القاهرة | عكست نتائج الجولة الأولى من الانتخابات البرلمانية المصرية انهيار قواعد حزب «النور» السلفي وعودة سيطرة المال السياسي عبر حزب «المصريين الأحرار»، الذي أسسه رجل الأعمال نجيب ساويرس، وتصاعد نفوذ حزب «مستقبل وطن» (حزب جديد) الذي أسسه رئيس «اتحاد طلاب مصر»، محمد بدران، المقرب من الرئيس عبد الفتاح السيسي، علما بأن هذا الحزب اعتمد على الفلول من نظام حسني مبارك.
وسجل أقدم الأحزاب، «الوفد»، حضوراً مرضياً، فيما يحاول تحالف «في حب مصر» تكوين الأغلبية البرلمانية مع عدم اقتصار التحالف الذي يضم عددا كبيرا من الأحزاب السياسية على القوائم الانتخابية فحسب. واللافت أن حزب «الحركة الوطنية» الذي أسسه الفريق أحمد شفيق لم يحصل سوى على مقعد واحد، كما خرج اليسار دون مقاعد، ونال الحزب الناصري مقعدا وحيدا.

حصول «الحركة
الوطنية» على مقعد وحيد يعني خروج
شفيق من اللعبة

وبينما انتزعت فئة المرأة خمسة مقاعد فردية من بينها دائرة إمبابة في محافظة الجيزة، أظهرت الإحصاءات حرص أهالي حلايب وشلاتين على المشاركة بقوة بعد تخصيص مقعد لهم، إضافة إلى زيادة نسبة الأصوات الباطلة بصورة ملحوظة. أيضاً فاز أكثر من 20 عسكريا ما بين ضباط شرطة وجيش متقاعدين، فيما حصل المستقلون على 105 مقاعد مقابل 108 حسمها مرشحو الأحزاب، وفي هذا الجانب يرى محللون أن وجود المستقلين سيساهم في تفتيت الأصوات في حال غياب التنسيق في القرارات قبل مناقشتها في مجلس النواب.
وكان من الواضح أن الإنفاق الدعائي الضخم لـ«المصريين الأحرار»، وقدرته على جذب مرشحين أكثر كفاءة من المستقلين والأحزاب الأخرى، عاملان أديا دوراً في تصدر الحزب عدد المقاعد الفردية، بعدما نجح في الحصول على 36 مقعدا، بينما نجح «مستقبل وطن»، باعتماده على كبار العائلات في الصعيد، إضافة إلى عدد من قادة الصف الثاني في «الحزب الوطني» المحلول، في تحقيق المركز الثاني بعدما نال 21 مقعداً. ثم حصد «الوفد» 11 مقعداً، وهو الرقم نفسه الذي حصل عليه «الشعب الجمهوري»، الذي يتكون من قادة سابقين في «الحزب الوطني»، وسينافس بـ35 مرشحاً في الجولة الثانية من الانتخابات.
والآن، يحاول «الوفد الحصول على تمثيل جيد في البرلمان بالإعلان المستمر عن دعمه لقرارات السيسي، لأن الانتخابات هي الفرصة الأخيرة لرئيسه السيد البدوي، في ظل تصاعد الأصوات الداخلية الرافضة لاستمراره على رأس الحزب، واتهامه بتدمير قواعده الجماهيرية والاكتفاء بالدعايات الإعلامية عبر شاشة قنوات «الحياة» التي يملكها.
أما «النور»، فلم يصمد أمام الحرب الإعلامية وعزوف عدد كبير من أعضائه عن المشاركة في العملية الانتخابية، ولكنه استطاع حصد ثمانية مقاعد، فيما يراهن على 72 مرشحاً في الجولة الثانية، ثم على قائمة القاهرة ووسط الدلتا التي تبدو فرصها بالفوز معدومة في ظل المنافسة القوية التي تبديها قائمة «في حب مصر»، إلى جانب تصاعد حملة الانتقادات ضد التيارات الدينية.
وتبدو فرص «النور» للفوز بتمثيل مشرف بالبرلمان جيدة، فالحزب يتوقع أن يصل عدد نوابه في البرلمان إلى 20 على الأقل مع وجود أربع دوائر فيها مرشحون مهمون له جرى إيقاف الانتخابات فيها. وهو يسعى بقوة إلى البقاء في الحياة السياسية عبر مجلس النواب للحفاظ على الكيان الذي تأسس بعد «ثورة 25 يناير» وحقق منه مكتسبات عدة للتيار السلفي، كما نجح في إيقاف الملاحقات الشرطية لأعضائه.
وكما كان متوقعا، خرجت أحزاب اليسار دون أن تحرز أي مقاعد في البرلمان، وهو أمر برره قادتها بالانقسام بين عدة أحزاب وغياب الدعم المالي الذي يمكّنهم من المنافسة في ظل الإنفاق السخي من غالبية التيارات السياسية. وأرجع محللون ذلك إلى انعزال اليسار عن الشارع، وخاصة خارج العاصمة التي تحظى عادة بغالبية الفعاليات.
لكن المفاجأة الكبرى في نتائج المرحلة هي حصول «الحركة الوطنية» على مقعد وحيد برغم أن المرحلة الأولى ضمت أكثر الدوائر التي ينافس عليها الحزب، فيما بات من المؤكد خروج شفيق وحزبه من أي معادلة سياسية في مجلس النواب المقبل، وكذلك الابتعاد عن أي تشكيل حكومي من الأغلبية، مع أنه حتى قبل فتح باب الترشح كان قادته يراهنون على عودته رئيساً للحكومة عبر الأكثرية النيابية.
حتى الآن، تبدو الأغلبية النيابية في البرلمان المقبل غير واضحة المعالم، ليس لأن أي حزب لن يتمكن من تشكيل الأغلبية، ولكن المؤكد أن تحالف «في حب مصر» بزعامة اللواء المتقاعد سامح سيف اليزل سيكون له الكلمة العليا بفضل التنسيقات والتحالفات المستمرة مع الأحزاب السياسية أو المرشحين المستقلين، الذين دعمهم التحالف في جولة الإعادة دون أن يكشف عن عددهم بوضوح حتى الآن، لكن مصادر محلية قالت إن 24 من مرشحي «في حب مصر» هم من الفلول على الأقل، مشيرة إلى أن 84 مقعدا من أصل 226 جرت المنافسة عليها في المرحلة الأولى حسمت لأعضاء «الحزب الوطني»، بنسبة 30% تقريباً.
وتبدو الفرصة جيدة أمام البرلمان المقبل لتنفيذ التعديلات الدستورية التي تقلص صلاحياته في مقابل توسيع صلاحيات الرئيس، وهو التيار الذي يتبناه سيف اليزل وعدد كبير من أعضاء التحالف، في وقت أخفقت فيه الأحزاب المعارضة لهذا التيار، مثل «المصري الديموقراطي» ــ حصد 3 مقاعد فقط ــ في الحصول على نسبة للاعتراض على القرارات المصيرية وتعطيلها. أما عن نسب الاقتراع الضعيفة، التي لم تصل في أحسن أحوالها إلى 23% من أصل 27 مليونا ونصف مليون كان يحق لهم الانتخاب، فإن غالبية التوقعات تشير إلى إقبال ضعيف أيضاً في المرحلة الثانية.