تؤكد المعلومات المتوافرة أن المبعوث الدولي كوفي أنان يعتزم العودة إلى سوريا لاستكمال أجندة نقاش محددة مع القيادة السورية، رتّب بنودها خلال زيارته الاخيرة. وبانتظار معرفة كيف سيتبلور اتجاه السباق القائم بين أنصار إعطاء الأولوية في هذه المرحلة لزيادة العقوبات وحظر الاسلحة على سوريا، وبين أنصار إعطاء أنان فرصة جديدة لاستثمار نتائج زيارته الأخيرة لدمشق، تقف الأزمة السورية أمام عشرة أيام مقبلة ستكون حاسمة.
وكشف مصدر مطّلع لـ«الأخبار» تفاصيل عن نتائج زيارة أنان الأخيرة لسوريا.
ويقول المصدر إنه بعد التطورات الاخيرة، سواءً على المستوى الدولي أو الداخلي السوري، بات واضحاً أن هناك توافقاً غير معلن روسياً _ أميركياً، وتحتل روسيا ضمنه منزلة اللاعب الرقم واحد في الأزمة السورية، من دون أن يعني ذلك أن الاميركي تخلى عن طموحاته ومشروعه، أو أن الروسي غير موافق على أن «لا يخرج الأميركي من المولد من دون حمص»، كما يقول المثل الشائع. هذا المستجد أفرز واقعاً جديداً، وهو الذهاب باتجاه الاستمرار في توظيف خطة أنان، ولكن انطلاقاً من تعديل في أجندته، قوامه التسليم بأن يبدأ «الحوار تحت ضغط الاشتباك المنخفض التوتر»، الذي لا يؤدي إلى تحوّل نوعي على الارض، لأن طرفي الصراع لا يسمحان بذلك، وغير قادرين على فرضه بالمحصلة. أما المستجد في موقف واشنطن من الازمة السورية، فهو أن «الحوار تحت ضغط الاشتباك المنخفض التوتر»، هذا ، طالب به الأميركيون، ولم يستطع الروس رفضه، لأنهم لا يملكون أدوات رفضه. ويريد الاميركيون منه أن يحقق أعلى درجة من مطالبهم، في الظرف الراهن. وفي المحصلة، فإن هذا المشهد الذي تعيشه خطة أنان في هذه اللحظة، وحسبما بدت صورته السياسية، يعني، عملياً، تقديم البند الثاني من خطة أنان على البند الاول، أي الانتقال إلى الحوار السياسي أولاً، بعد فشل جميع الاطراف في تحقيق وقف للعنف بشكل كامل. وهذه العملية التي نعيشها الآن تمثل خطوة للهروب بمهمة أنان إلى الامام، ومضمونها الحديث عن أن الحوار السياسي هو الذي سيؤدي إلى وقف العنف، وليس العكس. وفي المحصلة، جاءت نتائج زيارة أنان لترسي عملية سياسية، يجري الحديث فيها عن الحوار في ظلّ ظرف الاشتباك المنخفض التوتر، ويتوخى هذا الحديث البحث عن أطراف هذا الحوار وعن مضمونه والشروط المهيئة له، وباقي
التفاصيل.
ويكشف المصدر أنه «بعد نقاشات أنان مع الرئيس الأسد، وقبل أن يترك دمشق باتجاه طهران، أوكل إلى لجنة ألّفها من مساعديه في بعثة المراقبين الدوليين في سوريا، قوامها معاون رئيس البعثة مارتن غريفيش، ورئيس قسم الشؤون السياسية في البعثة اليو تامبوري، ورئيس قسم الشؤون المدنية في البعثة ريشار سفيللين، باستتباع نقاشاته التي أجراها مع الرئيس الاسد، وذلك عبر تحميلها خمسة أسئلة لمناقشة الإجابات عنها مع وزير المصالحة الوطنية في الحكومة السورية علي حيدر، ليصار إلى رفعها إليه، على أن يعود إلى دمشق لتثبيت ما يتم التوافق عليه منها. وبالفعل التقى وفد بعثة أنان علي حيدر، وقدم له الأسئلة الخمسة الآتية:
ــ السؤال الأول بشأن ما إذا كان إصرار الحكومة السورية نهائياً على شرط أن يقوم المسلحون بتسليم أسلحتهم وأنفسهم قبل بدء العملية السياسية.
