بغداد | بإعلانه حكومة مقترحة من ثمانية عشر وزيراً، تخلّص رئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي من ضغط كبير كان قد تعرّض له، منذ الصيف الماضي، فيما توجهت الأنظار إلى البرلمان العراقي المُطالَب بالتصويت على اللائحة الوزارية الجديدة، خلال فترة لا تتعدى العاشر من نيسان الحالي.
ولكن الجدل ما بعد "الخميس الحاسم" يتمحور حول نقطتين: الأولى ترتبط بمدى قبول مجلس النواب بالأسماء التي سلّمها العبادي، في ظل "عدم رضا" واضح من الكتل السياسية التي كانت تتقاسم مناصب الحكومة. والثانية تتعلّق بالسؤال عمّا إذا كان ما حصل، قبل يومين، "تنفيساً" للأزمة لا أكثر، ذلك أن المعتصمين على أبواب "المنطقة الخضراء" كانوا ينوون اقتحامها، لو لم يُقدِم العبادي على خطوته بإعلان تشكيل الحكومة. وهذا السؤال يفتح على احتمال آخر، هو أن تكون هذه الخطوة في طريق طويل يتضمن مجموعة إجراءات عملية، استجابة "لضرورات إصلاحية" لا تتوقف بطبيعة الحال عند استبدال وزراء تكنوقراط بـ"الوزراء الحزبيين" .
وفور إنهاء جلسة الخميس البرلمانية، اعترض نواب من كتل مختلفة، في أحاديث صحافية، على الأسماء التي قدمها رئيس الحكومة. وبما أن اللائحة الوزارية الجديدة لم تراعِ عرف التوازن والمحاصصة، حتى في الانتماء القومي أو المذهبي للوزراء الجدد، كان من المتوقع أن يكون "التحالف الكردستاني" ــ الذي لم يرضَ أساساً بالتنازل عن حصته في الحكومة، رافضاً ربط تنفيذ الإصلاح السياسي بإنهاء وجود الوزراء الحزبيين ــ من بين أبرز المهاجمين للتشكيلة الحكومية الجديدة.
تبدو فترة 10 أيام قصيرة جداً لنيل أي حكومة ثقة البرلمان

وقال النائب عن هذا التحالف، آريز عبد الله، إن "العبادي استثمر التظاهرات ليغيّر الحكومة وفق مصلحته السياسية". وأضاف، في حديث لـ"الأخبار": "كنّا ننتظر شيئاً أفضل ممّا قدمه العبادي، لكنه ركب موجة التظاهرات وغيّر التشكيلة الحكومية بحسب مصلحته". علاوة على ذلك، إن تصريح نائب آخر عن "التحالف الكردستاني"، ريبوار طه، عن أن الوزير الكردستاني في الحكومة المقترحة هوشيار أمين لا يمثلهم، يعكس تمسّك ممثلي إقليم كردستان في البرلمان العراقي بمشروع الحصص التي كانت تتوزع على القوى الرئيسة بعد كل انتخابات.
في المقابل، أقرّ النائب عن ائتلاف "دولة القانون"، علي العلاق، بـ"الإحراج" الذي تعيشه الكتل السياسية، بعد تسلّمها لائحة الحكومة المقترحة، لكنه توقّع أن يمارس بعضها "دوراً معرقلاً" لنيل الأسماء الثقة المطلوبة. وقال العلاق، وهو من المقربين إلى رئيس الوزراء حيدر العبادي، إن "الكتل أصبحت، الآن، في موقف حرج جداً"، مضيفاً أن "بعضها قد يدعي أن أحد مرشحي العبادي غير كفوء، وتمتنع بالتالي عن التصويت له". العلاق أكد لـ"الأخبار" أن "آلية تغيير الوزراء في البرلمان ستكون بالتصويت على إقالة التشكيلة القديمة والتصويت للجديدة دفعة واحدة".
وبالنظر إلى التجربة السياسية العراقية، تبدو فترة عشرة أيام قصيرة جداً لنيل أي حكومة ثقة البرلمان، ذلك أن تشكليها أو الاستقرار على أسماء من يتولى الوزارات أمر لطالما تطلّب أشهراً، في ظل مبدأ التوافق الذي يعتمده البرلمان أساساً في هذه الحالات. كذلك إن التكهن بوجود فرص أمام مجلس النواب للتهرّب من الموافقة على حكومة العبادي الجديدة يستند إلى مجموعة أسباب. وتنطلق هذه الأسباب من واقع أن الضغط على البرلمان لن يكون كالضغط الذي مورس على رئيس الحكومة، بعد انتهاء الاعتصام المهدّد لـ"المنطقة الخضراء"، وأيضاً من احتمال أن يطلب النواب وقتاً إضافياً للتعرّف إلى السير الذاتية للأعضاء الجدد وإعادة فرض مبدأ التوازن، في ظل قناعة تتفق معها كتل سياسية رئيسة بأنه حتى مع التسليم بقبول الجميع بحكومة مستقلين، فإن ذلك يفترض أن يؤخذ بنسب التوزيع المكوّناتي للمجتمع. ومن المتوقع، كذلك، أن يُعترَض على بعض حالات الدمج التي طاولت عدداً من الوزارات في إطار التقشف.
وفي هذا المجال، قال المتخصص في الشأن السياسي، عمار المالكي، لـ"الاخبار" إن "الخطاب الذي ألقاه زعيم التيار الصدري مقتدى الصدر، بعد انتهاء جلسة البرلمان الخميس، وهدّد فيه بالسعي إلى رفع الثقة عن الحكومة إن لم يصوّت البرلمان على الأسماء الجديدة، يعطي للكتل التي لا تريد للعبادي أن يستمر في منصبه فرصة لتعرقل عملية التصويت على الوزراء الجدد من دون أن يُلام البرلمان".
في مقابل كل ذلك، من شأن الافتراض بموافقة البرلمان على التشكيلة الوزارية الجديدة أن يعيد الضغط على العبادي، الذي أقرّ "ضمناً" ببيان أصدره بعد عودته من البرلمان بأن "الحكومة الجديدة جزء من برنامج إصلاحي شامل". وقال إن "التغيير الوزاري الذي قدمناه إلى مجلس النواب والكتل السياسية، هو جزء من برنامج الإصلاح الشامل ونجدّد عهدنا بالمضي في عملية الإصلاح والتغيير ومحاربة الفساد".
ويتفق حديث العبادي مع اعتقاد سائد بأن الغاية من حكومة المستقلين تتعلّق بقدرتها على مواجهة الفساد والتعامل مع تحديات اقتصادية جمة. وفي هذا الإطار، أكد المحلل السياسي، عزيز حسن، أن "أي حكومة جديدة يفترض أن تكون ذات جدوى، وهذا لا يتم إلا إذا استطاعت محاربة الفساد ومواجهة الترهل الحكومي". وأضاف لـ"الأخبار" أن "الغاية من التخلّص من المحاصصة هي أن هذا العامل عرقل مواجهة قضايا الفساد وجاء بوزراء غير كفوئين، وبالتالي المطلوب الآن معرفة ما إذا كانت الخطوة الأخيرة بداية عمل مهم يتضمن مجموعة إجراءات، منها قانونية ومنها إدارية، منعاً للعودة إلى تجربة التداعي السياسية التي رفضها الشارع والمرجعية الدينية معاً".