أديس ابابا | لم تخف على الحاضرين الغبطة التي بدت واضحة على ملامح المتحدث باسم الوفد السوداني لمفاوضات القضايا العالقة بين الخرطوم وجوبا، عمر دهب، وهو يخرج من قاعة المفاوضات الرئيسة التي ظلت مغلقة لأكثر من أربع ساعات، معلناً أن الوفدين قد أفلحا في إحداث اختراق في الملفات المودعة على التفاوض. وأوضح دهب أنه «تم الاتفاق على انشاء اللجنة الخاصة المسؤولة عن التحقق من ادعاء أي من الطرفين، عن حدوث خروقات أمنية، وانتهاكات خارج المنطقة العازلة التي تمتد عشرة كيلومترات من كل جانب». وأوضح أن المنطقة التي تعمل فيها اللجنة الخاصة، ستمتد لأربعين كيلومتراً في جنوب السودان وأربعين كيلومتراً في شمال السودان. لكن حديث الجانب السوداني عن تلك الخطوة التي ظلت متأخرة، ضمن القضايا العالقة من مرحلة بعد انفصال جنوب السودان، لم يأخذ ذات الطابع لدى وفد جنوب السودان، الذي وصف خطوة الاتفاق حول لجنة التحقق بأنها إجراء لا يرتقي إلى مستوى الحديث عنه وكأنه اختراق كبير. وقال وزير رئاسة مجلس الوزراء في جنوب السودان، دينق ألور، للصحافيين «لطالما كانت القضية الأساسية غير متفق حولها، وبالتالي كل الأشياء ربما لا تخدم الغرض الأساسي، فالمهمة الكبرى أمامنا هي الاتفاق حول الخلافات الحدودية، وهو ما سنعمل على تجاوزه حالياً».
وبالتوازي، اتفقت الخرطوم وجوبا على تعريف مفهوم وقف العدائيات، وفقاً لما نص عليه قرار مجلس الأمن الدولى 2046، والخاص بإعادة الاستقرار بين البلدين، تمهيداً للمساعدة في وضع التفسيرات اللازمة للنقاط التي وردت في الأوراق المقدمة من الأطراف المتفاوضة. ورغم أن الاتفاقيتين لا ترتقيان إلى مستوى القضية الأساسية، وهي الخلاف حول النقاط الحدود ونقطة الصفر لقياس نطاق عمل اللجان، إلا أنه ينتظر أن ترفع الاتفاقيتان لرئيس فريق الوساطة الأفريقية رفيعة المستوى، ثابو مبيكي للتوقيع عليها.
وبغض النظر عن حجم الاتفاق واختلاف تقييم الطرفين لوزنه، يرى محللون أن ما جرى خطوات تمضي باتجاه تمهيد الطريق لتجاوز العقبة الأساسية في الملف الأمني برمته. وأوضح رئيس القسم السياسي في صحيفة «السوداني»، أحمد دقش، لـ«الأخبار» من مقر المفاوضات، «أن هذه الخطوات ستخدم كثيراً في تجسير الهوة بين طرفي التفاوض، رغم أنها لن تكون ذات جدوى ما لم يتوصل الطرفان إلى حل عاجل وجذري لأساس المشكلة وهي الحدود».
ورغم أن المفاوضات التي استؤنفت في الحادي والعشرين من الشهر الجاري، تعتبر في حد ذاتها تقدماً في مواقف البلدين اللذين غادرا قاعات التفاوض قبل أقل من أسبوعين، إلا أن الأوضاع السياسية والاقتصادية في الخرطوم وجوبا ربما كانت هي الدافع الأكبر لعودة الأطراف للتفاوض، أكثر من العقوبات التي لوح بها قرار مجلس الأمن الدولي في قراره 2046. والقرار الذي صدر في الثاني من أيار الماضي، وأمهل السودان وجنوب السودان حتى الثاني من آب المقبل، وإلا فإن المجلس سيتخذ منحى آخر في التعامل مع الجارتين المختلفتين، يشمل الفصل السابع الذي يتيح للأمم المتحدة استخدام القوة العسكرية متى ما رأت في ذلك حاجة لحماية المدنيين.
ومن المقرر أن تستمر الجولة الحالية من المفاوضات خمسة عشر يوماً، منذ تاريخ استئنافها في الحادي والعشرين من الشهر الجاري. ويحق لفريق الوساطة تمديد الفترة أو إلغاءها في لحظة، وهو ما يحدث عادة طوال جولات التفاوض بين الخرطوم وجوبا، التى لا تخلو من حالات الانهيار المتكررة وآخرها في السابع من هذا الشهر عندما توقفت الأطراف عند الخلاف على الحدود.