لو كان أسامة بن لادن حيّاً اليوم لما تعرّف إلى العالم من حوله: فهو لن يرى «صدام حضارات» بل إسلاميين متطرفين يخوضون الانتخابات في مصر وتونس، يتعاونون مع المسؤولين الأميركيين ويلتقون حتى مع محافظين جدد في واشنطن. كان ليرى إدارة أميركية قتلت معظم رفاقه في تنظيم «القاعدة» وهي مستعدة اليوم للتحالف مع سياسيين إسلاميين شرط تخليهم عن العنف والارهاب. كان ليشاهد الاحزاب الاسلامية تتوق بشغف للدخول في الحياة السياسية داخل بلدانها وترسخ مصالحها هناك، وليس في حرب ضد العدو القديم الولايات المتحدة الاميركية.

تلك وجهة نظر أولى، أما الثانية فتقول: لو كان أسامة بن لادن حيّاً اليوم لشعر بالرضى والفخر لأن تنظيمه تمدد وحافظ على قوته رغم كل شيء، فـ«القاعدة» لم تمت ولم تضعف ولم تتفكك جوهرياً ولم تته عن أهدافها الاساسية. هي لا تزال في العراق والجزيرة العربية والمغرب وفي الصومال ومالي واليمن. ومعقلها لا يزال في أفغانستان وباكستان. هجماتها لا تزال تهدد أمن معظم الدول الغربية والعربية وسجلها الدموي حافل بعد سنة من مقتل زعيمها، فالأفكار لا تموت.
قد تلخص هاتان النظريتان أساس الجدل القائم اليوم بين المحللين الاميركيين حول تأثير غياب بن لادن عن «القاعدة» وقيادة الجهاد العالمي بعد عام على مقتله في أبوت أباد في باكستان. المتطرفون من الجانب الأول يرددون بعض أقوال المسؤولين في الادارة الاميركية في الموسم الانتخابي ويسترسلون في التفاؤل. بالنسبة لهم «القاعدة» ضعفت كثيراً وتأثيرها بالكاد يحسب له حساب، وهي باتت مفككة الى تنظيمات صغيرة مشغولة بشؤون مناطقية في الدول التي تتواجد فيها. أما الجناح المتطرف من أصحاب النظرية المقابلة فيرون أن «القاعدة» باتت أقوى اليوم وانتشارها أكبر خصوصاً في البلدان التي شهدت تقلبات فبات أمنها واستقرارها هشاً، وأن التنظيم الاسلامي بدأ يقترب من تحقيق هدفه الاساسي في إعلان دول إسلامية في مختلف أرجاء الشرق الاوسط وشمال أفريقيا والقرن الافريقي وجنوب آسيا.
أما المعتدلون من الجهتين فيدرسون مختلف الاشكال التي آل اليها تنظيم «القاعدة» ويسألون عن تأثير أيمن الظواهري على التنظيم وعن تهديد أمن الولايات المتحدة وعن العلاقات مع باكستان والانسحاب من أفغانستان، وعن استثمارات «القاعدة» في «الربيع العربي»... ومن بين الاسئلة العالقة: هل تحصر الحرب على الارهاب بـ«القاعدة» أم أن حزب الله وحماس مرتبطان أيضاً بالتنظيم الارهابي بشكل ما؟
الأفكار لا تموت
مايكل هيرش، الذي شُنّت عليه حملة كبيرة أخيراً بعدما نقل عن مصدر في الخارجية الاميركية أن «الحرب على الارهاب انتهت»، يصرّ في مقال في «ذي أتلانتيك» أن «العالم تغيّر وأن استراتيجية باراك أوباما الجديدة المحقة قضت بالاعتراف بأن هناك تنظيماً إسلامياً وحيداً ضرب الولايات المتحدة مباشرة وهو «القاعدة»». لذا، يقول هيرش، يجب أن نصحح ما فعله جورج والكر بوش من تعميم الحرب على الارهاب «لأنه بكل بساطة لا يمكننا التخلص من كل الارهابيين حول العالم». «فعندما شملنا في حربنا أحزاباً مثل حزب الله أو حماس اللذين لا يرتبطان لا عقائدياً ولا تنظيمياً بـ«القاعدة» وضعنا أنفسنا والبلد في حرب دائمة مع الآخرين». هيرش يشير الى أن الشيء الوحيد الذي قد يتعرف اليه بن لادن، لو كان على قيد الحياة اليوم، هو لغة اليمينيين المحافظين الذين يصرّون على أن «الحرب على الارهاب ستستمر الى الابد».
جيمس كيتفيلد، في «ذي أتلانتيك»، يشرح كيف «شلّ موت بن لادن القاعدة» من حيث تدمير «الأيقونة» و«الاسطورة» التي كانت تلهم التنظيم وتقوده. تلك الاسطورة التي تمثلت بشخص بن لادن «الذي تحوّل الى روبن هود الارهاب الدولي الهارب من قبضة الشرطي»، يقول أحد محللي «وكالة الاستخبارات الاميركية» لكيتفيلد. لكن الكاتب، وبالاستناد الى التحاليل الاستخبارية، يحذّر من انتشار «فروع للقاعدة تتبنى نفس المبادئ والتوجهات في معظم الدول التي تواجه عدم استقرار أمني أو حروباً طائفية أو حكومات ضعيفة كما يحصل في اليمن وسوريا ونيجيريا والصومال وإندونيسيا والفيليبين وباكستان... هذا التحذير تلاقى مع تسليط ويل ماكانتس الضوء على «الامارات» التي يحاول عناصر ومجموعات من «القاعدة» تأسيسها في مختلف تلك البلدان.
في مقال في «فورين بوليسي»، يقول ماكانتس إن «التنظيم بدأ باستغلال الفوضى التي تعمّ العالم العربي اليوم وفي القرن الافريقي حيث يقوم بإحلال نسخته الخاصة من مفهوم بناء الدولة». لكن محاولات «القاعدة» «بناء الدولة» أو «الامارات الاسلامية» تواجه مشكلتين بنظر الكاتب. فمن جهة، لا تستطيع «القاعدة» الاعتماد على مبدأ إثارة عدو بلد ما وجرّه الى حرب وانهاكه بينما هي تسيطر على الأراضي مستفيدة من الخلل الامني في ذلك البلد. وذلك لأنه، حسب ماكانتس، تجربة إعلان «إمارة أفغانستان الاسلامية» عام ٢٠٠١ باءت بالفشل. أما المشكلة الثانية، فهي كما يرى الكاتب، أنه لا مجال لـ«القاعدة» بغزو أرض ما الا حيث هناك نزاعات قبلية أو أهلية، لذا عليها أن تدخل في اللعبة السياسية في البلد قبل السيطرة على الناس والأرض، وهذا ما تواجهه حالياً في الصومال واليمن ووسط باكستان، حيث لا يمكن القول إن المناطق التي تتواجد فيها «القاعدة» اليوم هي «إمارات» أو دول قائمة بحد ذاتها. تلك الصعوبات كررتها ليندا روبنسون في «مجلس العلاقات الخارجية»، مشيرة الى «العالم الخطير الذي نواجهه بعد بن لادن». روبنسون تعدد «اليمن والقرن الافريقي وشمال أفريقيا بما هي مناطق خصبة لتواجد القاعدة»، لكنها تشير إلى أن «التنظيم سيواجه المشاكل الداخلية الناشئة أصلاً في كل من تلك البلدان». المتخصصة بالشؤون الامنية، تضيف أن من النتائج السلبية التي نشأت بعد مقتل بن لادن «تدهور العلاقات مع باكستان، ما يصعّب ضبط الحدود مع أفغانستان». روبنسون تقول إن موت بن لادن «كان بالاحرى رمزياً ولم يكن له أي تأثير فعال على القدرة التنفيذية للقاعدة».
«في أحلامكم فقط»
ماكس بوت، في «ذي كومنتيري»، لا يخفي احتفاله بغياب بن لادن وتصفية بعض قادة «القاعدة»، لكنه يذكر أن «القاعدة لم تمت مع بن لادن». بوت يعدد حزب الله وحماس وفيلق القدس بوصفها «أكثر المنظمات الاسلامية خطورة اليوم»، الى جانب حركة «الشباب» في الصومال وطالبان في باكستان وأفغانستان وشبكة حقاني والقاعدة في العراق وغيرها... لذا، يرى الكاتب «أننا مذنبون في تفكيرنا المتفائل الأقرب الى الامنيات، وخصوصاً في حال أردنا إعلان نصر مبكر».
سيث جونز، في «فورين بوليسي»، يعدد كل «الخرافات» التي تحاك اليوم حول «هزيمة أو ضعف القاعدة»، ويضعها أيضاً في اطار «الامنيات». على من يقول إن «القاعدة على شفير الهزيمة» يرد جونز «في أحلامكم فقط». وعلى مقولة أن «فروع القاعدة واندماجاتها هو دليل على ضعفها»، يعلق الكاتب أن «ذلك مجرد أمنيات». وعلى من يدّعي أن «القاعدة فقدت شعبيتها»، يرد جونز «ليس بقدر ما تعتقدون». أما للذين يقولون إن «الربيع العربي ليس لصالح القاعدة»، فيجيب الكاتب بأن «ذلك قد يكون صحيحاً اذا اعتبرنا بسذاجة أن القاعدة خسرت حرب الافكار». وعن فكرة أن «القاعدة لن تتعاون أبداً مع إيران»، يردّ جونز «أشكّ في كلمة أبداً». وأخيراً، على من يؤكد أن «القاعدة» «أضعف من أن تضرب الولايات المتحدة»، يجيب الكاتب «هذا خطأ فادح».



