اتهم المبعوث الدولي الى سوريا، كوفي أنان، الحكومة السورية «بالاستخفاف» بقرارات الامم المتحدة، بعد مجزرة التريمسة، التي قتل خلالها أكثر من 150 شخصاً. وأشار أنان، في رسالة بعثها إلى مجلس الأمن، إلى أنّ التقارير الجديدة بشأن مذبحة على يد القوات الحكومية في سوريا تُظهر تجاهل قرارات الأمم المتحدة، مما يجعل من الضروري توجيه رسالة بأن هذا ستكون له عواقب. وأعرب أنان عن «صدمته وروعه» من الأنباء عن «معارك كثيفة»، وعن سقوط عدد كبير من الضحايا في قرية التريمسة.
وقال أنان «من الملحّ جداً أن تتوقف أعمال العنف وهذه الفظاعات، ومن المهم أكثر من أي وقت مضى أن تقوم الحكومات التي لها نفوذ بممارسته على نحو فعّال للتأكد من توقف العنف على الفور». وكرّر أنان القول إن استخدام الحكومة السورية للمدفعية والدبابات وطائرات الهليكوبتر ضد قرية التريمسة ينتهك التزاماتها، بموجب خطة السلام التي وافقت عليها الأمم المتحدة.
من ناحيتها، وصفت الولايات المتحدة الأميركية مجزرة التريمسة في سوريا بأنها «كابوس»، وسط ازدياد الضغوط الغربية في اتجاه قرار دولي أشدّ وطأة على دمشق. وكتبت السفيرة الاميركية في الامم المتحدة، سوزان رايس، على صفحتها عبر «تويتر» أن الوضع الميداني يجسّد «بطريقة مأسوية الحاجة لتدابير ملزمة في سوريا». وأضافت رايس، في «تغريدة» ثانية، أنّ «النظام السوري استخدم المدفعية والدبابات والمروحيات ضد رجاله ونسائه، وقام بتوجيه عصابات الشبيحة حاملين سكاكين على أطفاله».
من جانبه، أكد مساعد المتحدث باسم البيت الابيض، جون ايرنست، أنّ مجزرة التريمسة «تزيل أي شك» في ضرورة رؤية «المجتمع الدولي يتحرك بطريقة منسقة في الامم المتحدة». وأشار ايرنست، للصحافيين الموجودين على الطائرة التي أقلّت الرئيس باراك اوباما الى ولاية فرجينيا، حيث يشارك الرئيس في سلسلة لقاءات انتخابية، الى أن هذه المجزرة تصبّ في اتجاه تعزيز الدعم الدولي لزيادة الضغط على النظام السوري.
وفيما دانت روسيا «بشدة» مجزرة التريمسة، دعت الى تحقيق في هذه «الجريمة الدامية»، محمّلة المسؤولية الى «قوى تسعى الى زرع بذور الحقد الطائفي» في هذا البلد. وقال المتحدث باسم الخارجية الروسية، الكسندر لوكاتشيفيتش، إن روسيا «تشدد» على ضرورة اجراء تحقيق في هذه المجزرة، وتعرب عن «تضامنها الصادق» مع الشعب السوري. وتابع المتحدث «ليس لدينا أدنى شك في أن المجزرة تصبّ في مصلحة قوى لا تسعى الى السلام، لكنها تسعى الى زرع بذور الحقد الطائفي، وحرب أهلية على الارض السورية، وتستخف بمآسي ومعاناة الشعب السوري»، كما جدد المتحدث دعوة موسكو «لكل اطراف النزاع» الى «وقف فوري لاطلاق النار».
وفي سياق آخر، قالت روسيا، أمس، إنها ستدعو مبعوث الأمم المتحدة كوفي أنان للعمل عن كثب مع المعارضة السورية، خلال محادثات تعقد في موسكو الاسبوع المقبل. ونقلت وكالة «انترفاكس» الروسية عن نائب وزير الخارجية الروسي غينادي غاتيلوف قوله، «كي نكون صادقين نحن لا نرى شركاءنا على استعداد للعمل مع المعارضة السورية، حيث يؤدي كوفي أنان دور الوسيط الرئيسي في هذه العملية». وأضاف «للأسف حتى الآن لا نرى أي نتائج عملية لاتصاله وفريقه بالمعارضة».
بدورها، رأت فرنسا أن مقتل 150 شخصاً في التريمسة، يشير الى «هروب الى الامام يقوم به النظام»، داعية مجدداً مجلس الامن الدولي الى «تحمل مسؤولياته». وقال المتحدث باسم وزارة الخارجية برنار فاليرو، خلال مؤتمر صحافي، إن «هذه المأساة تعكس كم يترتب على الحكومة السورية القيام بخطوة أولى في اتجاه وقف اعمال العنف».
وأضاف فاليرو إن «هذه الجريمة الجديدة، إذا تأكدت تظهر مرة أخرى هروب قاتل الى الامام، يقوم به نظام بشار الاسد، ويظهر ضرورة القيام بتحرك قوي في مجلس الامن الدولي». وقال «بالطبع على بشار الاسد الرحيل لكي يمكن بدء انتقال سياسي». ولفت إلى أن «تشديد الحزم ينبغي أن يمرّ من الآن فصاعداً عبر التهديد بعقوبات من مجلس الامن، حان الوقت ليتحمل الكل مسؤولياته، فرنسا تتحمل مسؤولياتها».
إلى ذلك، أنهى خبراء من الدول الأعضاء في مجلس الأمن جلسة مشاورات، صباح أمس، دون التوصل إلى نتيجة بشأن مشروع القرار الغربي الخاص بالأزمة السورية. ويوجّه المشروع الإدانة حصراً إلى الحكومة السورية على العنف، الذي يدور في البلاد. ويدين «أي» عنف يمكن أن يكون قد صدر عن المجموعات المسلحة. ويندرج المشروع، أيضاً، تحت البند 41 من الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة، أي يهدد بفرض عقوبات اقتصادية وأخرى دبلوماسية في حال عدم الامتثال. وبقيت الخلافات كبيرة بين الوفدين الروسي والصيني من جهة، والدول الغربية من جهة أخرى. وتقرّر عقد جلسة مشاورات لاحقة على مستوى مندوبي الدول الخمس الدائمة العضوية، علماً بأن المندوب الروسي فيتالي تشوركين ليس في نيويورك حالياً، لكن شارك نيابة عنه نائبه الكسندر بانكين.
وقالت مصادر خاصة لـ«الأخبار» إن المشاورات لا تزال تظهر فارقاً شاسعاً بين الأطراف، «ويبدو أن الأميركيين والأوروبيين ما عادوا حريصين على التجديد لبعثة المراقبين الدوليين في دمشق رهاناً على حسم الأمور عسكرياً. فهم ينظرون إلى خطة أنان الأخيرة على أنها تُلقي بطوق نجاة لنظام الرئيس بشار الأسد، في وقت بات يعاني فيه صعوبات ميدانية كبيرة، بعد إنشاء منطقة عازلة في الشمال قرب الحدود التركية، منطقة يراهنون على توسعها بحيث تشمل مدينة حلب». وأكدت المصادر، أيضاً، أن «الجنرال روبرت مود بصدد تقديم استقالته شعوراً منه بأن مهمة المراقبين تتعرض للعرقلة من عدة جهات».
(الأخبار، أ ف ب، رويترز، يو بي آي)