وضعت الانتخابات الرئاسية اليمنية المبكرة أوزارها وتسلم الرئيس الجديد عبد ربه منصور هادي كرسي الحكم، لتدور عجلة التغيير وفقاً للخطة التي وضعتها السعودية، وإلى جانبها الولايات المتحدة الأميركية، لكن الانتقادات تتصاعد بمرور الأيام لأداء الرئيس الجديد في ظل وجود قناعة لدى البعض بأن هادي لن ينجح خلال فترة حكمه الممتدة سنتين فقط في إحداث أيّ اختراق في حل مشاكل اليمن.
وما عزز هذه الشكوك عدم تحديد موعد حتى اللحظة للحوار الوطني المنوي عقده، لمحاولة ايجاد تسويات للتحديات التي تلف اليمن من أقصى شماله إلى أقصى جنوبه، فضلاً عن بدء مصادر يمنية تسريب معلومات تتحدث عن وجود معوقات تحول دون انعقاد المؤتمر. إلاّ أن هذه الشكوك والتسريبات لن تبدّل في أن قضايا اليمن الشائكة قد وضعت منذ فترة على طاولة البحث، بانتظار تحديد موعد مؤتمر الحوار الوطني. ضمن هذا السياق، كانت مدينة بوتسدام الألمانية، قبل فترة وجيزة، على موعد مع لقاء ضمّ مجموعة من الشخصيات اليمنية البارزة، أجرت جلسات حوار غير رسمية، تناولت أبرز القضايا على الساحة اليمنية، وخصوصاً القضية الجنوبية وقضية صعدة، إضافةً إلى الثورة الشبابية، في اطار تهيئة الأجواء الملائمة لانعقاد مؤتمر الحوار الوطني.
اللقاءات، التي امتدت أربعة أيام، شارك فيها كل من القيادي البارز في المؤتمر الشعبي العام عبد الكريم الأرياني، رئيس الهيئة العليا للتجمع اليمني للإصلاح عبد الوهاب الأنسي، الأمين العام للحزب الاشتراكي ياسين سعيد نعمان، رئيس الوزراء اليمني السابق حيدر أبو بكر العطاس، الوزير السابق عبد القادر علي هلال، شقيق زعيم جماعة أنصار الله يحيى الحوثي، الإعلامية جميلة علي رجاء، وكيلة قطاع السكان في وزارة الصحة العامة والسكان جميلة صالح الراعبي، الدبلوماسي الجنوبي السابق حسين الفضلي، ورئيس منتدى التنمية السياسية علي سيف حسن. وفي اعلان صحافي صادر عن اللقاء، أكد المجتمعون أنهم خلصوا إلى التفاهم على «الإطار المرجعي للحوار الوطني، والعوامل التي تسهم في إنجاحه، والقضايا التي يمكن أن يشملها الحوار، وخطوات إطلاق عملية الحوار»، كما تطرقوا إلى مجموعة من البنود التي رأوا أن توافرها شرط أساسي لانطلاق الحوار ونجاحه. كذلك، سربت وثيقة غير رسمية صادرة عن اللقاء إلى موقع «المصدر أون لاين» تضمنت تفصيلاً لمعظم هذه النقاط.
«الأخبار» استطلعت آراء بعض المشاركين في لقاء بوتسدام، وبينهم عبد الوهاب الأنسي، الذي حرص على إعطاء صورة ايجابية عن اللقاء، فضلاً عن محاولته إبداء انفتاح حزب التجمع اليمني للإصلاح، وهو الحزب الأقوى حالياً في اليمن، على تسويات سياسية من شأنها وضع حد للأزمات التي تواجه اليمن.
وأكد رئيس الهيئة العليا للتجمع اليمني للإصلاح لـ «الأخبار» أن الغرض من اللقاء كان «تبادل الأفكار بغرض ايجاد مقاربات، ولا سيما في ما يتعلق بالحوار الوطني، نظراً إلى حرص الجميع على أن ينجح الحوار الوطني»، لافتاً إلى أن كل ما يتمناه أن تكون هناك موضوعية وإدراك أن الكلام يجب أن يكون مسؤولاً، بعيداً عمّا سماه «المشاريع الصغيرة» لبعض الأطراف، وذلك بعدما شدد على أن المشاكل اليمنية لم يستطع أيّ طرف أن يحسمها عن طريق القوة.
