمنية، إذ يقع مكتب الأمن القومي في منطقة الروضة في حي أبو رمانة، وهي ضمن مربع يحيط به مبنى السفارة التركية والأميركية، إضافة إلى السفارة العراقية، وعدد من السفارات التابعة للاتحاد الأوروبي. وعرفت هذه المنطقة ببعدها عن الاشتباكات والعمليات المسلحة التي تشهدها المنطقة، حيث باتت مقسمة بالحواجز. ولم تمنع الحماية المشددة عملية أمس من أن تضرب عمق النظام السوري، لتستهدف شخصيات تعتبر من أهم الشخصيات العسكرية في البلاد، أو ما يعرف باسم «خلية إدارة الأزمة» التي أنشئت مع بداية الاحتجاجات الشعبية في شهر آذار من العام الماضي. وتضم الخلية وزير الدفاع العماد داوود راجحة، ووزير الداخلية اللواء محمد الشعار، وقادة الأجهزة الأمنية: نائب وزير الدفاع آصف شوكت، ومسؤول الاستخبارات الجوية جميل الحسن، ومدير الأمن القومي هشام اختيار ، ومسؤول الاستخبارات السياسية محمد ديب زيتون، ومسؤول الأمن العسكري عبد الفتاح قدسية، ومسؤول التحقيق في المخابرات العامة حافظ مخلوف، وهو شقيق رجل الأعمال الشهير رامي مخلوف، ورئيس خلية الأزمة العماد حسن توركماني، إضافة إلى اللواء علي مملوك، ويحضر بعض الاجتماعات العميد ماهر الأسد، وأحياناً يحضرها الرئيس بشار الأسد نفسه.
وتتولى هذه الخلية إدارة الوضع الأمني والعسكري في كافة المحافظات السورية، بما في ذلك التصدي للمجموعات المسلحة وتخطيط عمليات الحسم الأمني والعسكري، وإرسال القوات الأمنية والجيش لعرقلة المظاهر المسلحة في البلاد. وإذا كان معظم القادة الأمنيين قد استمروا في مناصبهم لفترات طويلة، فإن الأمر لا ينسحب على وزيري الدفاع والداخلية، فقد عيّن الأول قبل عام تقريباً، خلفاً للوزير السابق العماد علي حبيب، أما اللواء محمد الشعار فقد عيّن في نيسان من العام الماضي في حكومة عادل سفر. وينظر إلى عملية استهداف قادة الخلية الأمنية، والتي أعلن «الجيش السوري الحر» تبنّيه لها بروايات مختلفة، بين انتحاري فجّر نفسه داخل المبنى وأخرى تتحدث عن عبوة ناسفة وضعت داخل قاعة الاجتماعات، بينما يتحدث آخرون عن نجاح عدد من كتائب الجيش الحر في اختراق المنظومة الأمنية وزرع عبوة ناسفة في قاعة الاجتماعات، على أن أمراً لافتاً برز في تسارع أحداث أمس، وهو غياب كل من اللواء علي مملوك، وجميل الحسن، وعبد الفتاح قدسية، ومحمد ديب زيتون عن الاجتماع الذي استهدف بالتفجير. كذلك أكد بعض الناشطين أن العميد حافظ مخلوف لم يكن موجوداً هو الآخر، وأشار آخرون مقيمون في المنطقة القريبة من موقع العملية إلى أن أحداً لم يسمع صوت انفجار، رغم أن كل المتحدثين باسم «الجيش الحر» أكدوا وجود عبوة ناسفة تزن خمسة وأربعين كيلوغراماً من مواد شديدة التفجير، فيما استغرب آخرون غياب كاميرات التلفزيون الرسمي عن موقع التفجير على عكس معظم التفجيرات السابقة. واللافت هو تبنّي العملية من قبل عدة كتائب في الوقت نفسه. وإذا كانت هذه هي حال خلية الأزمة وما أصاب أعضاءها، فإن حال عاصمة الأمويين تبدو صعبة للغاية، مع تحولها إلى مدينة مقطعة الأوصال أغلقت فيها معظم الطرق الداخلية بحواجز أمنية، وقطعت الطرق الدولية التي تربطها بالأردن ولبنان وباقي المحافظات، بحيث بات المرور عبرها صعباً للغاية. إلى ذلك، استمرت العمليات العسكرية في حي الميدان وكفرسوسة والقابون وبرزة، لتشهد المناطق الأخرى ازدحاماً غير مسبوق على المتاجر والصيدليات والأفران خوفاً من أزمة قد تلزم الدمشقيين بيوتهم لفترة طويلة، فيما تخوف آخرون من خطر الفلتان الأمني، وحدوث مجازر أو معارك عنيفة بين قوات الأمن وعناصر «الجيش الحر» من جهة أخرى. ولا يتردد «الجيش الحر» في إعلان سيطرته على بعض المناطق أو تحريرها لفترة بسيطة قبل أن تستعيدها قوات الجيش والأمن. في كل الأحوال، سيتذكر السوريون هذا اليوم كثيراً، ربما لأن ما بعده يشي بتطورات متسارعة تنبئ بمفاجآت قد تكون سارة للبعض وسيّئة للبعض الآخر.