تونس | تعقد حركة النهضة مؤتمرها التاسع، في العاصمة التونسية الخميس 12 تموز ويستمر إلى الاحد 15 تموز، وهو الأول الذي تعقده الحركة في العلن بعد حصولها على ترخيص العمل القانوني. كذلك سيكون المؤتمر الأوّل أيضاً بعد وصول الحركة إلى السّلطة، ما سيكون له انعكاس واضح على مسيرتها السياسية وموقعها في المشهد السياسي التونسي والعربي عموماً إذ تمثّل تجربة النهضة في الحكم اختباراً للإسلام السياسي. وسيكشف المؤتمر، الذي يشارك فيه أكثر من 260 عضواً منتمين للحركة، عن حقيقة الاختلافات داخلها، والتي يؤكد مطّلعون على كواليس الحركات الإسلامية أن هناك ثلاثة تيارات أساسية تشقّها وسيكون المؤتمر محددّاً في حسم التوجّه العام للحركة. فهناك من يرى أن هناك تياراً بقيادة الزعيم الروحي للحركة الشيخ راشد الغنوشي وحمادي الجبالي رئيس الحكومة، وآخر بقيادة وزير الداخلية علي العريض ويقف معه في نفس الصف قيادات الجيل الثاني وهم من رموز الحركة الطلابية في الثمانينيات مثل العجمي الوريمي ووزير الصحة عبداللطيف المكي ووزير النقل عبد الكريم الهاروني. أما التيار الثالث فهو بقيادة الحبيب اللوز والصادق شورو. والخلاف الأساسي داخل النهضة هو في الموقف من السلفيين. ففيما يرى شورو واللوز ضرورة التحالف معهم باعتبارهم جزءاً من الحركة الإسلامية، يرى شق العريض أن منطق الدولة المدنية يقتضي الحسم علناً معهم بل حتى إلى مواجهتم لتأكيد على مدنية الحركة والتزامها بالنظام الجمهوري وقيم الحداثة والتنوير، دون أن تتخلّى الحركة عن مرجعيتها الإسلامية لتكون أقرب بذلك إلى النموذج التركي. ويقف راشد الغنوشي والأمين العام للحركة حمادي الجبالي في موقف وسط.
المؤتمر سيكشف عن ثقل كل تيار وعن التوجّه العام المستقبلي لحركة النهضة التي تمثّل أول تجربة في الحكم بالنسبة إلى حركات الإسلام السياسي. كذلك يؤكّد مطّلعون أن هناك صراعاً آخر يشقّ الحركة هو ما يعرف بـ«الشرعية السجنية»، فهناك عدد من قياديي الحركة، وخصوصاً الذين عانوا السجون لكنّهم لم يحصلوا على شيء قياساً بالذين عاشوا في المنفى الأوروبي، كما أن مسألة التعيينات، سواء في الحكومة أو في باقي أجهزة الدولة، لا تزال تثير الجدل داخل الحركة وقد تكون أحد مواضيع الجدل والاختلاف.
وسيشهد المؤتمر حدثاً بارزاً هو عودة ثلاثة قياديين من مؤسسيها تم إبعادهم في السنوات الأخيرة، وهم الشيخ صالح كركر مسؤول الجناح العسكري الذي حكم عليه بالإعدام في عهدي بورقيبة وبن علي ونجح في الفرار إلى فرنسا التي وضعته تحت الإقامة الجبرية وعاد قبل أسابيع على كرسي متحرّك.
ويبدو أن كركر المعروف بتشدّده لم يعد له رصيد كبير داخل قواعد الحركة، على عكس الشيخ عبدالفتاح مورو الذي ترشّح ضدّ النهضة في قائمة «طريق السلامة» المستقلة لكنه لم يفز بأي مقعد، كما وعد بوزارة ثم سحبت منه وقد أعلن أكثر من مرّة استياءه من إبعاده من الحركة بعد 14 كانون الثاني.
