بعد عام ونصف عام، قضت محكمة جنايات الإسكندرية برئاسة القاضي محمد مصطفى تيرانه، أمس، بالحكم المؤبد غيابياً على أربعة من ضباط جهاز مباحث أمن الدولة «المنحل»، هم: حسام الشناوي وأسامة الكنيسي وأحمد مصطفى كامل ومحمود عبد العليم، لهروبهم، وبالحكم حضورياً بالسجن المشدد 15 عاماً على محمد عبد الرحمن الشيمي الضابط بالجهاز أيضاً. وجاءت هذه الأحكام بعد توجيه تهمة القتل العمد والتعذيب بحق المعتقل سيد بلال، على خلفية اعتقاله واستجوابه في قضية التفجير الذي وقع أمام كنسية القديسين في الدقائق الأولى من عام 2011.
وهلل ذوو سيد بلال من الحاضرين فرحاً بالحكم، مرددين «الله أكبر ولله الحمد». وطالب شقيقه، إبراهيم بلال، في حديث مع «الأخبار» من جوار قبر شقيقه، الداخلية بالقبض على المتهمين الهاربين لأن صدور حكم دون تنفيذه يعني «كأن شيئاً لم يكن». وشدد على أن هذا الحكم أثبت «عدم ضلوع أخي في أعمال عنف أو إرهاب». بدورهم، رحّب محامو بلال بالحكم، واصفين إياه «بالجيد والمُرضي».
وعلى الرغم من تميز قضية بلال، الشاب السلفي، عن العديد من القضايا الأخرى ذات الطابع الحقوقي، مثل حضور رئيس جهاز مباحث أمن الدولة عماد عبد الغفار للإدلاء بشهادته شخصياً أثناء جلسات المحاكمة، والسماح للنيابة بمعاينة أحد مقارّ أمن الدولة، والحكم على ضباط من الجهاز لأول مرة في تاريخ القضاء الحديث، إلا أن هذا كله لم يشفع لبلال أو لقضيته لتنال الاهتمام الإعلامي والحقوقي، على غرار ما نالته قضية الشاب خالد سعيد، على الرغم من أن القضيتين كانتا من بين أسباب اندلاع ثورة 25 يناير.
فكلاهما ألقي القبض عليه بموجب قانون الطوارئ، وكلاهما مات تحت وطأة التعذيب، أو القسوة، وكلاهما صدر حكم بالإدانة للجناة مع الفارق في عدد السنوات والوزن النسبي للمتهمين في كل قضية. هذا التجاهل الإعلامي والحقوقي لقضية بلال حللها الباحث في علم الاجتماع السياسي، وأحد أبرز نشطاء قضية خالد سعيد، إسماعيل الاسكندراني، بالقول «قضية سيد بلال تعكس انحيازات المجتمع والنشطاء السلبية ضد الفئات التي همشها نظام مبارك نفسه. فحينما اهتم المجتمع، التفت الإعلام. ودوماً يكون وجود الإعلام مصدر حماسة وتحفيز للنشطاء والحركات السياسية التي يختلط فيها الشخصي بالعام».
وقد جاء هذا الحكم ليسلط الضوء بطريقة غير مباشرة على واقعة تفجيرات القديسين. فحديث إبراهيم عن عدم تورط أخيه في أحداث القديسين، مع عدم تقديم جناة حتى الآن في قضية التفجيرات يفتح الباب واسعاً لتساؤل مفاده «من فجر الكنيسة، ولماذا لم يقدم للمحاكمة، ولماذا لم تجر تحريات في قضية كبرى مثل هذه حتى الآن، على الرغم من تزامن القضيتين في آن واحد؟».
الإجابة تأتي في شقين: الأول على لسان خلف بيومي، محامي أسرة سيد بلال وزملائه، الذي قال إن كشف أحد ضباط أمن الدولة السابقين للنيابة عن اجتماع تم في القاهرة لتضليلها وتضليل الشهود مع اتهام شقيق بلال لأفراد بعينهم، بعد صمت طويل، عجل بفتح القضية ورسم لها جناة محددين، فضلاً عن اعتراف المتهم الأول على أسامة الكنيسي، المتهم الثالث، بأنه قاتل سيد.
أما الشق الثاني فيأتي على لسان جوزف ملاك، محامي شهداء التفجيرات، الذي أوضح أنه على الرغم من عدم ارتباط القضيتين قضائياً ببعضهما، إلا أن هذا لا ينفي أن هناك تخاذلاً من الداخلية والنيابة في القيام بالتحريات والتحقيقات اللازمة لكشف الجناة عن قضية القديسين، الأمر الذي جعله يتقدم بشكوى أمام القضاء الإداري يتهم فيها النيابة والداخلية بإساءة استخدام السلطة. وهو ما جعل كذلك كميل صديق، سكرتير المجلس الملي للكنيسة الأرثوذكسية بالإسكندرية، يقول «لا أعفي أجهزة الدولة بأكملها من هذا التجاهل المتعمد للقضية، فإذا حكم على الجناة الذين قتلوا شخصاً واحداً، فأين من قتلوا 21 شخصاً».