ماذا بعد موافقة دمشق على خطة المبعوث الأممي _ العربي المشترك، كوفي أنان، ذات النقاط الست؟ وما هي الخطوة التالية في مفاوضاته مع دمشق؟ وما هي حدود التباينات بشأن بنودها بين السلطات السورية وبين أنان، كذلك بين روسيا وبين رعاة «أصدقاء سوريا»؟ الأجوبة عن هذه الأسئلة الحاسمة ستحدّد مسار الفصل الثاني من الأزمة السورية التي تنخرط فيها دول العالم قاطبة.
«الأخبار» اطّلعت على مجموعة تقارير دبلوماسية تتعلق بعمل أنان وفريقه، ابتداءً من تفاصيل المباحثات بين موفده السرّي إلى دمشق قبل أيام، مروراً ببرنامج التفاوض ما بعد الموافقة السورية على النقاط الست، إلى تفاصيل محادثات أنان في روسيا وما يجري دولياً بحثاً عن قواسم تُنتج التسوية الصعبة.

برنامج اللقاءات

يرتقب أن يشارك الموفد الأممي _ العربي في أعمال القمة العربية المنعقدة في بغداد اليوم وغداً، على أن ينتقل يوم السبت إلى تركيا كي يشارك في اجتماع أصدقاء سوريا في إسطنبول، برفقة نائبه السفير ناصر القدوة، وأعضاء آخرين من فريقه، بينما تواصل بقية الفريق العمل في سوريا، حيث تلتقي مع أطياف المعارضة السورية الداخلية.
ومشاركة أنان في قمة بغداد تأتي في سياق تحبّذه واشنطن، لجهة التأكيد على عودة العراق إلى قلب العالم العربي. وفي هذا الإطار، يُثني نائب الرئيس الأميركي، جوزيف بايدن، في محادثة مع دبلوماسي لبناني، على قرار الرئيس ميشال سليمان حضور قمة بغداد، وأيضاً على قرار أمير الكويت المشاركة شخصياً؛ فإدراة باراك أوباما، في ظل حماوة الحمله الانتخابية على رئاسة ثانية، تريد للقمة أن تُظهر أن العراق أصبح معافىً وقادراً على النهوض بمسؤولياته منفرداً، وهو ما حتّم الانسحاب الاميركي منه.
لكن أنان يركز جهوده في هذه اللحظات على تحقيق هدفين اثنين. الأول يتعلق بالجولة الثانية من مباحثاته مع السلطات السورية ومع معارضي الداخل في دمشق. والثاني يتعلق بسعيه إلى إحراز تقدّم للمعارضة السورية على مستوى إرساء وحدتها. ويرى أنان، بحسب ما يقوله القدوة في لقاء مغلق مع سفراء عرب في جنيف قبل ثلاثة أيام، أن انعدام الوحدة في صفوف المعارضة السورية هو أحد أهم العوامل التي قد تعوق مهمة الموفد الدولي _ العربي.
وقبل أيام قليلة، أوكل أنان إلى نائبه القدوة مهمة العناية بملف المعارضة السورية، والتواصل مع شقّيها الداخلي والخارجي على السواء. ويخوض القدوة الآن سباقاً مع الوقت الضيق أصلاً، للانتهاء من دراسته لهذا الملف، وخصوصاً أن التحاقه بفريق عمل أنان تأخر لأسباب غير معروفة. فرغم أن تكليفه حصل قبل أسابيع، يؤكد مصدر دبلوماسي أنّه لم يلتحق بمكتبه في جنيف، حيث مقر أنان، إلا يوم الاثنين الماضي. وأول مهمة قام بها لحظة جلوسه وراء مكتبه، هي اتصاله بعميد سفراء العرب في جنيف، طالباً منه عقد لقاء تعارف له مع سفراء الدول العربية في سويسرا، تمهيداً لبناء علاقة شخصية معهم، تؤمن حاجته للتواصل بهم في المرحلة المقبلة من عمله على الموضوع السوري. ويكشف القدوة عن أن تعيينه جاء بناءً على اقتراح من الجامعة العربية التي كان لها دورها في بلورة فكرة إنشاء البعثة الأممية _ العربية.

