القاهرة | قمة جبل الجليد، هكذا يبدو حادث مقتل الشاب احمد حسين عيد على يد ملتحين في مدينة السويس شرق البلاد بعد تقرير بعثة تقصي حقائق اوفدتها الى هناك المبادرة المصرية للحقوق الشخصية، الذي قال إن مكان الحادث، الذي يعد متنزهاً لأهالي السويس، «شهد تكرار واقعة توقيف بعض الأفراد لبعض المترددين على المكان وسؤال الرجال والنساء الموجودين معاً عن درجة القرابة التي تربطهم، وتوبيخهم على ما يعتبرونه مخالفة للشرع والآداب. وأن ذلك تسبب في عدد من المشادات والمشاجرات».
وعلى الرغم من أن التحقيقات في حادثة مقتل الشاب، على خلفية مشادة نشبت بعدما احتج على «النصح والارشاد» بالا يجالس خطيبته، لم تؤدّ إلى الكشف عن تنظيم حقيقي للأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، الا ان المتهمين الثلاثة اعترفوا بأنهم اعتادوا التجول في الشوارع لـ «هداية المواطنين»، وفيما تبرّأت قوى الاسلام السياسي مما يسمى «هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر»، التي نسبت لنفسها حادث السويس، في بيان مجهول المصدر نُشر على موقع التواصل الاجتماعي «فيس بوك»، سرعان ما جدد الحادث التذكير بحوادث متلاحقة بعد الثورة نسبت الى متشددين اسلاميين وسلفيين، وجرى الربط بينها وبين الصعود السياسي لقوى الاسلام السياسي، وصولاً الى فوز الرئيس السابق لـ «حزب الحرية والعدالة»، الذراع السياسية لجماعة الاخوان المسلمين، محمد مرسي، برئاسة الجمهورية.
وراوحت الأحداث من تلك التي اثارت بالدرجة الأولى سخرية المصريين من السلفيين، كما حدث حين اقدم اعضاء في حزب «النور» السلفي على تغطية تماثيل لعرائس بحر عارية في الإسكندريه، ومحاولة القيادي السلفي حازم شومان منع المطرب هشام عباس من الغناء في حفل طلابي في مدينة المنصورة (شمال مصر)، وهدم لأضرحة أولياء، التي تعدّها التيارات السلفية بدعاً دينية محرّمة، ويعدّها قطاع واسع من المصريين إرثاً ثقافياً، الى أحداث أخرى دمويه، من قبيل حادثة قطع أذن رجل قبطي في محافظة قنا (جنوب مصر) على يد متشددين اسلاميين على خلفية شائعات ارتباطه بفتاة مسلمة العام الماضي، ومقتل عضوين في فرقة موسيقية في محافظة الشرقية (شمال البلاد) قبل ايام على يد ملتحيَين لاذا بالفرار.
«إلا أن تلك الاحداث ليست وليدة الشهور الأخيرة، كما يبدو للوهلة الأولى»، حسبما يقول وزير الثقافة الأسبق، عماد ابو غازي لـ «الأخبار». ويشير إلى أن «سنوات السبعينيات والثمانينيات شهدت احداثاً متواليه من قبيل منع فرقة موسيقية بالقوة من الغناء في كلية الطب في جامعة القاهرة، التي اعترف عبد المنعم ابو الفتوح (القيادي المنشق عن جماعة الاخوان المسلمين والمرشح الخاسر لرئاسة الجمهورية) في مذكراته بالضلوع فيها وقت كان طالباً في الكلية، ومهاجمة جماعات متشددة للشباب والفتيات في حدائق حلوان (غرب العاصمة المصرية القاهرة) ومنعهم من الاحتفال بشم النسيم (عيد الربيع عند المصريين القدماء)».
