بنغازي | على عكس التوقعات السابقة، وخلافاً للنموذجين التونسي والمصري، صوّت الليبيون في انتخابات أعضاء المؤتمر الوطني الليبي لتيار آخر غير إسلامي، وُصف بأنه علماني ليبرالي. غير أن رئيس قوى التحالف الوطني التي تمثل هذا التيار، رئيس الوزراء السابق محمود جبريل، أكد في أكثر من مناسبة أن حزبه يجمع كل الليبيين. وقبل ساعات من إعلان النتائج الرسمية التي ستؤكّد خروج ليبيا عن قافلة دول الربيع العربي، تتعدد الأسباب التي أدت إلى مثل هذه النتيجة التي تعد «مفاجئة». البعض يرى أن سبب هزيمة التيار الإسلامي هو تعلم الليبيين الدرس من الجارتين تونس ومصر، بينما يرى البعض أن طبيعة المجتمع الليبي المسلم السنّي المالكي ليست بحاجة إلى تولّي تيار إسلامي زمام الأمور في البلاد، وأن الصراع كان محسوماً أصلاً لمصلحة الليبراليين، لكن الحقيقة الوحيدة التي يستطيع المتابع للشأن الليبي وضع يده عليها، هي أن تحالف جبريل اكتسح في أكثر من عشر دوائر انتخابية من أصل 13 دائرة، بفارق لا يسمح حتى بالمنافسة، ولم يكن للتيار الإسلامي في الإمكان أفضل مما كان.
والمثير للجدل في هذه النتيجة هو ضرب السواد الأعظم من المقترعين عرض الحائط بالفتوى الصادرة عن مفتي الديار الليبية التي حرّمت التصويت لحزب «علماني كافر». في الدائرة الانتخابية الأولى (طبرق _ القبة _ درنة) التي تعدّ مركز الإسلاميين ومعقلهم، حجز تحالف القوى الوطنية 4 مقاعد من أصل 5، ولا يزال الصراع يحتدم بين الجميع على المقعد المتبقي. وفي جنزور مثلاً، حصل تحالف القوى الوطنية، وفق النتائج الأولية، على 29 ألف صوت، يليه ثانياً حزب «العدالة والبناء» بألفي صوت فقط.
ويرى مطّلعون على الشأن الليبي أنه لا يجوز تسمية «تحالف القوى الوطنية» ليبرالياً. فالمرشح محمد علي عبد الله يقول لـ«الأخبار» إن الشعب الليبي متخوف من تسييس الإسلام واختطافه في إطار فكر سياسي محدد، والشعب الليبي صوّت ضد الإخوان، وليس لمصلحة محمود جبريل أو الليبرالية. ويوضح أنه لا يوجد شيء اسمه فكر ليبرالي داخل تحالف القوى الوطنية، وأنه تحالف مبني على مؤسسات مجتمع مدني ومجموعة من الأحزاب الصغيرة التي تتناقض في آيديولوجيتها، ولكنه تحالف مصالح مرحلية ووقتية، وليس تحالفاً فكرياً، ويرى أن جبريل نجح في استقطاب عدد كبير من مؤسسات المجتمع المدني والنوادي والجمعيات التي لا علاقة لها بالسياسية، ولكنها استطاعت أن تحشد زخماً كبيراً، وأن جبريل نجح في تسويق نفسه على أنه سيقود المؤتمر الوطني، رغم أنه لا يحق له الترشح ولا يحق له أن يشارك في هذه المرحلة.
ويرى مرشح مدينة الزاوية، أسامة كعبار، لـ«الأخبار» أن طريقة التصويت وتفاعل الناس معها طغت عليهما ثقافة القبيلة والجهوية رغم فرحتنا العارمة بالانتخابات، لكن كان أيضاً هناك الكثير من الذين حضروا للتصويت وليس لديهم فكرة لمن سيصوّتون. هذا دليل قاطع على أن الانتخابات أتت مبكرة في ليبيا، وكان يجب تأجيلها لفترة لا تقل عن 6 أشهر مصحوبة بحملة إعلامية توعوية كبيرة في الإذاعات المرئية والمسموعة.
أما الدبلوماسي الليبي محمد العجيلي فيرى أن نجاح العملية الانتخابية يعدّ استثناءً بكل المقاييس في تاريخ العمليات الانتخابية، وستكون ظاهرة تستحق الوقوف عندها، وستدرّس في كليات العلوم السياسية والقانون والاجتماع، إذ إن هذا النجاح تحقق في ظل انتشار السلاح وغياب الأمن وضعف مؤسسات الدولة الرسمية، لذا ستبقى التجربة الليبية حالة استثنائية تستلزم دراستها والتعرف إلى آثارها وتأثيرها محلياً وإقليمياً وعالمياً.
ويمكن إجمال أسباب أخرى لهذه النتائج، أهمها، رغبة المواطن الليبي في سرعة الوصول إلى مأسسة الدولة وإنهاء حالة الشرعية الثورية باستبدالها بالشرعية الانتخابية. كذلك ركز تحالف القوى الوطنية على برامج انتخابية علمية عملية تخصّ مهام المؤتمر الوطني العام وإيصالها الى المواطن الليبي من خلال المحاضرات واللقاءات التي قام بها رئيسه في معظم مناطق ليبيا ومدنها والبرامج التلفزيونية، في حين ركزت غالبية الأحزاب الأخرى _ خاصة ذات الصبغة الإسلامية _ بشكل كبير على تخويف المواطنين من التحالف، وأنه «علماني ليبرالي»، من دون أن تقوم بالاتصال والتواصل مع المواطن.
ومن إنجازات هذه الانتخابات، زيادة الوعي السياسي لدى المواطن الليبي، واكتسابه الخبرة السياسية بفعل الحرية التي اكتسبها، الأمر الذي أدى إلى تفهمه واستيعابه لأبعاد العملية الانتخابية وقواعدها ودعاياتها وألاعيبها.
ووسط كل هذه التوقعات والنتائج الأولية، لا يزال التيار الإسلامي في ليبيا يمنّي النفس بنجاحه في نتائج الفرز الفردي بـ120 مقعداً من أصل 200، ولكنّ الليبراليين يرون في النتائج الأولية حسماً لفشل الإسلاميين في الحصول على 80 مقعداً كانت ضمن مقتنيات الإسلاميين سلفاً.