لم يعكس الهدوء الإعلامي في إسرائيل، بخصوص البرنامج النووي الإيراني، اطمئناناً لدى الإدارة الأميركية حول النيات والاستعدادات الإسرائيلية، من أن تكون مقدّمة لمغامرة تورط فيها الولايات المتحدة والعالم في حرب لن تقتصر نتائجها وتداعياتها على إسرائيل والمنطقة فحسب، بل ستمتد لتشمل الاقتصاد العالمي أيضاً.
وينبع مصدر قلق الإدارة الأميركية، ومعها الدول الأوروبية المشاركة في المفاوضات مع إيران، فرنسا وألمانيا وبريطانيا، بحسب صحيفة «هآرتس»، من تقدير مفاده أن إسرائيل باتت ترى في المحادثات بين الغرب وإيران «غير ذي صلة من ناحيتنا». وبفعل ذلك، تواصل الاستعداد لإمكان شنّ عملية عسكرية ضدّ المنشآت النووية الإيرانية، رغم أن رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو «لم يتخذ بعد قراراً مبدئياً للخروج بعملية عسكرية».
وفي هذا الإطار، وضعت وسائل الإعلام الاسرائيلية زيارة وزيرة الخارجية الأميركية هيلاري كلينتون لتل أبيب، ضمن سلسلة زيارات أجراها مسؤولون أميركيون في الأيام، وتهدف جميعها الى منع عملية عسكرية أُحادية ضدّ المنشآت النووية الإيرانية، وإعطاء فرصة للعقوبات، فضلاً عن بحثها قضايا إقليمية أخرى، من ضمنها الموضوعان المصري والسوري.
ولفتت «هآرتس» الى أن كلينتون لمحت خلال تصريحاتها لوسائل الإعلام، بعد لقائها مع الرئيس الإسرائيلي شيمون بيريز، ثم نظيرها الإسرائيلي أفيغدور ليبرمان، الى الخلاف القائم مع الدولة العبرية في معالجة التهديد الإيراني، بالقول «نحن في فترة لا يقين، ولكن أيضاً مع فرص جديدة في المنطقة»، مضيفة إنه «في لحظات كهذه، الأصدقاء مثلنا ينبغي عليهم العمل معاً بشكل حكيم وإبداعي وشجاع».
وذكرت صحيفة «هآرتس» أن الموضوع الإيراني احتل محور زيارة الوزيرة الأميركية، إضافة الى الأحداث السورية والنظام الجديد في مصر والجمود السياسي على المسار الفلسطيني. وأشارت الى أن كل هذه المواضيع يوجد حولها خلافات بين الطرفين الأميركي والإسرائيلي.
من جهة ثانية، لفتت الصحيفة نفسها الى بعد داخلي أميركي لزيارة كلينتون للأراضي المحتلة، كونها تأتي قبل أسبوع من وصول المرشح الجمهوري للرئاسة الأميركية، ميت رومني، الى تل أبيب، وبالتالي فهي تحمل «أهدافاً سياسية أميركية داخلية». وأشارت الى أن وسائل الإعلام الأميركية تناولت في الأيام الأخيرة تقديرات مفادها أن الرئيس الأميركي باراك أوباما ربما يكون قد أرسل كلينتون لـ«زيارة وقائية» قبل زيارة روماني.
في موازاة ذلك، قالت صحيفة «معاريف» إن زيارات المسؤولين الأميركيين أتت في أعقاب فشل محادثات القوى العظمى الست مع إيران، الأمر الذي أثار القلق الأميركي من عملية عسكرية إسرائيلية محتملة. وفي ضوء ذلك، قررت الإدارة الأميركية إرسال مسؤولي الإدارة كي تضع إسرائيل في صورة استمرار الإجراءات المخطط لها ضدّ إيران، ولمنع أي إمكانية لهجوم إسرائيلي عشية الانتخابات الأميركية. ولفتت الصحيفة نفسها أيضاً الى أن الأميركيين يخشون من أن يكون الخيار العسكري قد عاد ليكون «ذا صلة» بالنسبة إلى إسرائيل، وخصوصاً أن التقدير السائد هو أن نتنياهو قد يتخذ قراراً بتنفيذ الهجوم قبل الخريف، في الوقت الذي يواصل فيه الأميركيون التعبير عن معارضتهم الشديدة لأي هجوم إسرائيلي قبل الانتخابات الرئاسية المقبلة في تشرين الثاني.
وفي السياق نفسه، كشفت «معاريف» أن وزير الدفاع الأميركي، ليون بانيتا، سيزور الأراضي المحتلة مع نهاية الشهر الجاري، على أن يكون محور زيارته الموضوع الإيراني. وسبق هؤلاء الزائرين الأميركيين عدد من المسؤولين الكبار في واشنطن. فقد زار اسرائيل في نهاية الأسبوع الماضي سرّاً مستشار الأمن القومي الأميركي، توم دونيلون، والتقى خلالها رئيس الوزراء نتنياهو، ووزير الدفاع إيهود باراك ونظيره الإسرائيلي يعقبو عميدرور.
لكن بالرغم من الطابع السرّي لزيارة دونيلون، قرّر البيت الأبيض كشف النقاب عنها وإصدار بيان رسمي حولها، بالتنسيق مع مكتب رئيس الوزراء، تضمن الإشارة الى أن دونيلون شدّد على التزام الولايات المتحدة القاطع بأمن اسرائيل، وأن «الزيارة جرت بهدف استمرار المشاورات المتواصلة بين محافل اسرائيلية ومحافل أميركية في مسائل الأمن القومي».
وبحسب تقارير إعلامية إسرائيلية، جاءت زيارة مستشار الأمن القومي الأميركي لفحص نيات اسرائيل ومحاولة إحباط هجوم عسكري محتمل من جانبها، اضافة الى مسائل اقليمية أخرى، مثل الوضع في سوريا ومصر. وكان قد سبق دونيلون الى اسرائيل نائب وزير الخارجية الأميركية، وليام بيرنز، لإجراء الحوار الاستراتيجي نصف السنوي مع الدولة العبرية، والذي مثّل فيه الأخيرة نائب وزير الخارجية داني إيالون.