الخرطوم | بدت الأمور تسير بصورة طبيعية ظهر أمس في محيط جامعة الخرطوم. طلاب الجامعة يزرعون الشارع جيئةً وذهاباً، وإن أرجعت البصر الى داخل سور الجامعة تجد الشبان والشابات تناثروا على العشب الأخضر الذي يغطي الميدان الشرقي، يديرون حلقات نقاش في ما بينهم، بينما تناثرت على طول شارع الجامعة بقايا الحجارة والطوب التي كانت أول من أمس السلاح الرئيسي لطلاب الجامعة ضد الأمن والشرطة.
وحتى يكتمل المشهد، كان لا بد من أن يظهر في أحد جوانب الصورة أفراد شرطة الاحتياطي المركزي بزيّهم المبرقع ذي اللونين الأزرق الداكن والأسود، ومنسوبي الأمن بلباسهم المدني.
فمنذ اندلاع الاحتجاجات قبل شهر، أصبح أفراد الاحتياطي المركزي ومكافحة الشغب يحتلون الركن الشمالي لمسجد الجامعة، متفيّئين بظلال أشجاره. هدوء محيط الجامعة يوحي للناظر بأن ثمة ألفة بين الحاضرين، لكن ما تضمره النفوس سرعان ما يتكشف عند إعلان ساعة الصفر. فيظهر المُطالب بالحق والمانع له، وتبدأ فصول من المطاردة بين طرف يمتلك معدات القوة وآخر لا قوة له غير حنجرة تصدح بمطالب يعتبرها مشروعة. وحتى تحين تلك اللحظة، لا بأس لأفراد الشرطة والأمن بزيهم المدني بقليل من التسلية، بالاطلاع على الصحف الاجتماعية والرياضية، وأبعد ما يكون عن الصحف السياسية. ولأن الوقت قد يطول لمن ينتظر خارج الحرم الجامعي أثناء إعداد خطة الانطلاق والمواجهة في الداخل، فإن متابعة فتيات الجامعة في غدوهن ورواحهن قد تساعد في قتل الوقت وإبعاد الملل عن منسوبي الأجهزة الأمنية. لكن، على ما يبدو، فإن هذه التسلية ستتوقف، بعد أن وردت أنباء عن عزم السلطات إغلاق جامعة الخرطوم. ووفق ما تواتر على مواقع التواصل الاجتماعي، فإن مدير جامعة الخرطوم الطيب حياتي، تقدم باستقالته للرئيس عمر البشير أمس، بعد أن رفض الامتثال إلى أوامر مدير جهاز الأمن والمخابرات الوطني بإغلاق الجامعة لأجل غير مسمى وإخراج الطلاب من الداخليات، على خلفية التظاهرة الأكبر منذ اندلاع الاحتجاجات التي شهدتها الجامعة أول من أمس.
وبدا واضحاً قبل اندلاع الاحتجاجات أن الحكومة السودانية كانت تخرج من حساباتها إمكان أن تخرج التظاهرات من جامعة الخرطوم، باعتبار أن دورة الاتحاد الحالية تحت سيطرة طلاب حزب المؤتمر الوطني، بعدما فازوا في آخر انتخابات أجريت في الجامعة شكّك في نزاهتها الكثيرون.
لكن بعدما خابت هذه التوقعات، سارع مسؤولو الحزب الحاكم إلى استدعاء طلاب الحزب في الجامعة الأعرق، إلى اجتماع في الأمانة السياسية للمؤتمر الوطني تحدث فيه المسؤولون عن تقصير طلاب الحزب وعدم مقدرتهم على التحكم في الطلاب وكبح انتشار الاحتجاجات الرافضة لسياسات المؤتمر الوطني بين الطلاب، رغم أن واقع النشاط السياسي داخل الجامعة لا يختلف كثيراً عن خارجها، إذ إن مساحة الحرية تضيق كلما زادت روح التفاعل مع القضايا الوطنية لدى الطلاب. ويروي أحد طلاب الجامعة، مكتفياً بالتعريف عن نفسه باسم بدر، لـ«الأخبار» كيف أن جميع مكونات القوى السياسية اتفقت أمس على إدارة حلقات نقاش بنحو متزامن في جميع الكليات، حيث أنشئ في كل كلية ما عرف باسم «ركن الثورة»، بعد أن منعت السلطات الطلاب من التجمع في نقطة مركزية واحدة بالقرب من كلية الآداب. كذلك منعت السلطات الأمنية المختصة في جامعة الخرطوم، منذ اندلاع التظاهرات الأخيرة ضد السياسيات الاقتصادية، التيارات السياسية المختلفة داخل الحرم الجامعي من إدارة أي حلقات نقاش في شارع «المين». وهو الشارع الرئيسي في الجامعة الذي أطلق عليه الطلبة «ركن الثورة»، وكان يتعاقب عليه المتحدثون من أحزاب المعارضة من أحزاب الشيوعي، الأمة والاتحادي.
