الجزائر | انتهى الاجتماع بين وزراء خارجية الدول الخمس (الجزائر والمغرب وتونس وليبيا وموريتانيا) بالاتفاق على نفخ الروح في اتحاد المغرب العربي، استعداداً للقمة التي تعقد في شهر تشرين الأول المقبل بتونس. وحمل اجتماع الجزائر سلسلة من اللقاءات عالية المستوى تحتضنها العواصم الخمس خلال هذا الصيف، أهمها اجتماع وزراء الداخلية الذي يخصص لتفصيل خطة اجتماع الجزائر لمواجهة خطر الإرهاب وتمويله، والجريمة المنظمة، وتبييض الأموال، وتهريب المخدرات، والاتجار بالاسلحة والبشر، والهجرة غير الشرعية وغيرها من المخاطر التي تهدد المنطقة. وجرى الحديث بين الوزراء حول الموقف المشترك من الأزمة في مالي، ومن انتشار السلاح بنحو غير مسبوق في المنطقة، بعد تدفق كميات كبيرة من العتاد الحربي من ليبيا خلال الحرب التي دارت رحاها في العام 2011. واتفق المجتمعون على موقف رافض للتدخل الخارجي المحتمل في مالي. وأعربوا عن التزامهم برفع مستوى التنسيق بين الدول المغاربية الخمس ودولتي النيجر ومالي، بحثاً عن تسوية سياسية تحافظ على وحدة هذا البلد وانهاء استيلاء الجماعات الاسلامية المتشددة على شماله، وتقلص حجم الخطر الآتي من الجنوب. وتسربت معلومات تفيد بأن الوزراء تمكنوا من تجاوز بعض الأمور التي كانت تشكل عائقاً أمام نجاح اجتماعهم، ومنها على الخصوص مطالبة ليبيا العلنية على لسان وزير خارجيتها عاشور بن خيال (الصورة)، للجزائر وموريتانيا بتسليمهما المطلوبين من السلطات الجديدة وهم أربعة من عائلة معمر القذافي يقيمون بالجزائر بالاضافة إلى عبد الله السنوسي مدير جهاز الاستخبارات المعتقل في موريتانيا، وذلك بعد أن تواصل الاجتماع بشكل عادي، باعتبار الموضوع ثنائياً بين ليبيا وكل من موريتانيا والجزائر.
وبخصوص الأزمة الأمنية في المنطقة، ولا سيما استيلاء الاسلاميين المتشددين على شمال مالي، طرح الاجتماع العمل على ثلاث مستويات لمواجهة هذا التطور. المستوى الأول الأكثر الحاحاً يتمثل بالعمل الثنائي، بين ليبيا والجزائر على حدودهما المشتركة مع النيجر ومالي. وهنا ستعمل فرق حدودية عالية التجهيز على مواجهة تسرب الافراد التابعين للجماعات الإرهابية وتهريب السلاح. وهو العمل الذي سيجمع أيضاً بين الجزائر وتونس وليبيا على مثلث الحدود بينها، اذ عرفت الأشهر الأخيرة نشاطاً، لافتاً إلى تهريب السلاح إلى داخل تونس بالخصوص. أما البعد الثاني للعمل الأمني بين الدول الأعضاء، فهو الجامع بين الدول الخمس. وهنا برز اتجاه إلى توسيع «قيادة الأركان المشتركة لدول الميدان»، التي تضم الجزائر وموريتانيا ومالي والنيجر لتضم دول المغرب العربي الأخرى. وهذا كان مطلباً مغربياً ــ ليبياً في السابق، لكن الجزائر وقفت في وجهه كون خطر تنظيم القاعدة في بلاد المغرب الاسلامي يتمركز في شمال مالي. وهذه الدول هي المعنية بالدرجة الاولى. أما المستوى الثالث من العمل الجماعي لمواجهة الارهاب وأسباب انتشاره، فيتمثل في البعد الاقليمي والدولي من خلال التنسيق مع قوى يمكنها أن تقدم دعماً لهذه الجهود وفي مقدمتها الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا. وهي دول لم تخف استعدادها لمساعدة «دول الميدان»، ووصلت الولايات المتحدة وبريطانيا إلى اطلاق يد الجزائر لمطاردة الجماعات الارهابية خارج حدودها وضربها في أي مكان. وسبق لمالي أن طلبت مساعدة الطيران الجزائري لتغطية عمل قواته البرية في شمال مالي لمنع الاسلاميين من التمركز. لكن الجزائر ترددت لحسابات تخشاها مع الدول الكبرى، وكذلك لكون تلك المنطقة متنازعاً عليها بين الحكومة المركزية في باماكو ومنظمات شعب الطوارق الازواد. واعتبر المتابعون للشأن المغاربي اجتماع الجزائر انطلاقة جديدة لاتحاد المغرب العربي في ظروف جديدة، يميزها تغير الانظمة جذرياً في تونس وليبيا واعلان اصلاحات في كل من المغرب والجزائر وموريتانيا، وهو مناخ لم يسبق أن توفر في المنطقة. وستعقد في القريب اجتماعات لتكريس التقارب، بينها اجتماع هام له أيضاً علاقة بمحاربة الارهاب، وهو اجتماع وزراء الشباب الذي سيخصص لإيجاد آليات حماية الشباب من الفكر المتطرف.