القاهرة | الثورة تتخبط، لكنها لم تهزم حتى الآن. على الأقل، هكذا يوحي المشهد المصري حالياً. الكتلة الثورية انقسمت مرة أخرى، بين مؤيّد للمشاركة في جولة الإعادة بالانتخابات الرئاسية، التي اقتصرت على مرشح حزب الحرية والعدالة، الذراع السياسية لجماعة الإخوان المسلمين، وبين آخر رئيس وزراء في نظام المخلوع مبارك الفريق أحمد شفيق، وبين مطالبٍ بمقاطعتها، وكل له منطقه.
مؤيّدو المشاركة في الجولة الثانية ودعم مرسي يرون أن الخلاف في الأساس مع النظام السابق لا مع الإخوان، وأن «الاختلاف مع الإخوان خلاف فكري، بينما الخلاف مع النظام السابق وأتباعه خلاف جنائي»، ويداه ممتلئتان بدم الشهداء. أما المقاطعون فيرفضون مرسي وشفيق. فالأول بالنسبة إليهم يحمل «الرجعية»، والثاني سيعيد النظام الذي ثار المصريون عليه. ويحاججون بأن الانتخابات لم تكن معبّرة بحق عن إرداة الشعب المصري، وأن هناك وقائع كثيرة تدل على وجود تزوير في الانتخابات، منها السماح للمجندين في القوات المسلحة بالتصويت، إضافة إلى وقائع شراء أصوات من جانب شفيق ومرسي.
وقال سكرتير الحزب الشيوعي المصري، صلاح عدلي، إن الاختيار بين أحمد شفيق ومرسي أسوأ اختيار حدث، «لأنهما يعتبران تمثيلاً واضحاً عن قوى اليمين المحافظ والرجعي، سواء بشكله العسكري البيروقراطي أو بشكله الديني المستبد». وأضاف «كلاهما يستند أساساً إلى دعم الرأسمالية الكبيرة والطفيلية ودعم الرجعية العربية والولايات المتحدة الأميركية». ولفت عدلي إلى أن الحدث الأهم في الانتخابات «هو نجاح المناضل الثوري حمدين صباحي في الحصول على هذه الكتلة الكبيرة من الأصوات»، وفوزه بالمركز الأول في أهم محافظات مصر، وفي المناطق العمالية والشعبية. في المقابل، حدث تراجع كبير في حجم الأصوات التي حصل عليها الإخوان، حيث خسروا أكثر من نصف الأصوات التي حصلوا عليها في الانتخابات الأخيرة. ووفقاً لعدلي «هذا يعكس أن المد الثوري لم ينته، وأن هناك بديلاً ثالثاً منحازاً إلى العدالة الاجتماعية والدولة المدنية الحديثة في مواجهة النظام السابق وقوى الإسلام السياسي».
في هذه الأثناء، تسعى جماعة الإخوان وحزبها الحرية والعدالة للبحث عن طريقة لا تكلفها الكثير لضمان فوز مرسي بالرئاسة. وتعتمد الجماعة، حسب مصادر قريبة منها، على مليون عضو منظّم فيها، ويكلف كل عضو منها بإقناع 5 أفراد بالتصويت لمصلحة مرسي، وبذلك يجري ضمان تصويت 6 ملايين ناخب. في موازاة ذلك، تسعى الجماعة إلى إقناع الأحزاب ذات المرجعية الإسلامية بالوقوف معها ضد شفيق. ونجحت الجماعة بالفعل في الحصول على تأييد حزب النور السلفي والجماعة الإسلامية وحزبها «البناء والتنمية».
أما الطريقة الثالثة التي تلعب عليها جماعة الإخوان المسلمين فهي وضع الشارع الثوري أمام خيارين؛ الأول مع الثورة وبالتالي يؤيّد مرسي، أو ضدها فيدعم شفيق. وهو ما يفسر إعلان الناشط السياسي وائل غنيم، «أدمن» مجموعة «كلنا خالد سعيد»، دعمه لمحمد مرسي في جولة الإعادة، على الرغم من حديثه عن عدد من المخاوف في رسالة له على حسابة الشخصي على موقع «فايسبوك». وتحدث غنيم عن «الخوف من استبداد الجماعة بالحكم بعد أن أصبحوا غالبية في مجلسي الشعب والشورى والآن الرئاسة إن فاز مرسي في الانتخابات، ومن ثمّ تكون النتيجة صناعة حزب وطني جديد يسيطر على كافة مفاصل الدولة». أما التخوف الثاني الذي تحدث عنه غنيم فيتمثل في «التضييق على الحريات الخاصة والعامة، وهذه المخاوف وإن اختلف معها الإخوان أو اتفقوا فهي مخاوف حقيقية موجودة على الأرض ينبغى التعامل معها». مع ذلك، اتخذ قراره بدعم مرسي.
