أياً تكن التوصيفات التي أُطلقت في إسرائيل على المناورة السياسية التي قام بها رئيس الوزراء، بنيامين نتنياهو، تبقى النتيجة أن الأخير لم ينجح فقط في إبعاد كأس الانتخابات المبكرة عن نفسه، بل في تأمين ديمومة حكومته حتى نهاية ولايتها وتوسيع قاعدتها البرلمانية بما يضمن استقرارها في مواجهة استحقاقات الداخل والخارج. وبعدما شارف على تجاوز السقف الأعلى لعمر الحكومات الإسرائيلية في غضون العقد الأخير، سجل نتنياهو أمس رقما قياسياً ثانياً من خلال إسناد ائتلافه الحكومي إلى غالبية 94 نائباً في الكنيست، وهو الأمر الذي لم تشهده الحلبة السياسية في إسرائيل منذ أكثر من عقدين. وإذا كان من المؤكد أن نتنياهو سيسعى إلى توظيف هذه الغالبية الاستثنائية في معالجة الملفات الداخلية والخارجية، فإن المفارقة تكمن في أن الغالبية نفسها من شأنها أن ترتد عليه سلباً في عدد من هذه الملفات.
يمكن الجزم بأن القضية الأبرز التي سيعمل نتنياهو على تسييل قاعدته الائتلافية الجديدة في شأنها لن تكون شيئاً آخر غير البرنامج النووي الإيراني. صحيح أنه لم يكن يعاني أزمة مشروعية سياسية داخلية عندما كان يتوعد بمهاجمة إيران عسكرياً، إلا أن وجوده على رأس حكومة ترتكز على 94 عضو كنيست سيعكس أمام الخارج رسالة من نوع آخر. أولاً، سيكون بإمكان نتنياهو المبالغة في رفع صوته أكثر من أي وقتٍ مضى، متسلحاً بتمثيل طيفه الحكومي لنحو 80 بالمئة من الإسرائيليين، ما يعني أنه يتحدث باسم شبه إجماع إسرائيلي.
ثانياً، من المعلوم أن معظم السوابق التاريخية في إسرائيل تشير إلى أن تشكيل حكومات وحدة وطنية جاء كمقدمة للخوض في استحقاقات كبرى، أمنية على وجه التحديد. حصل ذلك قبيل حرب عام 1967 وحرب الاستنزاف عام 1969 وبعيد أشهر على اندلاع الانتفاضة الأولى عام 1988 وفي خضم الانتفاضة الثانية عام 2001. ومن شبه المؤكد أن نتنياهو سيعمل على الترويج - ولو من وراء الكواليس - للإيحاءات التي يمكن استخلاصها من هذه السوابق ربطاً بالاستحقاق النووي الإيراني حالياً وبتهديداته إزاءه.
وثالثاً، من المرجح أن نتنياهو لن يألو جهداً في الإفادة الدعائية من حقيقة أن «التُساعية» الوزارية (بعدما انضم إليها شاؤول موفاز) المسؤولة عن اتخاذ القرارات الإستراتيجية في حكومته باتت تضم ثلاث شخصيات أمنية وازنة، هم رؤساء أركان سابقون (إيهود باراك، موشيه يعالون، شاؤول موفاز)، الأمر الذي من شأنه أن يوحي بـ«عسكرة» هذه الهيئة ضمن سياق إضفاء جرعاتٍ من الجدية (أمام الخارج) والثقة (أمام الداخل) على التهديدات بضرب إيران. وفي هذا الإطار، من المستبعد أن يكون لمواقف موفاز السابقة المنتقدة لسياسة نتنياهو «المتهورة» ضد إيران تأثير فاعل في ضوء صورة «المتقلب» النمطية التي أسبغتها عليه وسائل الإعلام الإسرائيلية بناءً على محاكمتها لسلوكه السياسي المتذبذب.
في المسار الفلسطيني، قد لا ينعم نتنياهو بنفس المستوى من المزايا التي منحه إياها توسيع الائتلاف على الجبهة الإيرانية، فقوة الائتلاف هنا تعني، في أحد أوجهها على الأقل، قدرته على القيام بمخاطرات سياسية دون أن يخشى ردود فعل اليمين المتطرف الذي كان سبباً في إسقاط حكومته الأولى عام 1999. وأخذاً بالاعتبار أن المعارضة المتواضعة التي بقيت له في الكنيست «يسارية» الطابع (حزب العمل وحزب ميريتس) وأن بإمكان ائتلافه الاستغناء عن أحزاب يمينية متشددة شريكة فيه، كان يمكنها أن تفكك الحكومة في الماضي لو أنه أقدم على خطواتٍ تنطوي على «تنازلاتٍ» للفلسطينيين، فإن الحكومة الحالية من شأنها أن تعني تقويضاً لجزء من الذرائع التي تسلح بها نتنياهو حتى الآن في تبرير سلوكه الذي أنتج جموداً في العملية السياسية. من جهة أخرى، لا شيء يمنع «رجل الألاعيب السياسية الأول في تاريخ إسرائيل»، كما وصفه أحد المعلقين، من توظيف ائتلافه العريض في سياق القول إن موقفه من المفاوضات هو تعبير عن شبه إجماع في إسرائيل.