ثلاث عقبات

يقول القدوة إن العقبات الحالية المعوّقة لمهمة أنان تتوزع على عدة أنواع، منها ما يتصل بالمناخ الدولي الراهن، وعدم وجود توافق دولي على رؤية موحدة للحل في سوريا، الأمر الذي يعكسه عمل مجلس الأمن، وخصوصاً أنه جرى استدعاء المندوبين الكبار قبل أسبوعين للقاء أنان واستيضاحه عن أهداف مهمته وآلياتها والمطلوب دولياً لدعمها.
العقبة الثانية تكمن في صعوبة الجولة الثانية من المفاوضات الحافلة بمئات التفاصيل التي تحتاج إلى إيجاد صيغ تُلائم بينها وبين توزانات دولية وإقليمية متناقضة، وأيضاً بينها وبين شروط متباينة يطرحها النظام السوري من ناحية والمعارضة من ناحية ثانية. أما العقبة الثالثة، فتتركز على واقع المعارضة السورية المفكّكة. ويحدّد القدوة في اللقاء الدبلوماسي نفسه عنوان الخطوة الثانية في مهمة أنان في سوريا، وتتمثل في «التباحث بتنظيم آلية مراقبة، وإقرار بروتوكول ذي صلة لتنظيم عمل المراقبين».