أما في تفاصيل الأزمات التي يتخبط بها اليمن، وتحديداً القضية الجنوبية، فأوضح الأنسي أنه «جرى الاتفاق على أنه لا بد من حل عادل في اطار الوحدة الوطنية»، مؤكداً أنه لم يجرِ التطرق إلى التفاصيل لأنها من صلب اختصاصات الحوار الوطني، الذي لا بد من أن تطرح فيه كل الخيارات لرؤية ما هو الأفضل لليمن الجديد».
وعن إمكان مقاطعة بعض تيارات الحراك الجنوبي للحوار، وخصوصاً بعد الانتقادات التي واجهها العطاس لمشاركته في لقاء بوتسدام، لفت الأنسي إلى أن الحراك الجنوبي ليس ذا اتجاه واحد، بل متعدد الاتجاهات، وستجري محاولة اشراك الجميع «فباب المشاركة في الحوار مفتوح للجميع، وبإمكان كل المشاركين أن يطرحوا خياراتهم، بما في ذلك خيار فك الارتباط». أما عن امكان تأييد حزبه لمطلب فك الارتباط إذا اتفقت عليه باقي الأطراف، فأكد الأنسي أنه «ليس من الضروري إعلان افترضات مسبقة، وما يقرره المؤتمر سيكون هناك توافق من الجميع عليه».
وفي سياق ذي صلة بالقضية الجنوبية، ينفي الأنسي الاتهامات التي تلاحق حزبه بالتورط في إحداث انفلات أمني في جنوب اليمن، متحدثاً عن توجه مقصود من قبل البعض في السلطة السابقة إلى توجيه أصابع الاتهام إلى حزبه، على اعتبار أنه الحزب الأكثرة قدرة وانتشاراً، مبدياً استعداد حزبه لتشكيل لجان مشتركة لكل من يريد أن يعرف حقيقة كافة ما جرى في الأعوام التي تلت الوحدة اليمنية، على اعتبار «أن مشاركة الاصلاح في حرب 94 كانت دفاعاً عن الوحدة».
ملف صعدة والعلاقة مع الحوثيين لم يغب أيضاً عن حديث الأنسي، وخصوصاً في ظل الاتهامات المتواصلة التي يوجهها أنصار الله إلى «ميليشيات» الحزب الإسلامي بالاعتداء على أنصارهم. ويؤكد الأنسي رفضه أن تحوَّل القضية على أنها بين الإصلاح والحوثيين، موضحاً أن حزبه جزء من اللقاء المشترك الذي فتح كل الأبواب لدعوة الحوثيين للانخراط والمشاركة في العمل السياسي، والتعبير عن هذا الاتجاه من خلال إنشاء حزب أو أي أسلوب آخر يختاره الحوثيون، قبل أن يؤكد أن جميع اليمنيين «يدفعون أخطاء السياسات السابقة، وعلينا جميعاً أن ندفع الثمن لبناء اليمن الجديد».
وتأسيساً على ذلك، سعى الأنسي إلى ارسال رسالة تطمينة بشأن نوايا حزبه، الذي يرى البعض أنه من بين قلة محدودة حققت مكاسب سياسية من الثورة الشبابية، لافتاً إلى أن السلطة لطالما استخدمت كلمة اخوان مسلمين كنوع من التشهير بحزب التجمع اليمني للاصلاح، ومشدداً على أن حزبه «ليس من أدواته العنف أو استخدام السلاح».
من جهتهم، يلاقي الحوثيون، وتحديداً شقيق زعيم جماعة أنصار الله يحيى الحوثي، «الاصلاح» بايجابية حيال انعقاد مؤتمر الحوار وامكان المشاركة فيه. وأوضح يحيى في اتصال مع «الأخبار» أن لقاء بوتسدام، الذي كان أحد المشاركين فيه، «هو حوار أولي»، مؤكداً «أن الأجواء كانت في مجملها ايجابية»، باستثناء حضور الأرياني، الذي حصلت مشادة معه على خلفية حديث يحيى عن ضرورة إنهاء الظلم الذي عاناه اليمينون طوال أكثر من ثلاثين سنة من حكم علي عبد الله صالح.
وفيما أكد الحوثي أن خيار الفدرالية بإقليمين لم يطرح خلال لقاء بوتسدام، أوضح أن القضية الجنوبية قضية محقة، وتستحق الإنصاف. بدوره، أوضح الحوثي أن الحوار مفتوح للجميع للتوصل إلى تسويات للمشاكل، متحدثاً عن وجود توجه نحو نظام فدرالي. وأبدى ميل الحوثيين إلى تفضيله لأنه لا يجوز أن يحصل انفصال.