ــ السؤال الثاني بشأن ما إذا كان وزير المصالحة الوطنية (المفوض من قبل الحكومة بإجراء حوارات المصالحة مع أطياف المعارضة السورية المختلفة) يمانع في أن يلتقي مع المسلحين وأعضاء المجلس الوطني
السوري.
ــ السؤال الثالث، هل لدى وزير المصالحة الوطنية مانع من السفر إلى الخارج ولقاء شخصيات من المعارضة؟
ــ السؤال الرابع عن موقف الحكومة السورية من فكرة تأليف حكومة انتقالية.
ــ السؤال الخامس عن موقف الحكومة السورية من حق التظاهر السلمي، بشأن قضية المعتقلين.
وأتت الإجابات السورية على الشكل الآتي:
ــ بشأن السؤال الأول، أجابت دمشق بأنه ما دمنا نتحدث عن عملية سياسية عبر الحوار ، فلا داعي لوجود سلاح غير شرعي بيد أحد إلا بيد الدولة، وإذا كانت المسألة هي خوف المسلحين على أنفسهم ورغبتهم في الحماية، فتستطيع الحكومة السورية إيجاد الوسائل التي تحميهم وتؤمن لهم حياة طبيعية من دون حمل السلاح.
ــ بشأن السؤال الثاني، أبلغت دمشق الوفد أنه لن يكون هناك مانع من أن يلتقي الوزير علي حيدر مع أي سوري في الداخل والخارج، ضمن معايير شرحها الأخير لهم على النحو الآتي: «الحوار يجب أن يكون في العملية السياسية، مثلاً، بخصوص الحديث مع المجموعات المسلحة، حتى أنان وفريقه يعرفون أن هناك أكثر من 300 مجموعة مسلحة على الأرض السورية، وأنه لا يرتبط بعضها بعض بأي علاقة عضوية، وليس لها قيادات ومرجعيات واحدة. وبالتالي هناك إشكالية تتمثل في تظهير هذه القيادات التي يمكن الحوار معها من خلال مؤتمر الحوار الوطني. وهنا أقول إن الحوار مع المسلحين وقياداتهم له آليات وأهداف مختلفة عن الآليات والأهداف المنوطة بالحوار السياسي. وهدف حواري مع قيادات المسلحين إن وجدت، هو لإقناعهم بضرورة تسليمهم سلاحهم والتخلي عن المسار العنفي العسكري، والتحوّل إلى مسار سياسي مفترض يتيح لهم لاحقاً المشاركة في الحوار السياسي المطلوب».
ــ بشأن السؤال عن الحكومة الانتقالية، أجاب الطرف السوري بأنه أمام فكرة الحكومة الانتقالية، في حال إقرار مبدئها، مجموعة من العقبات الموضوعية، منها أنه، «من هي الأطراف التي ستشارك في هذه الحكومة؟ وما هي نسب تمثيلها؟ وما هو مشروع هذه الحكومة؟ وفي المبدأ، وقبل كل ذلك، يجب الحديث عن معنى الانتقالية ومن أين إلى أين؟». وترى دمشق أنه ما دامت الغاية هي حلّ الأزمة، «فعلينا الذهاب في عملية قابلة للتنفيذ. لذلك، فإن الإعداد لحوار وطني أسهل بكثير من فكرة السير بحكومة انتقالية، ويؤدي الغاية المطلوبة، ويفتح الأبواب لكل الخيارات اللاحقة عند نجاحه، ومنها انتخابات برلمانية مبكرة وتأليف حكومة وحدة وطنية».
ــ بشأن السؤال عن المعتقلين، أجابت دمشق بأن وزارة المصالحة الوطنية تقوم بتأليف فريق يعمل بالمشاركة مع باقي مؤسسات الدولة المعنية بهذا الملف، وذلك بغية إنجازه في أسرع وقت ممكن، وبنحو يحفظ حقوق الإنسان وكرامة المواطن
السوري.