قصة المسعى

يروي دبلوماسي عربي أن القدوة أجرى مراجعة لمسار الوساطة، ثم قدّم عرضاً للمشاكل التي تعترض المرحلة التالية منها، والمنتظر البدء بها قريباً. وقال إن هذه المراجعة يصح اعتبارها «قصة مسعى أنان الكاملة» بشأن سوريا، منذ طرح اقتراحه على دمشق حتى هذه اللحظة. ويسترسل فينقل عن القدوة روايته القصة وفق التفاصيل الآتية:
منذ الأيام الأولى لانتدابه لقيادة مسعى حل الأزمة السورية، صاغ أنان ما يمكن تسميته «مفهومه» لمهمته، ومفاده أن «الأزمة السورية هي إشكال عربي يحدث في منطقة عربية، ويجب أن يكون الحل سياسياً سورياً مدعوماً عربياً، من دون التقليل من أهمية دور الأطراف الدولية والإقليمية الأخرى». ويضيف الدبلوماسي «لقد قرأ أنان هذا المفهوم لتحرّكه على كل الزعماء العرب والدوليين الذين التقاهم»، معتبراً أن هذا المفهوم يمثّل الإطار الذي سيعمل داخله ولن يخرج عنه. وأكثر جهة رحّبت بهذا المفهوم هي روسيا، علماً بأن كل الأطراف الأخرى رأته حكيماً أو مقبولاً. وخلال زيارته الأخيرة لدمشق، عرض أنان على السلطات السورية اقتراحه المعروف بالبنود الستة التي جرى اعتمادها من خلال البيان الرباعي الذي صدر عن مجلس الأمن بالإجماع، ووافقت عليها دمشق. وهي تتلخص بإيجاز بـ«الالتزام بعملية سياسية، ووقف العنف وتأمين نقل المساعدات الإنسانية وإطلاق سراح المعتقلين، وضمان الحريات الإعلامية وحق التظاهر السلمي». وكان أنان، قبل مغادرته دمشق، قد طلب من القيادة السورية أن تعطي موافقة علنية على اقتراحه، فوفى السوريون بذلك وردّوا بالإيجاب.
وتضيف الرواية «تمثّل النقاط الست المدخل الإلزامي لتحقيق أمرين سيكونان محل التفاوض في هذه المرحلة. الأول، تحقيق التزام أوّلي بالدخول في عملية سياسية تستجيب للطموحات المشروعة للشعب السوري، وتبتغي، ثانياً وبالتوازي، وقف العنف، لكنه وقف مستدام للعنف، مرتبط بإيجاد آلية مراقبة فعالة»، وحول هذه النقطة الأخيرة ستدور المفاوضات مع السلطات السورية والمعارضة ودول معنية.
ويكشف الدبلوماسي العربي أنه في نهاية الأسبوع الماضي «تسرّبت معلومات لأنان مصدرها موسكو، تفيد بأن الحكومة السورية قررت الموافقة على النقاط الست، فعمد فوراً إلى إيفاد أحد أعضاء بعثته إلى سوريا، بعيداً عن الأضواء، من أجل مباشرة التفاوض حول التفاصيل المتعلقة بإنشاء آلية مراقبة، تنفيذاً لأحد بنود النقاط الست». وقد طرح الموفد على المسؤولين السوريين ما يعتبره أنان في هذه المرحلة أمراً أساسياً يتعلق بـ«تأليف فريق مراقبين عسكريين غير مسلحين يرافقهم مراقبون مدنيون معنيون بمراقبة الوضع الإنساني».
خلال النقاش، تضيف الرواية، برزت ملامح تحفّظ سوري غير مباشر، «وان لم يجر طرحها مباشرة على طاولة التفاوض الآن. وتشير الملامح إلى رفض سوري، أو عدم رغبة في أن يشتمل فريق المراقبين على عناصر من جنسيات عربية. ولأنان رأي بخصوص هذا المطلب، وهو أنه لا يحق للدولة المعنية، وفق مبادئ عمل الأمم المتحدة، الاعتراض على جنسيات أعضاء فريق المراقبين».
ونفى القدوة بأسلوب ملتبس، بحسب المصدر الدبلوماسي، ما يشاع عن أن «اختيار الفرنسي جان غاري غوتيو، الذي شغل سابقاً مهمة وكيل الأمين العام للأمم المتحدة لمهمات حفظ السلام لسنوات طويلة، نائباً ثانياً لأنان، كان وراءه نيّة مبيتة من قبل الأخير، لإنشاء قوات حفظ سلام تقوم بمهمة مراقبة وقف العنف في سوريا». وقال «حتى الآن، هذا الأمر غير مطروح، وتعيين غوتيو جاء على خلفية خبرته الكبيرة في حفظ السلام. وهذا الأمر سيؤدي دوراً رئيسياً في تطبيق بند مراقبة وقف العنف، فيما لو أنجز الحل السياسي المرتجى للأزمة السورية».
وأضاف القدوة «حتى الآن لم يجر اتفاق على صيغة فريق المراقبين، ولا على البروتوكول الذي سينظّم عمله، وكل ما طرحه أنان في دمشق عبر مبعوثه الموجود هناك حالياً، وعاد وأثاره مع المسؤولين الروس قبل أيام، هو فريق مراقبين غير مسلّحين».