أما مطالب الحوثيين، فاختصرها شقيق زعيم جماعة أنصار الله بالقول «نطالب بأن ينصفونا في ما اقترفوه بحقنا وبحق بلادنا في المجال السياسي والاقتصادي والاجتماعي، من خلال نظام يمثل الجميع، ويمنع الاستبداد أو الاستفراد بالسلطة»، مضيفاً «مطالب الحوثيين تقتصر على العمل من أجل بناء دولة مدنية يعيش فيها الجميع بأمن وسلام».
كذلك قلل الحوثي من المخاوف من عدم مشاركة الحوثيين في الحوار، وتحديداً في حال مشاركة اللواء اليمني المنشق، علي محسن الأحمر. وأكد أن «الحوار مفتوح لكل انسان، ومن يُرد أن يحاور فليتفضل إلى حوار لا شروط عليه».
هذه الإيجابية التي تحدثت بها الأطراف «الشمالية» المشاركة في لقاء بوتسدام لا تبدو كافية للنظر بتفاؤل إلى امكان نجاح الحوار. فالانتقادات للقاء بوتسدام، وحتى مؤتمر الحوار المزمع عقده في وقت لاحق من هذا العام، متعددة، وخصوصاً على الساحة الجنوبية.
وفي السياق، رأى ﺍﻷﻣﻴﻦ ﺍﻟﻌﺎﻡ ﻟﻠﺤﺮﺍﻙ ﺍﻟﺠﻨﻮﺑﻲ، قاسم عسكر، في حديث مع «الأخبار» أن لقاء بوتسدام لا يعبر سوى عن أحزاب السلطة واللقاء المشترك، مشدداً على أن العطاس «خرج بمشاركته في اللقاء عن المسار العام الذي جرى التوافق عليه حتى بين مؤيدي الفدرالية في مؤتمر القاهرة، الذي نص على عدم وجود حوار إلّا إذا كان ثنائياً بين عدن وصنعاء». وأكد أن ما طرح في لقاء بوتسدام لا يلبي مطالب الجنوبيين، مشدداً على أن الصيغة المقبولة للتفاوض تكون على ضوء القرارين 924 و 931 الصادرين عام 1994 عن مجلس الأمن الدولي، إبان اندلاع الحرب بين الشمال والجنوب، ومحذراً في الوقت نفسه من أنه على الرغم من التمسك بالخيار السلمي، فإن الحراك الجنوبي لديه الكثير من الخطط الكفيلة بفرض إنصات الجميع لقضيته واستعادة الدولة الجنوبية.
في مقابل هذا التشدد الذي يبديه عسكر، يتحدث العطاس لـ«الأخبار» بإيجابية عن لقاء بوتسدام ومخارجه. وأوضح رئيس الوزراء اليمني السابق أنه «رغم أن اللقاء غير رسمي ولم تصدر عنه قرارات ملزمة للأطراف السياسية في الساحة اليمنية شمالاً وجنوباً، إلاّ أنه أسس لتفاهمات ممكنه حول كل القضايا عبر الحوار الشفاف والعادل، وتحديداً حول القضية المحورية في الأزمة اليمنية، وأعني بها القضية الجنوبية بعمقها السياسي المرتبط بأزمة الوحدة، وحرب صيف عام 1994، التي قضت على الوحدة الطوعية ونهجها السلمي، وأسست لنظام لا يمت إلى الوحدة بصلة».ومضى رئيس الوزراء اليمني السابق يقول «من هنا ارتأى اللقاء أن المرجعية الدولية لأي حوار قادم تنطلق من خلفية تلك الأزمة وتلك الحرب المشؤومة، وما صدر بشأنها من قرارات دولية، وأقصد بها قراري مجلس الأمن رقمي 924 و931 لعام 1994، ثم يأتي بعدها ما استجد من قرارات ومبادرات، وترتبط وتتداخل معها المرجعية الوطنية أو المحلية». ويضيف «من هنا جاء تأكيد اللقاء على الأهداف العامة للحراك السلمي الجنوبي في مقدمة تلك المرجعية»، مشيراً إلى أن التوافق على هذه النقطة في لقاء بوتسدام «انجاز مهم يساعد المحاور الجنوبي على الوصول إلى الغايات التي ينشدها الشعب في الجنوب».
