دمشق | العاشرة ليلاً من مساء الاثنين، أغلقت صناديق الاقتراع واستحق وكلاء المرشحين لمجلس الشعب استراحة بعد يوم شاق لا يتكرر كثيراً بالنسبة إليهم. الإعلام الرسمي بقي مستنفراً في مقار المحافظات والمراكز الانتخابية لرصد عملية فرز الأصوات التي استمرت حتى اليوم التالي، دون أن تلوح في الأفق بوادر مؤتمر صحافي سيعقده وزير الداخلية في مقر وزارته للإعلان عن ممثلي الشعب السوري الجدد للدور التشريعي الأول، بعد إقرار الدستور الجديد، وبات في حكم المؤكد أن الأربعاء سيكون يوم الفصل بالنسبة إلى المرشحين، رغم أن تسريبات فرز صناديق الاقتراع بدأت تشير إلى بعض الفائزين.
وبين الزحمة البرلمانية تتجه الأنظار إلى الخطوة التالية، وهي الحكومة الجديدة، أما بعض المرشحين فقد قرر تجهيز نفسه وشوارع دمشق للاحتفال بعبوره إلى البرلمان، فيما شهدت العاصمة قطع الطرق المؤدية إلى مركز المحافظة خشية القيام بعمليات مسلحة تستهدف مركز فرز الأصوات في العاصمة.
القلق والترقب هما سيّدا اليوم الأول بعد انتخابات مجلس الشعب السوري وخاصة للمرشحين الذين قرروا خوض معركة انتخابية في ظل إقبال ليس بالمتوقع ووسط أنباء وتسريبات عن فوز لوائح الوحدة الوطنية، التي ضمت مرشحي حزب البعث وأحزاب الجبهة التقدمية، إضافة إلى عدد من المرشحين المستقلين، فبدأت الصورة ترتسم شيئاً فشيئاً لما سيبدو عليه برلمان السوريين للسنوات الأربع المقبلة. وبدا واضحاً تركيز الإعلام الرسمي على أجواء الاقتراع وفرز الأصوات في المحافظات التي شهدت أعمالاً عسكرية وأمنية، مثل حمص ودرعا وحماه، التي نقل منها التلفزيون الرسمي فترات طويلة من فرز الأصوات.
وبين انتظار البعض واستعداد آخرين للاحتفال بالفوز، كان لافتاً إعلان حزب الإرادة الشعبية عن سلسلة من المخالفات الانتخابية وقعت في سياق يوم اول من أمس الطويل، فاعتبر الحزب، الذي يتزعمه قدري جميل، أن ثمة جهات رسمية وخاصة أمنية حاولت منع حملة الجبهة الشعبية للتغيير، ووصلت لاحتجاز أكثر من مرشح لعدة ساعات، فيما شهد يوم الانتخابات، بحسب بيان الحزب، مخالفات تجسدت بمنع الوكلاء من مراقبة الانتخابات، وتهديدهم في بعض المحافظات وتجميع بطاقات هوية واستخدامها في التصويت دون وجود أصحابها ولمصلحة بعض القوائم، وكذلك قيام بعض لجان الصناديق بإبلاغ الوكلاء والناشطين أن الانتخابات جرى تمديدها ليوم آخر لإجبارهم على مغادرة المراكز الانتخابية.
وفي المقابل، تحدث رئيس اللجنة العليا للانتخابات، خلف العزاوي، عن أن لجان الانتخاب بدأت بفتح الصناديق علناً أمام وكلاء المرشحين وبحضور وسائل الإعلام وهذه اللجان ستقوم بتنظيم محضر بذلك وتودعه اللجنة القضائية المكلفة مراقبة الانتخابات، ثم ترسل إلى المحافظة التي ستقوم بجمع جميع الصناديق أمام المرشحين أو وكلائهم وتنظيم محضر بذلك يرسل للجنة العليا للانتخابات وآخر للمحافظة نفسها. كذلك أعلن عن إعادة الانتخاب في مركزين في دمشق بسبب اعتراض وصل إلى اللجنة الفرعية بالمدينة، وهو ما من شأنه أن يؤخر إعلان النتائج النهائية. وبدأت بعض النتائج غير الرسمية بالظهور وخاصة في حلب، حيث تحدث بعض الناشطين عن تقدم مرشحي البعث وعدد من المستقلين في موازاة تراجع مرشحي الأحزاب الجديدة التي بدت تائهة في زحمة الانتخابات، وهو ما تكرر نوعاً ما في كل من اللاذقية وطرطوس، حيث بلغ الإقبال على الاقتراع معدلات عالية فاقت حتى مراكز العاصمة دمشق التي تقول بعض التسريبات بفوز عدد من رجال الأعمال الذين برزوا في الدورات الماضية، وكذلك لوائح البعث التي ضمت مرشحين جدداً للبرلمان السوري لم يسبق للحزب الحاكم منذ عقود أن قام بترشيحهم.
وفي المحصلة تبدو نتيجة الانتخابات إلى حد ما متقاربة مع الدورات السابقة، فلم يتغير الكثير على اعتبار أن اطيافاً واسعة من المعارضة الداخلية قررت مقاطعة الانتخابات وانسحبت بعض الأحزاب الجديدة، فيما قرر البعض منهم الاستمرار بالترشح دون قاعدة جماهيرية عريضة بحكم حداثة نشأتها، ما أبقاها بعيدة عن المنافسة. أما شريحة الشباب التي رشحت نفسها من باب الحياة السياسية الجديدة في سوريا، فلا يبدو أنها لفتت نظر المقترعين، لتبرز لوائح الفائزين المتسربة أسماء اغلبها حفظها السوريون وهي تحت قبة البرلمان .
وبموجب الدستور السوري الجديد فإن نصف أعضاء المجلس يجب أن يكونوا منتمين إلى شريحة العمال والفلاحين، فيما يشمل النصف الآخر باقي فئات المجتمع، ويتعين على رئيس الجمهورية دعوة المجلس إلى الانعقاد خلال أسبوعين من إعلان الأسماء الجديدة، وفي حال انقضاء المهلة الزمنية دون اجتماع المجلس فإنه يصبح منعقداً حكماً، ويقوم المجلس بانتخاب رئيسه خلال الجلسة الأولى التي جرت العادة أن تتزامن مع خطاب يلقيه رئيس الجمهورية أمام البرلمانيين الجدد، وتختص في المقابل المحكمة الدستورية العليا بالنظر في الطعون الخاصة بالانتخابات. وتشير التقديرات إلى أن الخطوة التالية ستكون تشكيل حكومة جديدة مبنية على نتائج الانتخابات، باعتبار أن الوزارة الحالية هي بحكم المستقيلة مع انتخاب المجلس الجديد، حيث يقوم رئيس الجمهورية بتسمية رئيس الحكومة والوزراء وبدورهم سيتقدمون ببيانهم الوزاري إلى مجلس الشعب، مما يعني ان المرحلة القادمة هي مرحلة البحث عن الوزارة.