الإسكندرية | جاءت كارثة انهيار عقار في الإسكندرية بحي الجمرك فوق ثلاثة منازل أخرى مجاورة عصر السبت الماضي، والتي أدت إلى سقوط 19 قتيلاً و7 مصابين، فضلاً عن تشريد عشرات الأسر، لتعيد تسليط الضوء على ملف البناء المخالف والمباني المهددة بالانهيار في مصر، وتحديداً في الإسكندرية.مسلسل انهيار العقارات المتوالي في الإسكندرية ليس بجديد. بدأ في السابع من حزيران عام 2005، حينما انهار عقار بمنطقة فلمنج التابع لحي شرق بالإسكندرية وأدى إلى مصرع 21 شخصاً، أعقبته انهيارات متتالية للعقارات في مناطق متفرقة على مدى السنوات الماضية، خلفت وراءها ضحايا كثر، من بينها انهيار مصنع بمنطقة محرم بك أدى إلى وفاة 26 شخصاً. والمتتبع لكل هذه الانهيارات، يلحظ أنها طالت جميع أرجاء المحافظة. وربما كان أبرز أسباب تفشي هذه الظاهرة، يعود إلى عهد المحافظ السابق عبد السلام المحجوب، الذي كان يعطي رجال الأعمال اعفاءات وتسهيلات في البناء، مقابل أن يجمّل كل واحد منهم ميداناً بصورة شكلية أو يقوم بطلاء واجهة بناية مطلة على شارع رئيسي، وهو أدى إلى تفشي حالة من البناء العشوائي، ضغط على مستوى كفاءة البنية التحتية وأسس لمافيا من الفساد في المحليات والأحياء، بذريعة تجميل المدينة. أما السبب الثاني، فيعود إلى أن كثيراً من هذه العقارات تحتاج إلى ترميم أو إزالة، إلا أن انسحاب الدولة عن تحمل مسؤولياتها جعل الأهالي يسألون «أين نذهب إذا لم يكن هناك بديل».
وسؤال الأهالي يبدو منطقياً، وخصوصاً بعد ما أعلنت لجنة الإسكان في الغرفة التجارية بالإسكندرية أن 95 في المئة من عقارات المدينة مخالفة لشروط البناء، بما جعلها تقرر رفع مذكرة إلى الرئيس محمد مرسي للمطالبة بتعديل عقوبات البناء المخالف، التي تخير بين الغرامة العقارية الضعيفة التي تبدأ من 100 جنيه إلى 500 جنيه على المتر أو الحبس، لتجعل الحبس وجوبياً ولسنوات طويلة على المخالف، ولا سيما أن الخطة التي يتبعها المقاولون الفاسدون تجعل مكاسبهم خيالية.
ويتغلب المقاولون على العوائق القانونية، بطريقة سهلة. فعندما يقوم البناء بدون ترخيص، وبمجرد بناء أول دور أو اثنين من الأدوار، لا تقوم فرق الإزالة بهدم فوري للمنزل الذي يبنى بدون تراخيص، وخصوصاً في حال وجود نور ومياه وأسرة تسكن المكان. أما أثناء البناء فالرشوة وفساد الذمم في الأقسام والأحياء كفيلة بتمرير المخالفات، على أن تكتب أوراق العقود باسم شخص آخر يطلق عليه «الكاحول» مقابل مبلغ من المال، يدفعه لتسديد الغرامة، أو يستخدمه أثناء تقضية مدة الحبس الهزلية.
ويرى مدير مركز ضحايا لحقوق الإنسان، هيثم أبو خليل، أن هذا العقار أسقط معه ورقة التوت المتبقية للجمعيات ورجال الأعمال ممن يدعون فعل الخير في رمضان أو غيره، لافتاً إلى أن دورهم لم يكن يجب أن ينحصر في تجميل بعض الأبنية بل تجديد ورفع المستوى السكني لسكان مناطق الإسكندرية، كاشفاً أن هناك قرابة ألف عقار بالإسكندرية مهددة بالانهيار.
واعتبر أنه بانهيار تلك العقارات، فقد سقط المجتمع كله ولا سيما المجتمع المدني الذي لم يحرك فيه أحد من النشطاء، سواء السياسيين أو الاجتماعيين ساكناً حتى تعفنت الجثث تحت الأنقاض.
فبالرغم من تعدد كوارث سقوط العقارات، فإن معدات الإنقاذ ورفع الأنقاض لا أثر لها، ليكون استخدام الأيدي والأدوات التقليدية هو السائد، ما أدى إلى تأخر انقاذ الأحياء في الكارثة الأخيرة حتى تعفنت بعض الجثث، وإلى وفاة اثنين من عمال المخبز في العقار المهدوم، بعدما حاول هذان العاملان الاتصال بالتلفون المحمول ليخبرا المنقذين أنهما ما يزالان على قيد الحياة، قبل أن يلقيا حتفهما لاحقاً.