وفي سياق آخر، رأى أحد كبار مساعدي مسؤولة السياسات الخارجية في الاتحاد الأوروبي، كاثرين أشتون، في حديث مع «الأخبار»، أنّ الاتحاد الأوروبي يرى أن الحوار بين المعارضة والحكومة هو الطريق الوحيد للمصالحة. ورأى أن «موقف أنان تجاه الازمة وخطته، صحيح وصائب من الناحية الاستراتيجية، بما في ذلك إصراره على إشراك إيران في الحل»، وكشف أن المحادثات الدولية تستهدف فرض عقوبات دولية على سوريا من خلال مجلس الأمن، وحظر الأسلحة، ولكن ذلك سيأخذ وقتاً.
واستبعد «أن يكون هناك دور لليونيفيل في جنوب لبنان في عمل بعثة المراقبين الدوليين في سوريا، لأن الأمم المتحدة لا تخلط بين الأدوار والمهمات التي تقوم
بها».
لكن المسؤول الكبير في الاتحاد الأوروبي لفت إلى «أن الضغوط تزداد باطّراد. فالمحادثات تستهدف، الآن، العقوبات الاقتصادية على سوريا من خلال مجلس الأمن، وحظر الأسلحة عليها، ولا شك في أن ذلك سيأخذ وقتاً، وموسكو غير متحمسة لحظر الاسلحة، خاصة أنها تعلم أن دولاً أخرى لن تحترم قرار الحظر هذا، ولكن حتى لو كان
هناك قرار جديد من مجلس الامن، فإن صيرورة اتخاذه ستأخذ وقتاً، شهراً أو أقل، أو حتى اجتماع الجمعية العمومية في أوائل شهر أيلول. وفي كل الأحوال، سنرى في الحد الأدنى المزيد من العقوبات الاقتصادية على سوريا، طبعاً إلا إذا كان النظام جاهزاً لسحب الاسلحة الثقيلة (من المناطق الساخنة والمدن) ووقف العنف والقصف، وأخذ موقف مغاير للحالة العسكرية القائمة راهناً على الأرض، وذلك خلال الأيام العشرة المقبلة. فالوقت يمر
بسرعة».
وعن المحادثات الجارية بين موسكو وواشنطن بشأن الأزمة السورية، قال «إنني أعتقد أنه حتى موسكو ترى أنّ الطابة موجودة في ملعب (الرئيس بشار) الأسد، فهو يقرر ما إذا كان يريد نقل السلطة، وإن كان جاهزاً لتسليم الشعلة، أو لا».
وبشأن ما يقال عن أن بعثة المراقبين الدوليين في سوريا قد تستعين لزيادة عديدها بعناصر من قوة اليونيفيل الموجودة في لبنان، قال «لا أعرف بعد ما إذا كان سيكون هناك دور لقوات اليونيفيل في دعم عمل
البعثة الدولية الموجودة ضمن مهمة أنان في سوريا. لكنني لست واثقاً من أن أمراً كهذا يمكن أن يطبّق، لأنه عادة الأمم المتحدة لا تخلط أدوار المهمات والبعثات، حتى لو كان ذلك ممكناً من الناحية الجغرافية».



توافق في الرؤية


كشف الوزير علي حيدر (الصورة)، في تصريح إلى «الأخبار»، أن «بين أسئلة الوفد وأجوبة الحكومة السورية عليها، برزت نقاط توافق في الرؤية بشأن عدداً منها». وعدّد حيدر نقاط التوافق بالتالي: «إنّ فريق أنان والحكومة السورية يشتركان في النظرة إلى أن ظرف التظاهر السلمي في هذه المرحلة غير متاح، وخصوصاً أنّ التظاهر هدفه إيصال مطالب، والجميع يعرف أن هذه المطالب صارت معروفة، وأنّ المسألة تتعلق الآن بالبحث عن كيفية تنفيذها. كذلك توافقنا على أن للبعثة دوراً مهماً خارجياً لمساعدة وزارة المصالحة الوطنية على الإعداد للحوارات المطلوبة، وإقناع الأطراف الأخرى بالمشاركة في الحوار». ويضيف حيدر، «توافقنا أيضاً على ضرورة إقناع الدول الداعمة للمسلحين بوقف مدّهم بالسلاح والمال والإعلام السياسي، وذلك لمصلحة أن يتحول المجتمع الدولي برمته إلى دعم عملية الحوار».