بدا أن «المجلس الوطني السوري» فشل في اسطنبول، أمس، في محاولة تقديم صورة جامعة لأطياف المعارضة؛ فبعد فشله في إقناع أطراف رئيسية في المعارضة بحضور اجتماعَي يومي أمس وأول من أمس، أخفق في تحقيق إجماع الحاضرين الـ400 لاجتماع اسطنبول على «وثيقة العهد والميثاق» الذي أعدّه ليكون كوثيقة تضع الخطوط العريضة لمرحلة ما بعد سقوط النظام السوري. أجواء دفعت بوزيرة الخارجية الأميركية، هيلاري كلينتون، إلى التشديد على أنه «يجب أن تقدم المعارضة السورية التزاماً واضحاً بحماية حقوق كل السوريين»، لذلك فإنها «ستضغط بقوة على المعارضة السورية من الآن وحتى مؤتمر اسطنبول لتقديم هذه الرؤية التي تشمل الجميع». وبعد رفض «هيئة التنسيق الوطني للتغيير الديموقراطي» و«المنبر الديموقراطي» حضور اجتماع المعارضة في اسطنبول، انسحب عدد من الحاضرين البارزين، من أمثال القيادي المنسحب أصلاً من «المجلس»، هيثم المالح، وممثلين عن الأكراد، على خلفية «هيمنة المجلس الوطني على المؤتمر»، بينما رفض عدد من المعارضين الحاضرين، خصوصاً من الأكراد، أجزاءً من مضمون «العهد الوطني»، علماً بأن الآمال كانت كبيرة في أن يستطيع المجتمعون في اسطنبول تقديم صورة لاجتماع «أصدقاء سوريا» في اسطنبول أيضاً يوم الأحد المقبل، تفيد بأن المعارضة متفقة على الأقل على العناوين العريضة لإدارة البلاد بعد سقوط النظام. إخفاق أدى إلى تمديد اجتماع المعارضة يوماً إضافياً.
ومنذ بداية الاجتماع، انسحب الناشط هيثم المالح، بحجة أن «المجلس الوطني السوري لا يحترم باقي مكوّنات المعارضة من خلال فرض جدوله وآلياته من دون أي تشاور معها». وقال المالح «أريد أن أراهم يمارسون الديموقراطية، لكنهم يتصرفون حتى الآن مثل حزب البعث». وما لبث أن جاء دور الانسحاب إلى «المجلس الوطني الكردي» المكوّن من ١٢ حزباً وتنسيقيات كردية. وقال القيادي الكردي المعارض طلال إبراهيم باش المللي «نحن بحاجة إلى حل سياسي لقضية الأكراد في هذا البيان، لكنهم قالوا (المجلس الوطني السوري) إنهم سيبحثون ذلك في وقت لاحق». كذلك فإن «الائتلاف الوطني في سوريا» هدّد بالانسحاب أيضاً في حال عدم الاستجابة لشروطه بـ«إعادة هيكلة المجلس الوطني بدءاً بالمكتب التنفيذي حتى أصغر قسم في المجلس». بدوره، أشار رئيس «الحركة الوطنية للتغيير» عمار القربي إلى أنه لن يوقّع بياناً بشأن مستقبل سوريا «شديد العمومية» كالذي اقترحه «المجلس الوطني». وقال القربي «نقوم بالثورة على النظام لأنه لا يسمح لنا بالتحدث بحرية، لكني الآن، وفي هذا المؤتمر للمعارضة، لا أستطيع أيضاً التحدث بحرية». واختصر دبلوماسي تابع اجتماعي أمس وأول من أمس الوضع بالقول إن «على المجلس التنفيذي أن يفعل شيئاً ليظهر أنه يستمع إلى الناس. هناك شعور بأنه ليس ديموقراطياً ولا شفافاً بالقدر المناسب».
وتأخر صدور البيان الختامي للاجتماع، على وقع إعلان منظمي المؤتمر عن تشكيل لجنة تنكبّ على «إعادة هيكلة المجلس الوطني» لضم كافة أطياف المعارضة إليه، على أن ترفع تقريراً بنتائج عملها خلال ثلاثة أسابيع. وتلا القيادي في «المجلس الوطني» جورج صبرا «وثيقة العهد والميثاق»، التي تضمنت «تأكيد الدستور الجديد لسوريا على عدم التمييز بين عرب واشور وكرد وتركمان او غيرهم، واحترام الحقوق المتساوية للجميع ضمن وحدة سوريا ارضاً وشعباً». كذلك دعا الى «تنظيم انتخابات نزيهة ونظام متعدد الاحزاب وعدم قيام اي نوع من العقبات امام الراغبين بالمشاركة في الحياة السياسية». وشددت الوثيقة على ان «المجلس النيابي سيعكس ارادة الشعب ويعطي الشرعية للحكومة المنبثقة عنه»، على أن يُنتخب الرئيس «بحرية من قبل الشعب او من قبل البرلمان ولن يكون على قياس فرد او هيئة معينة، وتحدد صلاحياته وفق الدستور بما يتوافق مع فصل السلطات». وركزت الوثيقة على «الالتزام بشرعة حقوق الانسان وحماية الحريات العامة وفق المواثيق الدولية (...) وعلى ان تضمن الدولة اعلى درجات صيانة حقوق المكونات الدينية وتوفر حرية ممارسة الدين والعقيدة والفكر». ودعت هذه الوثيقة الى «تجريم كل اشكال التعذيب والمعاملة المسيئة ولن يسمح بالافلات من العقاب». وطمأنت الوثيقة إلى أنه «لن يكون انتقام في سوريا الجديدة بل على العكس سوف تتوفر الشروط من اجل تضميد جراح الماضي على ان تضمن سوريا الجديدة حماية الافراد والجماعات وتعمل على تحقيق مصلحة وطنية جامعة تستند الى العدالة». وفور انتهاء صبرا من تلاوة الوثيقة، انسحب الوفد الكردي من قاعة المؤتمر.
كذلك تلا عبد الرزاق عيد بياناً أعلن فيه تشكيل لجنة تحضيرية تكلف إعادة هيكلة المجلس الوطني، على أن تنهي أعمالها خلال ثلاثة أسابيع، بهدف توسيع قاعدة تمثيل المجلس على كافة اطياف المعارضة. وأكد عيد أن سوريا الجديدة «ستكون دولة مدنية ديموقراطية تعددية مستقلة حرة تحدد مستقبلها بحسب ارادة الشعب السوري وحده».
(الأخبار، أ ف ب، رويترز)