القاهرة | الوعود بالتحالف ضد الفلول والإسلاميين لم تنته منذ بدء معركة الانتخابات الرئاسية المصرية. ومع كل وعد كانت القوى المدنية المصرية تتوسم خيراً في أن يتحد مرشحو الرئاسة المحسوبون على الثورة ويتكاتفوا لنصرة مرشح واحد يمثلهم في الانتخابات الرئاسية لمحاولة وقف المد الإسلامي، الذي لم يكتف بالسيطرة على سلطة التشريع الممثلة في البرلمان بغرفتيه «شعب وشورى»، وإنما يبذل قصارى جهده لاضافة السلطة التنفيذية «الرئاسة والحكومة» إلى رصيده.
هدف آخر تصبو إليه القوى المدنية من إقامة التحالف يتمثل في وقف سيطرة رموز النظام السابق للبلاد «الفلول» الذين يحظون بتأييد قطاع كبير من المصريين الراغبين في عودة الاستقرار إلى البلاد ويعرفون بـ«حزب الكنبة».
وقبل ساعات من انتهاء موعد تقديم تنازلات مرشحي السباق الرئاسي المقرر في 23 و24 من الشهر الجاري، اجتمع المرشح المستقل حمدين صباحي، صاحب الفكر الناصري، إلى جانب مرشحي حزب التجمع اليساري هشام البسطويسي وأبو العز الحريري، استجابةً لدعوة الجمعية الوطنية للتغيير، لتوحيد جهودهم في معركة انتخابات الرئاسة وخوضها كفريق رئاسي وصياغة برنامج لانجاز المهام العاجلة للثورة المصرية يحقق طموح المصريين في بناء دولة مدنية.
رغم الاعلان عن التوصل إلى اتفاق، إلا أن ملامح التحالف المدني لم تتكشف بعد. فرغم أنه لم يتبق لانطلاق السباق الرئاسي سوى 14 يوماً، اكتفت حملات المرشحين الثلاثة بالتأكيد أن المرشحين اتفقوا على أن يخوض ممثل عنهم الانتخابات الرئاسية دون أن يحددوا شخصاً بعينه.
وفيما تصب التوقعات في صالح المرشح الأكثر جماهيرية بين الثلاثة، حمدين صباحي، أصرّ المرشحان الآخران هشام البسطويسي وأبو العز الحريري، في بيان أصدراه أمس على نفي ما إذا كان هذا التحالف سيصب في مصلحة صباحي رئيساً وكل منهم نائباً له.
واكتفت حملة البسطويسي بالتأكيد أن المرشحين الثلاثة لديهم النية الخالصة للتنازل لصالح أحدهم، لافتةً إلا أنهم يفضلون أن يتم ذلك على أساس واضح يجعل من السهل في ما بعد الدمج بين جهود الحملات الثلاث لصالح مرشح منهما ولصالح المجلس الرئاسي المزمع تشكيله. من جهتها، أكدت حملة أبو العز الحريري، على لسان أحد أعضائها، مدحت الزاهد، لـ«الأخبار»، أنه للوقت الحالي لم يتم الاستقرار عن المرشح الذي سيتنازل لصالحه المرشحان الآخران. ولفت الزاهد إلى أن التحالف لن يعلن عن مرشحه للرئاسة سوى قبل انطلاق السباق بأيام قليلة، نافياً أن يكون هذا المرشح هو حمدين صباحي في الوقت الحالي. وبرر التأخير بالاعلان عن المرشح بأن الانتخابات البرلمانية كشفت أن عدم التكافؤ في الامكانات المادية بين الإسلاميين والقوى الثورية أدى إلى فوز الإسلاميين بالانتخابات. ولهذا قرر المرشحون الثلاثة، حسب الزاهد، الاستفادة من كافة وسائل الظهور الإعلامي التي توفرها الفضائيات للمرشحين الرسميين للرئاسة قبل إعلان تنازلهم لصالح مرشح بعينه.
