صنعاء | يدخل سعادة السفير الأميركي جيرالد فايرستاين إلى مقر سكن السفير الإيطالي في صنعاء للمشاركة في حفل اليوم الوطني الإيطالي. يدخل متجهماً وغير منتبه إلى أحد من الحضور. يأخذ لنفسه زاوية نائية من حديقة البيت وفي يده كأس نبيذ أحمر. لحظات ويهرع إليه كبار مسؤولي الدولة اليمنية. كل واحد منهم يعرض مشكلة ما تواجهه في إدارة المنصب الذي يتولاه.
هي صورة مصغرة لما آلت إليه حال اليمن في ظل حكم وصاية صار مفروضاً عليه بعد التوصل إلى حل توافقي أدّى إلى رحيل الرئيس السابق علي عبد الله صالح عن الحكم، بحسب بنود آلية المبادرة الخليجية التي وضعت نقطة على السطر الأخير لثورة الشباب اليمنية.
في جهة أخرى، يظهر السفير ذاته على شاشة التلفزيون اليمني الرسمي في حوار معه. يقول بلهجة حادّة: «لن نسمح بخروج الصحافي عبد الإله شائع من السجن، إنه يمثّل خطراً على الأمن القومي الأميركي، وله ارتباطات واسعة مع تنظيم القاعدة»، ليضرب للمرة الثانية عرض الحائط بالعفو الرئاسي الذي كان قد صدر من قبل الرئيس السابق علي عبد الله صالح، قبل اندلاع ثورة الشباب، لمصلحة حيدر شائع المحكوم عليه بالسجن لفترة خمس سنوات. فاتصال هاتفي عاجل أجراه الرئيس باراك أوباما مع صالح، كان كفيلاً العام الماضي بتعطيل قرار العفو وعدم خروج شائع من سجنه.
تمادي السفير الأميركي ومن خلفه سفارة بلاده لا يتوقف عند هذا الحد. فعندما حصلت مسيرة احتجاجية لصحافيين يمنيين باتجاه سفارة واشنطن في صنعاء للتنديد بما قاله السفير فايرستاين بخصوص حالة زميلهم شائع، هناك شاهد الصحافيون عربات نقل مساجين تدخل من بوابة السفارة. يتبيّن لاحقاً أنها عربات لنقل مساجين يمنيين من السجن المركزي القريب من مبنى السفارة للتحقيق معهم في قضايا متعلقة بالإرهاب. ويحصل هذا داخل مبنى السفارة وبإشراف كوادر أميركية من إلـ«إف بي آي» متخصصة في قضايا الإرهاب.
مزيد من التدخل يتجلى بنشر مواقع وصحف محلية معارضة صور رسائل صادرة من السفير الأميركي تخاطب وزير الداخلية اليمني عبد القادر قحطان، وتأمره بتنفيذ بعض «التنقلات الضرورية لبعض الكوادر الأمنية من شأنها العمل على إحلال السلم الداخلي في البلاد»، بما لا يدع مجالاً للشك في أن فايرستاين قد صار يمارس دور السلطة اليمنية ويعمل على دفع الأمور إلى تقدمها، لكن بالطريقة التي يراها مناسبة، ولا تتعارض بالطبع مع التوجهات الأميركية الكبرى في اليمن.
فلم يتردد السفير الأميركي، قبل أسبوع، في القيام بزيارة لمحافظة أبين برفقة رئيس مؤسسة التنمية الأميركية لتفقّد أحوال المدينة، بعد نجاح القوات المسلحة اليمنية في طرد قوى أنصار الشريعة التابعة لتنظيم القاعدة التي سيطرت على المنطقة حوالى سنة كاملة طبّقت فيها قواعد الشريعة الإسلامية وأقامت الحدود. وهي زيارة غير دبلوماسية جرى الاحتجاج عليها بأصوات خافتة من قبل بعض القوى السياسية لم ترقَ إلى حدّ التنديد.
فلا أحد يعترض. لقد صار الجميع يتعامل مع تدخلات فايرستاين كأمر واقع، وأن اليمن صار تحت الوصاية بصورة لا تقبل النقاش أو الجدال فيها. يقول الباحث قادري أحمد حيدر، في حديث مع «الأخبار»، إن اليمن قد صار بالفعل تحت الوصاية الأميركية، جراء تنفيذ الآلية الخاصة بالمبادرة الخليجية التي أدت إلى وصول اليمن إلى هذه الحال. ويضيف قادري «هي صورة مؤسفة وحزينة هذه التي نراها اليوم، ولم نكن نتوقع أن تنتهي الحال بثورة الشباب اليمني النقية إلى هذه الحال».