ويبدو أن إعادة مورو إلى الحركة التي أبعد منها، بعدما استقال في سنة 1991 من رئاستها احتجاجاً على عملية باب سويقة التي نفّذتها الحركة وذهب ضحيتها حارس مقر الحزب الحاكم سابقاً، تأتي في إطار قطع الطريق أمامه حتى لا يؤسس حزباً آخر كان قد أعلن عنه بما يشكّل منافسة كبيرة للنهضة، خاصة أنه شخصية مقبولة شعبيا ومعروف باعتداله ودفاعه عن «الإسلام التونسي» المستنير. كذلك فإن انحداره من تونس العاصمة ورمزيته في تاريخ الحركة كمؤسس ورئيس سابق لها يجعل من عودته نقطة قوّة للحركة التي تسعى إلى حسم كل الخلافات الداخلية في تكتّم وصمت. أما الشخصية الثالثة التي ستعود للحركة، حسب ما صرّح به الشيخ راشد الغنوشي، فهو بن عيسى الدمني، وهو من المؤسسين، وكان قد استقال من الحركة بعد حادثة باب سويقة الشهيرة.
ويحظى المؤتمر ونتائجه باهتمام التونسيين والأجانب، فالمؤتمر يتخطى كونه مؤتمراً خاصاً بالحركة بل يتعداه ليكون محور اهتمام تونس والمنطقة، ولعل في حضور سفراء عرب وأجانب وحضور أحزاب أوروبية وأميركية وممثلين للبرلمان الأوروبي الشريك الأول لتونس تأكيداً لأهميته.
ويأتي المؤتمر في سياق تاريخ طويل للحركة بدأته منذ أواخر ستينيات القرن الماضي كجماعة إسلامية تدعو إلى «أسلمة المجتمع»، وكان المؤتمر الاول للحركة سنة 1979 سرياًبعد أن أصبح لها حضور قوي في الجامعة في السبعينيات. وأعلن رسمياً عن ولادة الاتجاه الاسلامي سنة 1981 قبل دخول قيادات الحركة الى السّجن ثم المواجهة الكبرى مع نظام بورقيبة سنة 1986 التي صعد على أثرها الجنرال بن علي إلى الحكم لتعيش الحركة «ربيعا» من الحرية لم يدم طويلا، إذ سرعان ما اشتدت المواجهة بين الحركة التي غيّرت اسمها الى «النهضة» في 1988 طمعا في الحصول على التأشيرة مع السّلطة.
وكانت المواجهة دامية هذه المرّة إذ تشتّتت الحركة بين السجون والمنافي بعد اكتشاف مخطّط لقلب نظام الحكم قالت عنه الحركة إنّه «مفبرك» لتوريطها واجتثاثها، وبعد ضغوط دولية تمّ الإفراج عن عدد من قيادييها أواخر الألفين بعد أن أستكملوا أحكامهم تقريباً.
وتؤكّد بعض المصادر المطّلعة أن الحركة سعت إلى «مصالحة» مع نظام بن علي عبر بعض الوسطاء وخاصة محمد الهاشمي الحامدي القيادي البارز والمنشق عن الحركة، إلا أنها لم تثمر شيئاً.
تاريخ طويل مع المعاناة انتهى مع اطاحة الرئيس زين العابدين بن علي في 14 كانون الثاني 2011 لتجد الحركة نفسها بعد 10 اشهر تقريباً في موقع القابض على السلطة هذه المرة.
المؤتمر التاسع إذن لن يكون مجرّد رقم في تاريخ أقوى الأحزاب التونسية، بل سيكون مدخلاً لفهم آفاق هذه الحركة التي تؤكّد دائماً أنّها حركة مدنية في حين كثيرا ما نلاحظ في الشارع تداخلا في السلوك بين قواعدها والمجموعات السلفيين. فهل ينجح دعاة الاعتدال والوسطية والدولة المدنية في إعلان القطيعة بوضوح في وثيقة رسمية مع منطق «أسلمة المجتمع» الذي يخاف منه التونسيون الراسخون في الإسلام والذين لا يقبلون دروساً من أحد في فقهه أم تنتشي النهضة بسحر السّلطة فتنسى أولويات المراجعة والتقييم؟