وفي ما يتعلق بانتهاء الموعد الرسمي لتنازل المرشحين عن السباق، أوضح الزاهد أنه «يستطيع أي مرشح أن يعقد مؤتمراً صحافياً يدعو وسائل الإعلام له لإعلان تنازله عن الترشح لصالح مرشح آخر ودعوة أنصاره إلى انتخابه». وهو ما يجعل النتائج الملموسة للتحالف لم تخرج عن وعود باعادة الاجتماعات للحديث عن كافة المتغيرات بما يخدم مرشح التحالف ــ غير المعلن ــ وبرنامج رئاسي واحد للمرشحين الثلاثة يؤكد على مدنية الدولة، لتظل جميع وعود القوى المدنية والليبرالية بالتحالف مجرد أماني تصطدم بغرور المرشحين المنبثقة عن أمراض مزمنة للمعارضة المصرية التي أفسدها الرئيس المخلوع حسني مبارك، شأنها شأن المناخ السياسي المصري الذي ظل متجمداً طوال سنوات حكم مبارك التي تعدت الثلاثين.
هذا الوضع دفع المراقبين إلى وصف اللقاء بالفرصة الأخيرة الذي شابته العديد من العثرات. فرغم أن الاجتماع جاء تلبيةً لمطالب غالبية القوى والتيارات المدنية والليبرالية بتوحد المرشحين الثوريين في مواجهة الفلول والإسلاميين، إلّا أن هذا الاجتماع غاب عنه المرشح المدعوم من عدد من القوى الثورية، عبد المنعم أبو الفتوح، لتصنيفه من جانب الداعين للمبادرة ضمن تكتل المرشحين الإسلاميين وليس المدنيين. كذلك غاب أيضاً أبرز المرشحين الرئاسيين المحسوبين على التيار اليساري، خالد علي، وهو ما برره الأخير لـ«الأخبار» بقوله إنه سبق أن دعا المرشحين الثوريين إلى التكاتف والاتفاق على مرشح بعينه لخوض سباق الرئاسة أكثر من مرة. وأبدى استعداده للتنازل عن الترشح لصالح أي مرشح تتوافق عليه القوى المدنية دون أن يترتب على هذا التنازل أي وعد بمنصب له، ولم تؤخذ مبادرته في الاعتبار. وأوضح علي أن مبادرته كانت سارية حتى 26 نيسان الماضي «موعد إعلان القائمة النهائية لمرشحي الرئاسة»، لكن بعد هذا التاريخ «اتخذت قراراً بالعمل منفرداً»، مضيفاً «لا أعلم شيئاً عن اجتماع أول أمس وحملتي مستمرة».
ويرى مراقبون أن اقتصار تحالف القوى المدنية على حمدين والبسطويسي والحريري قلل من جدوى تأثيره، لافتين إلى أن عدم انضمام علي وأبو الفتوح للتكتل يضعف من فرص تأثيره على أولوية اهتمامات الناخبين التي تنحصر بين الأمين العام السابق لجامعة الدول العربية عمرو موسى والنائب السابق لمرشد جماعة الاخوان المسلمين، عبد المنعم أبو الفتوح.
وفيما ينظر إلى موسى على أنه صاحب كاريزما يستطيع أن يتفوق على مرشح الاخوان محمد مرسي الذي يفتقد أي كاريزما ويعتمد على قدرة الجماعة على حشد الأصوات، فإن أبو الفتوح يصنف ضمن القوى الثورية إلى جانب القوى الإسلامية في نفس الوقت.
ومن هذا المنطلق، يؤكد مراقبون تضاؤل فرص أصحاب التحالف الجديد سواء هشام البسطويسي أو أبو العز الحريري في المنافسة. لكن تبقى إحدى أهم إيجابيات هذا التحالف من وجهة نظر هذا التحالف، تدعيمه لأسهم المرشح الناصري حمدين صباحي الذي يضعه الكثيرون على قائمة المرشحين الثوريين، ولا سيما الذين لا يصدقون كلام عبد المنعم أبو الفتوح عن الدولة المدنية ويصرون على تصنيفه ضمن قائمة المرشحين الإسلاميين. وترى هذه الفئة أن أبو الفتوح لم يفصل من جماعة الإخوان المسلمين لخلاف أيديولوجي وإنما بسبب خلاف شكلي على الترشح للرئاسة من عدمه.