أما السفير الأميركي فلا يتوقف أبداً عن إعلان هذا الأمر، في مخالفة صريحة لأبسط قواعد الدبلوماسية التي تحكم علاقة البلدان في ما بينها. فيواصل ظهوره المستمر على وسائل الإعلام متحدثاً وشارحاً وموضحاً أبجديات الحياة اليومية في اليمن، كأنه رئيس جمهورية غير معلن.
يقول في حديث إعلامي أخير: «نحن الآن في المرحلة الثانية من المبادرة الخليجية... لقد اجتمعت بالرئيس يوم أمس... إننا نعتقد بأن يشارك الجميع في الحوار الوطني... لقد أصدر الرئيس أوباما أمراً إدارياً يتيح لنا معاقبة الأفراد أو الجماعات التي تعوق تنفيذ الاتفاقية (المبادرة الخليجية)... نعمل على إنجاز هيكلة الجيش والأمن... نحن راضون عمّا تمّ إنجازه، ونحن على الطريق الصحيح».
وفي السياق، يقول رئيس جريدة «الأولى» المستقلة، محمد عايش، إن الرئيس السفير الأميركي في صنعاء عندما يتحدث عن الشأن اليمني بضمير المتكلمين، يبدو ليس كـ«حاكم» فحسب، بل كزعيم قذفت به ثورة تأسيسية إلى موقع القيادة الأول في البلاد. ويوضح عايش «أن الطبقة السياسية والعسكرية سلّمت الشأن اليمني كاملاً للقوى الدولية، منصرفة بعد ذلك إلى مواصلة صراعها في ما بينها». ويلفت إلى أنه «بدون السفير الأميركي لم يكن اليمنيون قادرين على الوصول إلى اتفاق لإخلاء المدن الرئيسية من المتاريس والوجودات المسلحة».
من جهته، يرى الصحافي والمحلل السياسي منصور هائل أن هشاشة الوضع الداخلي والقوى السياسية هي من ساعد على أن يصبح السفير الأميركي هو رئيس غرفة العمليات السياسية والأمنية، ووضعت بين يديه معظم ملفات الحالة اليمنية المتشظية. وأكد رئيس تحرير جريدة «التجمع» في حديث مع «الأخبار» أن اليمنيين «قد صاروا محكومين بحالات انقسام رأسية وأفقية؛ انقسام في حكومة الوفاق وانقسام بين منظمات المجتمع المدني والأحزاب السياسية، كل هذا جعل من هذا السفير يمسك بكل خيوط اللعبة السياسية في اليمن».



قانون العدالة الانتقالية ينهض مجدداً


أعلن وزير الشؤون القانونيّة اليمني محمد المخلافي، المحسوب على حصة الحزب الاشتراكي اليمني في حكومة الوفاق الوطني، أنه يتوقع موافقة قريبة من الرئيس عبد ربه منصور هادي (الصورة) ورئيس حكومة الوفاق الوطني محمد سالم باسندوة على قانون العدالة الانتقالية والمصالحة الوطنية. وقال في تصريحات صحافية إن القانون هو مفتاح للحوار، لأنه جزء مكمل للمصالحة وجبر الضحايا، لكن «وزراء المؤتمر رفضوا الموافقة على المشروع حماية لمجرمين».
وهو الكلام ذاته الذي قاله مبعوث الأمين العام للأمم المتحدة جمال بن عمر، بعد لقائه بالوزير المخلافي، بعدما أعلن أن «القانون يشكل دافعاً إيجابياً للحوار الوطني، وطالب بسرعة إقراره». وكان عدد من أعضاء حزب المؤتمر الشعبي العام التابع للرئيس السابق علي عبد الله صالح الممثلين في حكومة الوفاق الوطني قد عرقلوا إقرار القانون في جلسة الحكومة يوم السابع عشر من الشهر الماضي. وهو الأمر الذي أكده جمال بن عمر في تقريره الأخير أمام مجلس الأمن الدولي، قبل أن يعود الأسبوع الماضي ليحمّل من وصفهم بمسؤولين في الحكومة مسؤولية عرقلة إقرار القانون، معرباً عن أسفه لتأخر إصداره.