من جهته، أعلن الكاتب والروائي علاء الأسواني، على الرغم من أنه من أشد المعارضين لجماعة الإخوان المسلمين، دعم مرسي في جولة الإعادة، «لأن المقاطعة الفردية انسحاب ستدفع الثورة ثمنه، ويجب أن نتعلم من الأخطاء ولا ننقسم مرة أخرى». وأوضح أن المقاطعة الشاملة تنجح فقط من خلال تنظيم حملة حشد فتنزع شرعية الانتخابات.
بدورها، تسعى بعض القوى السياسية والأحزاب إلى استغلال فرصة حاجة الإخوان إليها، ووضعت مقترحات اشترطت موافقة الإخوان عليها مقابل دعمها لمرسي في جولة الإعادة. وطالبت أحزاب الكتلة المصرية، التي تضم أحزاب «المصري الديموقراطي والمصريين الأحرار والتجمع» وائتلاف شباب الثورة، الإخوان بألا تتولى شخصية من الجماعة منصب رئاسة الوزراء، وترك نصف عدد الوزارات للأحزاب الثورية. في المقابل، يحصل الإخوان على النصف الآخر من الوزارات، على أن توقّع الجماعة مع الأحزاب الثورية وحزب الحرية والعدالة على هذا الاتفاق كتابياً. وقال النائب عن الحزب المصري الديموقراطي، مجدي صبري، إنه جرى عرض هذه المطالب على كل من النائبين البارزين في جماعة الإخوان عصام العريان ومحمد البتاجي، وأكدا موافقة حزب الحرية والعدالة المبدئية على هذا الطرح.
أيمن نور، رئيس حزب «غد الثورة»، قدم مقترحاً آخر يُلزم مرسي بالحياد في تشكيل تأسيسية الدستور وتأليف مجلس رئاسي من 10 رموز وطنية بارزة يمثل الاتجاهات الرئيسية «إسلامية، وليبرالية ويسارية». كذلك اقترح نور أن يمثّل داخله شباب الثورة والمرأة والأقباط بضم 3 نواب للرئيس و3 مساعدين و3 مستشارين للرئيس وأمين عام. واقترح أن يصدر بقانون بتوافق من القوى الوطنية يحدد صلاحيات الرئيس والنواب والمساعدين والأمين العام ودورية اجتماعاته، وآلية التصويت داخله، على أن يجتمع مرتين شهرياً على الأقل.
أما شباب «حركة كفاية» والجبهة الحرة للتغيير السلمي وتحالف القوى الثورية، فتقدموا بمبادرة مختلفة ترى تنازل مرسي عن خوض جولة الإعادة، لتنحصر الإعادة بين حمدين صباحي وأحمد شفيق. واشتملت المبادرة أيضاً على تأليف حكومة ائتلافية بقيادة حزب الحرية والعدالة، بصفته الحزب صاحب الأكثرية البرلمانية، كذلك يكون نظام الدولة رئاسياً برلمانياً، يراعى فيه توازن السلطات بين رئيس الجمهورية ورئيس الحكومة والبرلمان. وهو ما رفضه محامي الفريق أحمد شفيق، شوقي السيد، مؤكداً أن تلك الاقتراحات والضمانات التي تعرضها القوى السياسية ما هي إلا وجهة نظر غير ملزمة للمرشح في أي حال من الأحوال، في حالة نجاحه ووصوله إلى الحكم. ولفت إلى أن المادة 18 و19 من قانون انتخابات الرئاسة لا يجوز فيه تنازل مرشح لمصلحة آخر. من جهته، أكد المستشار القانوني للحملة الرئاسية لحمدين صباحي، المحامي عصام الإسلامبولي، أن عروض المرشحين لا تتعدى كونها مجرد وعود في الهواء لا سند دستورياً لها.