من جهة ثانية، أقرّ العطاس بأن المسألة الأخرى المهمة التي لم يتم التوافق بشأنها بصورة تامة هي الأطراف المتحاورة. ولفت إلى أنه «جرى التفاهم على أن للقضية الجنوبية مسارها المستقل، كما أن لقضية صعدة هي الأخرى مسارها المستقل»، مشدداً على أن «أبناء الجنوب أصحاب القضية، وبما أنه لا توجد دولة لا في الشمال، ولا فى الجنوب، فالأمر بيد الشعب في الجنوب والشمال، ممثلاً بقواه الوطنية وتكويناته السياسية الفاعلة». وأكد على أن هذا «الأمر بحاجة إلى مزيد من النقاش والتداول والتوافق على هذه المسألة، التي لا تقل أهمية عن التوافق على المرجعية كشرط لالتئام الحوار الوطني».أما عن امكان مشاركة مختلف فصائل الحراك، وتحديداً التيار الذي يمثله نائب الرئيس اليمني السابق علي سالم البيض في مؤتمر الحوار المزمع عقده، أوضح العطاس أن الحراك بفصائله مكون رئيسي في الحوار. ولفت إلى أنه «لضمان التمثيل الموحد لأبناء الجنوب في الحوار كطرف نسعى بموجب وثائق القاهرة (الصادرة عن المؤتمر الذي عقد قبل أشهر تحت شعار «معاً من أجل حق تقرير المصير لشعب الجنوب») إلى أن يكون الحراك هو المظلة التي تجمع أبناء الجنوب، لكن بتمثيله الواسع والشامل لكل القوى والتكوينات السياسية والاجتماعية لشعب الجنوب». وشدد على أن تحقيق هذا الأمر «مهمة جنوبية لا بد من حسمها جنوبياً وسريعاً، بأي صيغة توافقية تضمن التمثيل الموحد للجنوب».
ورداً على الاتهامات التي طاولته بأنه شارك في لقاء بوتسدام للتباحث حول سبل «وأد» الخيار الانفصالي، أكد رئيس الوزراء اليمني السابق رفض استخدام مصطلح «الخيار الانفصالي»، موضحاً أن «الحراك ليس انفصالياً، ومن يحاول أن يقدم القضية الجنوبية كحركة انفصالية فهو مخطئ، ويسيء إلى القضية، وإلى شعب الجنوب، الذي ذهب طوعاً وبطريقة سلمية نحو وحدة تتكامل فيها قدرات الدولتين المتحدتين». وشدد العطاس على أن «فك الارتباط والعودة إلى الدولتين هو المصطلح المناسب»، قبل أن يؤكد أن هذا الخيار «يعود القرار الحاسم فيه لشعب الجنوب، ولن يجري إلّا عبر الحوار السلمي، وهو الخيار الوحيد المتاح لحل القضية الجنوبية، كقضية محورية وسائر القضايا الأخرى التي أوجدها نظام الرئيس المخلوع». وختم العطاس حديثه بالتشديد على أن الحوار «يجنب البلاد الوقوع في مصيدة العنف التي تلوح بوادرها في الأفق»، منبهاً من أنه «قد يسهُل أو يسهّل للبعض دخول الحرب، لكن الخروج منها سيكون صعباً ومكلفاً للشعب بكل المقاييس».



حوار قبل أوانه

في سياق الانتقادات التي واجهت لقاء بوتسدام، رأى الصحافي اليمني منير الماوري في حديث مع «الأخبار» أن «اللقاء كان خطوة لجر بعض الأطراف إلى حوار قبل أوانه»، مشدداً على أن الحوار كان يجب أن يجري داخل اليمن، وأن تشارك فيه جميع القوى السياسية، لا عشرة اشخاص فقط.
كذلك لفت الماوري إلى أن بعض المشاركين محسوبون على نجل الرئيس المخلوع أحمد علي عبد الله صالح، ونجل الرئيس له مصلحة قوية في جر الناس إلى حوار قبل هيكلة الجيش، من أجل المماطلة في الهيكلة.
أما عن الحل الأنسب للأزمة الراهنة، فأوضح الماوري أنه يتمثل في أن يبدأ الرئيس الجديد بإقالة أقارب الرئيس السابق من القوات المسلحة، لنزع فتيل الحرب أولاً، بعدها يبدأ الحوار داخل اليمن. بخلاف ذلك، حذر الماوري من أن اليمن سيكون «أمام الخيار الليبي بدون شك لإكمال أهداف الثورة ومحاكمة القتلة والسفاحين». ولفت الماوري إلى «أن الأسرة الصالحية لديها إصرار على الاستمرار في اللعبة مثل لاعبي القمار، الذين يكسبون كثيراً، لكنهم يصرون على الاستمرار في اللعب فيخسرون كل شيء».