أسامة ــ أوباما

حول إثارة موضوع مقتل أسامة بن لادن من قبل إدارة باراك أوباما في خضم حملته الانتخابية وخروج مسؤوليه للدفاع عن استخدام الطائرات من دون طيار في تصفية بعض قادة «القاعدة» في أفغانستان وباكستان، علّق روبرت دريفوس في «ذي نايشن».
دريفوس يرى، في ما سمّاه «دراما أسامة ــ أوباما»، أن الرئيس الاميركي، بعد إعطائه أوامر قتل بن لادن وتصفية زعماء «القاعدة»، يريد أن ينصّب نفسه «ملك عالم محاربة الارهاب». لكن هل غيّر مقتل بن لادن الكثير فعلياً؟ هل يستحق التخلص منه إثارة الفوضى في باكستان وتحريك الاسلاميين وزعزعة العلاقات الباكستانية ــ الأميركية وتصعيب الانسحاب من أفغانستان؟ يسأل دريفوس ويجيب، طبعاً سيثير أوباما موضوع مقتل بن لادن لكسب الناخبين الأميركيين من أصحاب الأفكار الثأرية.
الكاتب يختم أن «احتفال أوباما بالنصر العظيم منذ عام يشبه كثيراً شعار «Mission Accomplished» الذي نطق به جورج والكر بوش بعيد غزو العراق.