بغداد | بعيداً عن أنباء من وصل أو سيصل من الزعماء العرب إلى قمة بغداد، أو ما هو جدول أعمال المؤتمر الذي سيلتئم اليوم، كيف تبدو ردود أفعال العراقيين تجاه حدث كهذا؟ كيف يتعايشون معه، وما هي اهتماماتهم؟ بائع الخضار والفواكه في شارع المغرب بالعاصمة يحاول أن يشرح بسرعة لعجوز أن «ارتفاع الأسعار خارج عن إرادته»، قبل أن يعلق على المرور الكثيف لمواكب «الشرطة الوطنية» و«قوات التدخل السريع swat». السياسة تُلقي بظلالها على كلّ مفاصل الحياة العراقية. تتخاصم القائمة الفُلانية مع العلانية، فيتداول ذلك الباعة الجوالون وأصحاب المحال، الذين ازدادت مهماتهم هذه الأيام في الشوارع المؤدية إلى المنطقة الخضراء في ظل هذه المناسبة التاريخية التي يعود فيها العرب إلى بغداد، للمرة الأولى بعد قمة آيار 1990.

الشاب حيدر عامر، الذي فشل في الحصول على تعيين في إحدى مؤسسات الدولة منذ تخرجه من كلية العلوم، يبيع الخضار والفواكه تحت سقيفة صنعها بنفسه. سئِم تكرار الكلام نفسه «والله ما لي علاقة في هي الأسعار»، في ردّه على سؤال الزبائن إليه «ليش هالارتفاع وفوقها إلى الضعف؟». لقد عرقل انقطاع الطرق والتشديدات الأمنية استعداداً لعقد القمة العربية وصول البضائع إلى مركز بغداد، ما أدى إلى ارتفاع أسعارها بشكل كبير.
ليست الأسواق وحدها من تصدح بأحاديث قمة العراق 2012، والتي تعطلت بسببها المدارس والجامعات والدوائر الرسمية منذ أسبوع، فالصالونات العائلية أيضاً نالت نصيبها من هذه الأحاديث.
بشرى حسن، موظفة في وزارة الصناعة والمعادن، وجدت في قرار العطلة «أفضل من المشي في أجواء من العسكرة والزحام غير المسبوق»، لكنها تعلق على انتشار العناصر الأمنية بكثرة، بالقول: «هو هذا حجي شنو كأنه عندنا استعراض 6 كانون (عيد الجيش العراقي)».
مع ذلك، فإن بشرى وأمثالها لن يتأثر مستوى معيشتهم، فلا استقطاعات ستطال رواتبهم، ولا واجبات ستتأخر في الكثير من المؤسسات الحكومية التي تعاني من نسبة عطالة قياساً إلى أدائها أو انتاجها. وحدهم الشغيلة المياومون هم من سيتأثرون بقطع الطرق وشبه حظر التجوال الواقع على الأرض والذي لم يعلن عنه رسمياً. شأن سائق سيارة الأجرة، أبو حسين، الذي ملّ من التجول داخل حيه السكني في منطقة الشعب ببغداد لنيل أجرتين أو ثلاث؛ فهو لا يستطيع قطع مشاوير توصيل طويلة، وفي الوقت ذاته لا يمكنه أن يجلس في بيته مع أطفاله الأربعة، وإلا فكيف له أن يوفر لعائلته قوتها. زميل أبو حسين في المصلحة، أبو أحمد (49 عاماً) يتوقف عند أنباء يتداولها العراقيون بشيء من الحسرة عن تنازلات قدّمها بلدهم لأكثر من دولة عربية لقاء ضمان حضورها القمة، وهو يدردش مع صديق له قرب عمود كهرباء متهالك في منطقة الشعب، يتنهد بأسى وهو يسرّ إليه قائلاً: «شي مؤلم يا أخي أن يقدّم العراق كل هذي التنازلات، معقوله نتنازل بهذا الشكل للسعودية وقطر وبالأخير ولا زعيم منهم يجي لحد الآن».
وكانت صحيفة «العالم» (يومية عراقية) ووسائل إعلام عراقية أخرى، قد نشرت تقارير تُفيد بأنّ «بغداد اضطرت لدفع أثمان غالية، وهي تستجيب لبعض مطالب الدول العربية»، حسب ما صرح مسؤول حكومي رفيع، كاشفاً عن أنّ «السعودية رهنت تمثيلها الدبلوماسي باستجابة العراق لمطلبين أولهما إطلاق وزير التجارة في عهد النظام السابق محمد مهدي صالح، وقد أُطلق سراحه، والمعلومات تقول إنه غادر العراق». أما ثاني الشروط السعودية فهو «إطلاق سراح السجناء العرب ممن لم تثبت التهم ضدّهم، وتحويل أحكام الإعدام الصادرة بحق الإرهابيين إلى أحكام بالسجن المؤبد، وقد استجيب لهذا الطلب أيضاً، إذ غيّرت أحكامهم من الإعدام إلى السجن المؤبد».
وبشأن مصر، فإن «العراق استجاب لمطلب تسوية مشكلة الحوالات الصفراء بجرة قلم، بعدما ظلت القضية سنوات طويلة رهن النقاش والتفاوض»، فيما رهنت قطر «رفع مستوى تمثيلها الدبلوماسي في القمة»، بحسب المصدر الرسمي «بتسوية عاجلة لقضية طارق الهاشمي». أما الأردن، فقد رهن هو الآخر مستوى تمثيله باستجابة العراق لمطالبه بشأن زيادة كمية النفط المصدرة إليه بأسعار تفضيلية، فيما اشترطت الصومال وجيبوتي وجزر القمر، أن يستأجر العراق «طائرات رئاسية لقادتها، كي يحضروا القمة، وكل طائرة منها ستكلف العراق نحو مليون دولار».
وعلى الرغم من تعليقات التهكّم على هذا الحدث المهم، لما سببه من معاناة وأعباء على كاهل المواطنين، من قبيل «هي قمة أو نقمة» أو «اللهم ارفع هذه القمة عن هذه الأمة»، فإن ذلك ليس هو الصورة الوحيدة في بغداد اليوم؛ فهناك عراقيون ينظرون بإيجابية لعودة العراق إلى دائرة الأضواء العربية، وإن بخجل، هذا رأي صاحب محل صيرفة في منطقة عرصات الهندية. يقول «ندري أنه عودة العراق إلى حاضنته العربية مهم في مسار البلد بس لو الحكومة مفكرة بالشعب كان التفاعل معها ومع القمة أكثر».
قول يعكس المزاج الشعبي العام الساخط على الحكومة وتقصيرها المستمر في توفير حاجات الناس. ولأن العراق، بحسب التصريحات الرسمية، قد أنفق ملايين الدولارات على القمة، فإن ذلك زاد من نقمة الشارع في بغداد.