يحاول رئيس حكومة العدو الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، التغطية على الاتصالات مع السلطة الفلسطينية، بتأكيد أن الأمر ليس إلا تنسيقاً بين الأجهزة الأمنية. مع ذلك، تكشف هذه الاتصالات عن حقيقة أخرى، هي أن إسرائيل تحاول احتواء الضغط الذي نجح الشعب الفلسطيني في فرضه، بعدما باتت المؤسستان السياسية والأمنية في تل أبيب، تسلمان بمحدودية القدرة على ردع الشبان الفلسطينيين.
ومع أن نتنياهو سبق أن أكد، في أكثر من محطة، أنه لن يقدم «مكافآت» لما يسميه «الإرهاب»، عبر تقديم تنازلات للطرف الفلسطيني، فإن المفاوضات مع السلطة تشكل التفافاً على السقف الذي رسمه. من جهة، يبدو الرجل كمن يقدم إنجازاً للسلطة، يتصل بتحمّلها المسؤولية عن الوضع الأمني في مدن الضفة.
اقتُرح أن تكون رام الله وأريحا أول مدينتين تخرج منهما إسرائيل

لكن الواقع أن هذا الأمر مشروط بتأدية الأجهزة الأمنية الدور الإسرائيلي في مواجهة الشباب الذين يعملون على مهاجمة قوات الاحتلال. فإذا نجحت أجهزة السلطة في المهمة، سيقدم نتنياهو الأمر كإنجاز سياسي وأمني له ولحكومته، خصوصاً أنه لم يقدم أي تنازلات في قضايا الوضع النهائي، ولم يُجر مفاوضات سياسية تحت ضغط الشارع الفلسطيني، وإذا صار العكس، يكون قد نجح في تقديم السلطة كجهة غير قادرة على الإمساك بالوضع الأمني وتوفير الأمن لإسرائيل في أي تسوية سياسية شاملة، وهذا ما يبرر تمسكه بشروطه التي تعرقل عملية التسوية.
أيضاً، يمكن نتنياهو أن يسجل أمام جمهوره أنه يعمل على استنفاد السبل السياسية كافة إلى جانب القمعية والردعية في سبيل استعادة الأمن للشارع الإسرائيلي. في كل الأحوال، هو يلعب لعبة تسمح له بتسجيل «إنجازات» في مرمى السلطة، أياً كانت النتائج التي ستؤول إليها المفاوضات.
في المقابل، تبدو السلطة، أنجحت المفاوضات أم لا، ليس كمن لا يحاول الاستفادة من عنصر القوة الذي وفرته الانتفاضة فحسب، وإنما التكيف مع السقف الإسرائيلي، عبر حصر السجال بسقف هو في الواقع إنجاز للطرف الإسرائيلي وليس ثمناً يدفعه مقابل الدور الذي يمكن السلطة تأديته.
فعلى المستوى الداخلي، لم ينجح نتنياهو في إخفاء المفاوضات مع الطرف الفلسطيني، لذلك عندما كشف عنها في المرة الماضية في وسائل الإعلام الإسرائيلي، حاول احتواء الموقف عبر تأكيد أن الأمر لا يعدو كونه اتصالات لتحسين الوضع الأمني. وبرر إخفاء القضية عن المجلس الوزاري، بعدم نضج الاتصالات. لكن الكشف مرة أخرى عن استمرارها وتحقيق تقدم ما، يؤكد أنها لم تصل إلى طريق مسدود كما حاول الإيحاء، بل لا تزال هناك مساعٍ للتوصل إلى صيغة بين الطرفين.
في غضون ذلك، كشفت صحيفة «هآرتس» استناداً إلى مسؤولين إسرائيليين رفيعي المستوى ودبلوماسيين غربيين، عن أنه جرت في الأسابيع الأخيرة ثلاثة لقاءات بين الطرفين عنوانها «تقليص نشاطات الجيش في المدن الفلسطينية». وأكد المسؤولون أن طواقم المفاوضات حققوا بعض التقدم من دون التوصل إلى اتفاق نهائي حتى الآن. في ضوء ذلك، بات نتنياهو مضطراً إلى تقديم تقرير مفصل عن النتائج التي آلت إليها المفاوضات، أمام المجلس الوزاري المصغر.
وكانت «هآرتس» قد كشفت قبل ثلاثة أسابيع عن أن إسرائيل والسلطة تعقدان مفاوضات سرية تتعلق بإعادة السيطرة الأمنية في الضفة، تدريجاً، إلى الأجهزة الأمنية الفلسطينية. واقترحت إسرائيل أن يوقف الجيش عملياته في المنطقة A ما عدا العمليات التي تتعلق بـ«القنابل الموقوتة». لكن الجانب الفلسطيني رفض آنذاك المطلب الإسرائيلي، وطالب بخروج الجيش من كل المُدن الفلسطينية في المنطقة A التي تتولى فيها السلطة المدنية والأمنية الكاملة.
ورأى الطرف الفلسطيني أن الموافقة على الاقتراح الإسرائيلي ستكون «منح إسرائيل شرعية لدخول كل المدن في الضفة والموافقة على خرق إسرائيلي، أحادي الطرف، لاتفاقات أوسلو».
ووفق المعلومات، يُدير تلك المفاوضات من الجانب الإسرائيلي مُنسق العمليات في الأراضي، الجنرال يؤاف مردخاي، وقائد المنطقة الوسطى، روني نوما. ويشارك في المفاوضات من الجانب الفلسطيني وزير الشؤون المدنية، حسين الشيخ، ورئيس «المخابرات العامة»، ماجد فرج، ورئيس «الأمن الوقائي» زياد هب الريح. كذلك اقترحت إسرائيل أن تكون رام الله وأريحا أول مدينتين يخرج منهما الجيش الإسرائيلي، وإذا نجحت الخطوة، فسيمتد ذلك إلى مدن أُخرى.