موسكو: أسئلة وشروط

في موسكو، عرض وزير خارجية روسيا سيرغي لافروف أمام أنان موقف بلاده من مهمته، المدعومة روسياً، وشروط استمرار هذا الدعم، وذلك على الشكل الآتي: أولاً، أبدت موسكو ارتياحها الكبير لمهمة أنان، وامتدحت شخصيته لتمتعه بصدقية عالية وسيرة عمل حافلة بالجدية. ثانياً، قدّمت روسيا وصفاً لمهمة أنان في هذه المرحلة بعد موافقة سوريا على اقتراحه، وهي أنها تقع في «المرحلة التحضيرية الحذرة، وهي مهمة صعبة». ثالثاً، توافقت روسيا مع أنان على نقطتين، الأولى أن يُصار إلى سحب موضوع تنحّي الرئيس السوري بشار الأسد من أي بحث، وهو ما جعل الموفد الدولي يلتقط الإشارة إلى أن مهمته ستفشل في حال غلّفها بهذا الشرط، والثانية تتعلق بالموقف الروسي الحاسم برفض ومنع أي تدخل عسكري خارجي.
وأوضح لافروف، في هذا المجال، لأنان أن روسيا قامت بكل ما عليها بعدما أقنعت النظام السوري بالقبول بخطته، وبالتالي يبقى عليه أن يبقى ضمن إطار مهمته ونقاطها المعلنة. وكان هذا الكلام تعبيراً واضحاً عن شروط موسكو للإبقاء على دعمها لمهمته، وهي مطالب لم يعتبرها أنان شروطاً، لأنها تمثّل مسلّمات في تفكيره بخصوص مهمته.
رابعاً، برزت تباينات خلال النقاش بين أنان ولافروف، حرص الطرفان على التقليل من أهميتها، على اعتبارها «تباينات تقنية»، وهي على صلة بتفسيرهما لآلية «مراقبة وقف العنف». وهي مادة نقاش بعثة أنان المقبلة في سوريا. وقد عبّر الجانب الروسي عن ذلك على شكل استفسارات من بينها: استفسر الروس عن الترابط ما بين «انسحاب القوات الأمنية النظامية السورية من المراكز السكنية وحولها، كما يرد في النقاط الست، وبين «من هي» الجهة التي ستكون مؤتمنة على الحفاظ على الأمن بعد الانسحاب، وسألوا: هل الشرطة مثلاً ستتولى هذه الأمور؟».
ويستبطن هذا السؤال محاولة روسية لسبر غور أنان بخصوص ما إذا كان لديه آلية يخفيها حتى الآن، كتأليف قوة حفظ سلام دولية أو عربية، على سبيل المثال، للقيام بهذه المهمة، وهو أمر يتحفّظ عليه الروس وترفضه دمشق بنحو مطلق.
الاستفسار الثاني لموسكو يتعلق بإظهار اهتمامها بتطبيق النقطة الواردة في اقتراح أنان بخصوص إنشاء آلية لنزع سلاح المعارضة، وخصوصاً أن النظام السوري واضح في هذه النقطة. وفي هذا المجال تحدث أنان عمّا يمكن فعله لتحويل المعارضة السورية من مسلحة إلى مدنية.
وقد سمع أنان وموفدوه كلاماً واضحاً من الجهات السورية، مفاده أن التسوية المتعلقة بوقف العنف لا يمكن اعتبارها فضّ نزاع أو ربط نزاع بين جهتين، وأن سوريا ترفض رفضاً مطلقاً بقاء أي مسلح، وأنها مستعدة لتوفير كل الضمانات السياسية والقانونية لأجل عدم التعرض لكل من يلقي سلاحه. وقد سمع موفد أنان عبارات حاسمة في هذا المجال: أنتم هنا للمساعدة على استقرار سوريا وحقن المزيد من الدماء، ولكن ليس لأجل فرض هدنة بين متقاتلين.
غداً: ماذا تقول الإدارة الأميركية عن أنان ومساعيه؟



لا زيارة لطهران

حذّر وزير الخارجية الإيراني علي أكبر صالحي، أمس، من قيام أطراف دولية وإقليمية بأي إجراء متسرّع أو أحادي الجانب تجاه سوريا، معرباً عن استعداد بلاده لمساعدة سوريا في عملية إعادة إعمار المناطق المتضررة.
ونقلت وكالة الأنباء الإيرانية «إرنا» عن صالحي تأكيده، خلال لقائه الموفد الخاص للرئيس السوري فيصل المقداد، «دعم سوريا الصديقة والشقيقة».
بدوره، قدّم المقداد شرحاً تفصيلياً لآخر المستجدات في شتی المجالات السياسية والأمنية والاقتصادية في بلاده، معتبراً أن الظروف الراهنة مناسبة، في ضوء الاهتمام الخاص، للحكومة السورية للتقدم بعملية الإصلاحات ومتابعة الحوار الوطني.
في غضون ذلك، أعلن المتحدث باسم كوفي أنان، أحمد فوزي، أن الأخير لن يزور طهران في الأسبوع المقبل، نافياً بالتالي تصريحات سابقة لوزير الخارجية الإيراني. ومن المقرر أن يلقي أنان كلمة عبر الدائرة المغلقة أمام مجلس الأمن الدولي من جنيف، يوم الاثنين المقبل، بحسب فوزي.