ويعترف أبو غازي بما قد يكون قد تغير في طبائع المصريين عبر كل تلك السنوات، ويقول «لعلهم قد اصبحوا لا يستنكرون التدخل في حرياتهم الشخصيه ولا حريات الآخرين ولا يقيمون وزناً لاحترام الحريات العامة». وربما كان هذا ما يستشف مع التحقيقات مع المتهمين الثلاثة في حادثة السويس، إذ لا يبدو على الثلاثة الانتماء المباشر إلى أي من جماعات الاسلام السياسي، بل ربما كانوا ثلاثة وجوه من أولئك الذين تأثروا بالثقافة التي بثتها تلك الجماعات ببطء عبر تلك السنوات، حتى بعد تراجعها عن العنف.
ويقول عضو مكتب ارشاد «الإخوان»، مصطفى الغنيمي، لـ «الأخبار» إن جماعته لا ترى أي فائدة في أن تتولى جهة ما مسؤولية الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، «فهذا لا يتناسب مع ميول وتوجهات الشعب المصري... بل وربما مع الطبيعة البشرية التي تأبى ان يتدخل الآخرون في تصرفات الناس، حتى لو كان الأمر على نحو لا يتضمن العنف (بعكس ما حدث في واقعة السويس)، فنحن (في جماعة الاخوان المسلمين) نرى ان الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر لا بد ان يتم من قبل المؤسسات الاعلاميه والتربويه مثلاً، ثم يترك الناس لحرية الاختيار، فإن لم يكن الفرد رقيباً على نفسه خوفاً من الله فلا فائدة من محاولة إجباره على الطاعات».
الا أن تصريحات ياسر البرهامي، القيادي في الدعوة السلفية، لموقع «بوابة الاهرام»، التي رجح فيها ان تكون هيئة الامر بالمعروف تلك جماعة تستهدف الاساءة إلى التيارات الاسلاميه، قد تتناقض مع كتاب «الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر» الذي ألفه البرهامي نفسه، إذ يقول البرهامي، في كتابه، «يلاحظ أن الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر في ظروفنا الحاضرة متعين بالقلب للجميع. وباللسان في كثير من الأحوال وباليد أحياناً بالشروط الشرعية لعموم المنكرات».
وما ذهب اليه عماد ابو غازي ربما يفسر ما تقوله المحامية نورا الفرا، التي اقامت دعوى قضائيه ضد وزارة الداخليه والنائب العام، مطالبة بملاحقة المسؤولين عن صفحة «هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر» التي أسسها مجهولون في كانون الثاني الماضي على موقع «فيس بوك». إذ قالت الفرا لـ «الأخبار» إنها تقدمت ببلاغ لادارة الإنترنت ضد منشئي الصفحة، وطالبت بالتحقيق معهم، الا ان الأمر انتهى بحفظ البلاغ لعدم الاستدلال عليهم، وهو ما فسرته بتراخي الشرطة الناجم عن عدم إدراكها خطورة الأمر. وهو ما يذهب اليه كذلك تقرير المبادرة المصرية للحقوق الشخصيه، الذي دان ما سماه «تقصير جهاز الشرطة في التدخل وحماية المواطنين من هذه المحاولات».
وتقول الفرا «قانون العقوبات المصري يتيح الدفاع عن النفس والآخرين ضد الاعتداءات على العرض او المال او النفس، حتى لو أدى ذلك إلى مقتل المعتدي، وهو ما يخشى منه من تفشي العنف المتبادل إذا اقدم منشئو الصفحة على ما هددوا به من استخدام العصي الكهربائيه حيال من يرونه مخالفاً لتعاليم الإسلام».
وكانت صفحة الهيئة قد هددت في كانون الثاني الماضي باستخدام العصي الكهربائية «رداً على ما حدث لشباب القليوبية»، في اشارة إلى تعرض اعضاء في الهيئة لضرب مبرح على يد نسوة في صالون تصفيف الشعر في مدينة بنها في محافظة القليوبيه (شمال القاهرة) رداً على محاولة إغلاقه بالقوة.
ربما كانت تلك الحادثة مؤشراً على ما قاله ابو غازي عن «الأمل في استمرار مقاومة قطاع من المصريين... وإلا لما كان الشاب السويسي قد قتل... فالفتى رفض بقوة محاولة التدخل في حريته الشخصيه ولذلك قتلوه».