القاهرة | محيط وزارة الدفاع المصرية في منطقة العباسية بشرق القاهرة، تحول أمس الى ساحة حرب بين المعتصمين من أنصار المرشح الرئاسي المستبعد حازم صلاح أبو أسماعيل وعدد من البلطجية، اصطلح على تسميتهم «المواطنون الشرفاء» بعد أحداث ماسبيرو، التي طالب فيها التلفزيون الرسمي المصري «المواطنين الشرفاء» بمؤازرة الجيش ضد الأقباط وحماية المنشآت القومية، وهم بشكل أدق «مواطنون مسلحون رافضون للتظاهر ضد سياسات المجلس العسكري».
المطالب الثلاثة للمعتصمين أمام وزارة الدفاع منذ السبت الماضي، والتي تضم تسليم المجلس العسكري لسلطاته وحل اللجنة العليا للانتخابات الرئاسية وإلغاء المادة 28 من الإعلان الدستوري التي تحصن قرارات اللجنة العليا للانتخابات الرئاسية من الرقابة القضائية عليها، كانت كفيلة بتعريض المتظاهرين لهجمات شرسة من قبل البلطجية برعاية المجلس العسكري، الذي اكتفى كعادته بموقف المتفرج بل المتأمل للأحداث، فيما كانت الدماء تسيل. وسقط حسب تصريح المسؤول عن المستشفى الميداني بمنطقة العباسية، طارق سعيد، لـ«الأخبار» ما لا يقل عن 25 شهيداً و500 مصاب، فيما أصرت وزارة الصحة على وجود 11 قتيلاً فقط.
اذاً، بعد خمسة أيام من هجوم البلطجية على المعتصمين من النشطاء السياسيين وأنصار المرشح السلفي حازم أبو إسماعيل، المستبعد من الترشح للرئاسة على خلفية حصول والدته على الجنسية الأميركية، قرر المجلس العسكري التدخل للتهدئة، مستخدماً قوات المنطقة المركزية العسكرية بالاشتراك مع قوات الشرطة المدنية لفض الاشتباكات. وكأن «الاشتباكات» بين طرفين متكافئين وليست بين مواطنين يمارسون حقهم في التظاهر وبلطجية، وهو ما فسره مساعد وزير الداخلية السابق اللواء حسن عبد الحميد لـ«الأخبار» بالإشارة إلى أن «العلاقة بين الشرطة وجيوش المأجورين وثيقة».
عبد الحميد أكد أن البلطجية الموجودين في محيط وزارة الدفاع لا يتصرفون بشكل تلقائي، وإنما بتوجيه من المجلس العسكري والشرطة معاً، لافتاً إلى أن «أحد مساعدي وزير الداخلية الحالي هو أبرز المسؤولين عن استقدام البلطجية وحشدهم لتزوير الانتخابات قبل الثورة». وأوضح أن «البلطجية يحتاجون الى رضى رجال الشرطة، وإلا وقعوا تحت طائلة القانون وأمكن القبض عليهم بسهولة، ومن الصعب على أي منهم رفض مطالب الشرطة في التحرك ضد المعارضين». ودلل عبد الحميد على حديثه بعدم تحرك الشرطة والجيش لتأمين الاعتصام طوال الأيام الماضية، أو حتى الفصل بين المعتدين والمحتجين طوال ساعات الاعتداء إلا بعد سقوط 12 ضحية.
رؤية مساعد وزير الداخلية السابق للأحداث لم تختلف عن رؤية كثير من السياسيين، بينهم وكيل مؤسسي حزب الدستور، محمد البرادعي، الذي أكد تواطؤ المجلس العسكري والحكومة في توفير الأمن للبلاد، مطالباً برحيل المجلس العسكري قبل أن تنهار مصر.
بدورها، اتخذت الأحزاب السياسية الموقف نفسه، فأعلنت أحزاب «الحرية والعدالة» و«النور» و«الوفد» و«العدل» و«غد الثورة» و«الحضارة» و«التحالف الشعبي»، انسحابها من لقاء كان مقرراً مع المجلس الأعلى للقوات المسلحة لبحث معايير اختيار أعضاء الجمعية التأسيسية لكتابة الدستور، احتجاجاً على أحداث العنف التي تشهدها منطقة العباسية بين المعتصمين أمام وزارة الدفاع ومسلحين بدعوى أنها لن تستطيع الاجتماع مع العسكري قبل وقف العنف ومحاكمة المتورطين فى الأحداث.
ووفقاً لعضو مكتب الإرشاد في جماعة الإخوان المسلمين، محمد علي بشر، «المجلس العسكري هو صاحب السلطة السياسية وصاحب الحق الوحيد في تحريك الشرطة بخلاف تحريك قوات الجيش نفسها لحماية المعتصمين السلميين، لكنه فضل ترك الناس يقتلون حتى داخل المستشفيات على أيدي البلطجية الذين كانوا قادرين على اقتحامها كونها ظلت بلا أدنى حراسة».
وعلى الرغم من أن معظم الضحايا من أنصار أبو إسماعيل، إلا أن تلك الأحداث لم تدفع الأخير إلى مطالبة أنصاره بفض اعتصامهم أو نقله لميدان التحرير. واكتفى أبو إسماعيل بمطالبة الأحزاب السياسية عبر صفحته على موقعه التواصل الاجتماعي «فايسبوك» بعدم الاستجابة لدعوة الاجتماع مع المشير محمد طنطاوي، قائلاً «كيف يا ترى ستقابلون المجلس العسكري اليوم ووجوهكم في وجوههم ودماء الناس تسيل على الطرقات من ورائكم».
مرشحو الرئاسة، من جهتهم، قرروا تعليق حملاتهم لحين وقف نزف الدم في العباسية. فعبر حسابه الشخصي على شبكة التواصل الاجتماعي «تويتر»، قال المرشح الرئاسي عبد المنعم أبو الفتوح «أعلن وقف أنشطة حملتي الانتخابية اليوم الأربعاء»، مضيفاً «واجب الدولة حماية الاعتصامات السلمية، وليس دور المواطن التصدي يومياً لمحاولات فض اعتصام».
بدوره، قرر مرشح الإخوان المسلمين محمد مرسي تعليق حملته الانتخابية لمدة يومين حداداً على شهداء اعتصام العباسية، في الوقت الذي اكتفى فيه المرشح حمدين صباحي برفض استمرار سياسة القتل فى مواجهة الاعتصامات السلمية.
من جهته، أكد أحد أعضاء لجنة الانتخابات الرئاسية لـ«الأخبار»، أن أحداث وزارة الدفاع لن تؤثر على سير إجراءات الانتخابات الرئاسية المقرر لها 23 و24 من الشهر الحالي، مشدداً على أن الانتخابات ستجرى في موعدها ولن تؤجل لأي سبب، في الوقت الذي أكد فيه رئيس أركان حرب القوات المسلحة، الفريق سامي عنان، خلال لقاء مع بعض الأحزاب، أن المجلس العسكري سيسلم سلطاته في 24 من الشهر الحالي في حال حسم نتيجة الانتخابات الرئاسية في الجولة الأولى، دون الانتظار الى جولة الإعادة المقرر لها 16 و17 حزيران المقبل.