أما أول من أمس، حين خرجت مواكب الطلاب من قلعة العلم خاصتهم إلى الشارع في مسيرة أكدوا أنها سلمية تهتف بإسقاط النظام وتنادي بالحرية، ما كان من منسوبي النظام إلاّ أن تخلوا عن سباتهم تحت ظلال الأشجار وطفقوا يرمون المحتجين بالغاز المسيل للدموع «البمبان». بدأوا أولاً بالنقطة الأقرب إليهم جغرافياً بوابة «المين». وفي مشهد لا تجده إلا في الأماكن ذات الحراسات المشددة والسجون، وقف العشرات من منسوبي الشرطة والأمن يحيطون بأسوار الجامعة والبوابة الرئيسية بكامل عتادهم يمنعون الطلاب من الخروج إلى شارع الجامعة. وأكدت إحدى الطالبات لـ«الأخبار» أن الطلاب رجعوا إلى داخل الجامعة، واحتموا فيها، فيما ظل أفراد الشرطة يطوّقون جميع أسوار الجامعة والبوابات الرئيسية، مانعين أي شخص من الخروج. وحسب مصادر طلابية، فإن حكومة ولاية الخرطوم خاطبت إدارة الجامعة لتحديد ممرات آمنة تسمح بخروج الطلاب، غير أنه وفق المصدر فإن الطلاب رفضوا ذلك وظلوا متحصنين داخل أسوار الجامعة، ما اضطر قيادة الشرطة، مع قرب مغيب الشمس، إلى سحب قواتها والسماح للطلاب بالخروج إلى منازلهم. لكن أحداث أول من أمس لم تنته هنا. فبالتزامن مع انسحاب الشرطة، انتشر منسوبو الحزب من فئة الطلاب وفي معيتهم أفراد جهاز الأمن أو ما يعرف بـ«الرباطة»، حيث تم إطلاق رصاص حي فضلاً عن حملهم لعصي غليظة وحجارة أسمنتية كبيرة، لتدور مشاجرات مباشرة بين الطلاب المنتمين إلى القوى السياسية وطلاب المؤتمر الوطني، تعرضت خلالها أعداد كبيرة من الطلاب لإصابات متفاوتة. وأكد أحد المصابين لـ«الأخبار» أنه تعرض لضرب من قبل أحد أفراد المؤتمر الوطني في ساقه، وأن زملاءه أسعفوه إلى المستشفى، حيث لا يزال يرقد على سرير المرض هناك، في حين يصرّ الطلاب على أن العنف لن يردعهم عن استكمال احتجاجاتهم. وفي حال إقفال الجامعة، يؤكدون أن الشوارع في الخرطوم كثيرة ولن يغلبوا في الخروج إليها.



المهدي يحذّر من نموذج دموي


حذر زعيم حزب الأمة السوداني، الصادق المهدي (الصورة)، من أن انتفاضة على نمط الربيع العربي في السودان ستتبع في الغالب النموذج الدموي في سوريا أو ليبيا، لأن القوات المسلحة والقضاء غير مستقلين، ويمكن استخدامهما ضد الشعب السوداني. وقال المهدي، الذي أطيح من رئاسة الوزراء في انقلاب غير دموي عام 1989، «الانتفاضة الممكنة تقود إلى سيناريو سوريا أو سيناريو ليبيا أو سيناريو اليمن». وبعد الاتهامات التي وجهت للمعارضة، ومن بينها حزبه، بأنها شديدة اللين مع المؤسسة الحاكمة وعازفة عن الضغط بشدة من أجل التغيير، أكد المهدي أن هدف حزبه هو خلق تغيير سياسي من خلال المفاوضات يضم لاعبين مختلفين، بينهم الحزب الحاكم، وليس من خلال اضطرابات دامية. وأضاف «نحن ملتزمون بالتغيير. الأمر فقط هو أننا نعتقد أن من الممكن أن تصنع الضغوط التغيير بدماء أقل». وخلص المهدي إلى القول «الوضع الاقتصادي سيستمر في إذكاء الاعتصامات والإضرابات والتظاهرات». وأضاف «متى يحدث غليان؟ لا يمكنني التنبّؤ تحديداً. لكنه هناك. لن يتبدّد ما دامت العوامل المسبّبة له موجودة».
(رويترز)