مع اقتراب الانتخابات الرئاسيّة المصرية، تبدأ الصورة بالتبلور شيئاً فشيئاً. التحولات كانت كثيرة في الأسابيع القليلة الماضية، لكنها اليوم باتت أكثر وضوحاً مع استقرار بورصة المرشحين على 13 اسماً سيخوضون الجولة الأولى من الانتخاب في الثالث والعشرين من أيار/ مايو الحالي. ورغم كثرة الأسماء، إلا أنه من الواضح أن المنافسة ستكون منحصرة بين ثلاثة أشخاص فقط لا غير، سيعبر منهم اثنان إلى الدورة الثانية.

«الفرسان الثلاثة» باتوا معروفين، فإضافة إلى الأمين العام السابق لجامعة الدول العربية، عمرو موسى، هناك رئيس حزب «الحرية والعدالة»، الذراع السياسية للإخوان المسلمين، محمد مرسي، وعبد المنعم أبو الفتوح، القيادي المنشق عن جماعة الإخوان المسلمين، الذي يحظى بتأييد من أوساط ليبرالية وإسلامية، إضافة إلى المقبولية الشعبية.
استطلاعات الرأي، على قلّتها، تعطي موسى صدارة الدورة الأولى ليحل وراءه مباشرة عبد المنعم أبو الفتوح. موسى لا شك يستند إلى رصيد شعبي حققه في الفترة التي تولى فيها وزارة الخارجية المصرية، حين نافست شعبيته شعبية الرئيس المخلوع حسني مبارك في ذلك الحين، وهو ما قيل إنه كان السبب في إطاحة موسى من كرسي الوزارة ونقله إلى الأمانة العامة للجامعة العربية. غير أن مثل هذا الرصيد لن يكون كافياً ليصبح موسى أول رئيس للجمهورية المصرية الجديدة، ولا سيما أن شبهات القرب من النظام السابق تحوم حوله، كما أنه لا يحظى بالقدر الكافي من التأييد في أوساط القوى الجديدة على الساحة المصرية، سواء كانت قوى شعبية أو سياسية. وبالتالي فإن الرصيد الذي يعول عليه موسى لن يلبث أن ينفد مع انتهاء الدورة الاولى، حيث ستختلف الحسابات والتكتلات كليّاً.
الرجل الثاني في سباق الرئاسة، أي محمد مرسي، لا يزال متأخراً في الاستطلاعات، لكن هذا قد لا يمنع إحرازه مفاجأة في الدورة الأولى والعبور إلى الدورة الثانية، وذلك يتوقف فقط على الماكينة التجييرية للإخوان المسلمين، وعلى قدرتهم على إقناع مؤيديهم والمتعاطفين معهم بأن مرسي هو الرجل المناسب للمرحلة. المهمة ليست سهلة على الإطلاق، ولا سيما أن مرسي يأتي بديلاً لخيرت الشاطر، الذي أقصته لجنة الانتخابات عن المنافسة. وتعبئة مكان الشاطر، الرجل القوي في الإخوان سياسياً واقتصادياً، ستكون مهمة في غاية الصعوبة بالنسبة إلى مرسي، الذي يُنظر إليه، حتى داخل الجماعة الإسلامية، على أنه رجل تنفيذ لا رجل تخطيط، على عكس الشاطر. وكثير من المؤيدين وحتى المنتمين إلى الإخوان، لم يحسموا خيارهم بعد في إمكان إعطاء أصواتهم إلى مرسي، وبالتالي فعليه انتظار قدرة ماكينة الإخوان على إيصاله إلى الدورة الثانية، وهو أمر غير مضمون.
الطرف الثالث في المعركة الرئاسيّة الفعلية سيكون عبد المنعم أبو الفتوح، الذي أعلن انشقاقه عن الإخوان في أعقاب الثورة، بعد إعلان الجماعة عدم نيتها تقديم مرشح للرئاسة، وهو ما لم تصدق فيه وقدمت مرشحين بدل الواحد. قصة شعبية أبو الفتوح بدأت مع الانشقاق، لتتضاعف مع إعلان انفتاحه المطلق على مختلف التيارات السياسية والشعبية في البلاد، وهو ما جعل أشخاصاً مثل الناشط وائل غنيم والكاتب بلال فضل والشاعر عبد الرحمن يوسف ينضمون إلى حملته الانتخابية.
أبو الفتوح استطاع خلال الأيام القليلة الماضية تعزيز فرصه الرئاسية على نحو كبير جداً، بعد نيله تأييد جماعة الدعوة السلفية، وذراعها السياسية «حزب النور»، الذي جاء بعد سلسلة جلسات عقدتها الجماعة مع «المرشحين الإسلاميين»، وبينهم مرسي ومحمد سليم العوا، تمكن بعدها أبو الفتوح من إقناع الجماعة بمنحه أصواتها.
الدعم السلفي لأبو الفتوح، الذي تلاه موقف مماثل من «الجماعة الإسلامية»، لم يأت اعتباطياً، ولم يسهم في رفع شعبية أبو الفتوح بقدر ما هو استغلال لهذه الشعبية، وهذا القبول لدى أطراف كثيرة، حتى في أوساط الإخوان المسلمين. فالتيار الشابي في الإخوان، الذي كان ذاهباً للتصويت لخيرت الشاطر، بدأ اليوم يعيد حساباته لقناعته بأن محمد مرسي ليس البديل المناسب.
وإضافةً إلى الأوساط الإسلامية، تقف الأطراف الليبرالية حائرة أمام شخصية عبد المنعم أبو الفتوح، الذي يرفض فرض الشريعة على الشعب، على اعتبار أنه غير مهيأ، ولا يمانع تولي امرأة رئاسة الجمهوية، ويؤكد على المساواة بين الأقباط والمسلمين. بعض الأوساط الليبرالية باتت مقتنعة بالرجل وانضمت إليه، والبعض الآخر الذي حسم خياره التصويتي في الدورة الأولى، سينتظر الدورة الثانية وطرفيها ليقرر لمن سيعطي صوته.
حسابات الدورة الثانية ستكون الفيصل في الكشف عن هويّة الرئيس المصري المقبل. وإذا صدقت استطلاعات الرأي، ولم يفجّر محمد مرسي مفاجأة، فإن عمرو موسى وعبد المنعم أبو الفتوح سيتواجهان في الساحة منفردين. حينها ستكون الحسابات مختلفة كليّاً، وستصب بالتأكيد في صالح المرشح «الإسلامي الوسطي الليبرالي السلفي الإخواني». فأبو الفتوح، الذي تمكن بحنكة من كسب رضى غالبية الأطراف على الساحة، سيكون هو الخيار المفضل لجميع القوى الجديدة على الساحة المصرية، إذا كان عليها أن تختار بينه وبين عمرو موسى.
إلى الآن، وقبل أقل من عشرين يوماً على موعد الدورة الأولى للانتخابات الرئاسية، يمكن البدء بالتمرّن على عبارة: «الريس أبو الفتوح».