مع تلويحها باحتمال لجوئها إلى الضربة العسكرية، لتحريك الضغط الغربي على ايران، تعيش اسرائيل الآن هاجس مهاجمة الجمهورية الإسلامية وإمكانات الرد الإيراني على هذه المهاجمة المفترضة. الا أن السؤال المتعلق بـ «اليوم الذي يلي»، أي ماهية الرد الايراني، ما زال بعيداً عن النقاش الجدي في اسرائيل، ولم يحظ بمكان لائق في نقاش تل أبيب، رغم اهميته الكبرى. مجلة «اسرائيل ديفنس» العبرية، المتخصصة في الشؤون العسكرية والأمنية، نشرت أخيراً مقالة عن هذه القضية، للعقيد الاحتياط، رونن كوهين، الذي سُرح أخيراً من شعبة الاستخبارات في الأركان العامة للجيش الاسرائيلي، بعدما تولى سلسلة من الوظائف الحساسة في الاستخبارات. كوهين شدد في المقالة على وجوب دراسة ونقاش اليوم الذي يلي الضربة الإسرائيلية المفترضة لايران، والسيناريوهات المحتملة للرد، ومدى قدرة اسرائيل الفعلية على تحمّلها. وبحسب كوهين، فإن «السيناريو المرجّح لما يلي الهجوم الإسرائيلي، على الأقل كما ينشر في وسائل الإعلام العالمية، يتضمن رداً عسكرياً شديداً وقاسياً من جانب إيران، يتركز على نحو أساسي على صواريخ بعيدة المدى، مضافةً اليها عمليات ارهابية ضد أهداف يهودية واسرائيلية في الخارج، مع دفع الذراع الأمامية لإيران، أي حزب الله، الى التدخل ايضاً»، موضحاً، ان الرد الإيراني سيكون على ثلاثة مستويات: معركة عسكرية تتضمن إطلاق صواريخ باتجاه إسرائيل، تنفيذ عمليات إرهابية في أماكن مختلفة من العالم، وحرب محدودة في الشمال، قد تستغرق وقتاً أطول من حرب لبنان الثانية. وشدد كوهين على وجوب استحضار العزم والإصرار الإيرانيين على الانتصار في المواجهة، مشيراً الى أنه «لدى الحديث عن الفكرة التي سيتمحور حولها التخطيط الإيراني للرد، ينبغي الأخذ بعين الاعتبار فرضية أن النظام في طهران، سيطمح إلى إنهاء الحرب الأولى مع اسرائيل، على نحو تتلقى معه إسرائيل ضربات قاسية ومؤلمة، تتيح لإيران إعادة مكانتها وكرامتها كقوة عظمى إسلامية، ذات طموحات توسعية».
من هنا، يضيف كوهين، إن الرد وأسلوب تنفيذه، يجب أن يكونا بمستوى يظهران فيه كأنهما خلاصة درس على المستوى الإقليمي والدولي.
بالنسبة إلى الإيرانيين، ممنوع أن يُظهر انتهاء الحرب إيران ضعيفة ومذلولة، كما أن هناك هدفاً إيرانياً آخر هو الحفاظ على المشروع النووي على قيد الحياة، بحيث يمكن ترميمه لاحقاً. أما الضربة الإيرانية، فستوجه على الأرجح، باتجاه نقاط الضعف في إسرائيل. ولفت الكاتب الى أنه «وفقاً للرؤية الإيرانية، تجد إسرائيل صعوبة في مواجهة حروب طويلة تستنزف جبهتها الداخلية».
ولفت كوهين الى انه «من أجل فهم كيف يفكر الإيرانيون، ينبغي العودة إلى ثمانينيات القرن الماضي، واستخلاص العبر من حرب الأعوام الثمانية، بين إيران والعراق، إذ إنه برغم وجود فروق لا تحصى بين تلك الحرب وبين مواجهة محتملة مع إسرائيل، إلا أن عدداً من العبر يجب تعلمها من الطريقة التي أدارت بها ايران حربها الأولى، رغم ان النظام كان في حينه لا يزال يحبو».
وتابع الكاتب، انه في تلك الأعوام، كان النظام الإيراني معزولاً، وقاتل من دون دعم دولة عظمى، في مقابل الدعم والمساعدة اللذين حصل عليهما العراق، والضغط الذي مارسته الدول الغربية على إيران. في تلك الأعوام الثمانية، كان مستوى طول النفس، والصبر، والتصميم والالتزام بالمهمة الذي أبداه الحرس الثوري مرتفعاً. كما أن الشعب الإيراني نفسه أثبت أن لديه القدرة على مواجهة هجمات وحشية تضمنت استخدام أسلحة غير تقليدية، ومنح قيادته التأييد اللازم. هذا هو الإرث الذي أبقاه (مؤسس الجمهورية الإسلامية روح الله) الخميني للشعب الإيراني، وهذا هو الأسلوب الذي خلّفه في ما يتعلق بإدارة أيّ حرب».
مع ذلك، يشير الكاتب، الى أن المؤيدين للفكرة التي تقول إن الرد الإيراني سيكون محدوداً، يرون أن المسافة بين إسرائيل وإيران ستفرض على الجيش الإيراني التركيز على حرب تقوم على النيران الصاروخية.
إلا أن هذا التوجه لا يأخذ بعين الاعتبار طبيعة شبكة العلاقات في مثلث إيران سوريا حزب الله، التي تتيح لإيران القفز فوق قيود المسافة. وعلى المستوى العملاني، يعني ذلك أن علينا أن نأخذ بعين الاعتبار حضور قوات برية من الحرس الثوري على الحدود الشمالية، وخوضهم القتال ضد الجيش الإسرائيلي، بأسلوب حرب العصابات.
ونوّه كوهين بموقف رئيس أركان الجيش الاسرائيلي، بني غانتس، الذي ألقى بالكرة في ملعب القادة السياسيين، وخصوصاً في ساحة رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو، ووزير الدفاع ايهود باراك.
لكن السؤال الذي يطرح نفسه: هل واجه الاثنان سيناريو «اليوم التالي»، وهل يرونه على نحو مختلف عما تتناوله وسائل الإعلام؟ أي إذا بادرت إسرائيل إلى مهاجمة إيران، وردّت الأخيرة علينا، فإن إسرائيل ستكون في وضع عسكري جديد كلياً، لا يشبه بأي شكل من الأشكال، حروب الماضي التي خاضتها تل أبيب.
وخلص الكاتب الى أن دراسة العدو الجديد، تفرض على إسرائيل أن تلتزم قدراً كبيراً من الحذر، وأن تأخذ بعين الاعتبار السياسة والثقافة الإيرانيتين. فصراع مطوّل مع إيران، قد يستمر عاماً أو أعواماً، ومواجهة وحدات إيرانية عسكرية على الحدود الشمالية وفي عمق البحر، إلى جانب نشاط قتالي من جانب حزب الله، كل ذلك ليس جزءًا من سيناريو متطرف غير مرجّح، بل رد مناسب على الطريقة التي ستطمح بها إيران إلى تحقيق أهدافها في «الأعوام التي تلي» الهجوم الإسرائيلي عليها.